صامويل بيندت يكتب: لماذا يحب الروس بوتين؟



صامويل بيندت

خلال الخمس عشرة سنة الماضية، كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحظى دوماً بنسب تأييد عالية واستمر الدعم الذي يحصده من معظم المواطنين في بلده، ومن النخب العسكرية والسياسية والاقتصادية محلياً.
طرح المعلّق السياسي الروسي إيليا كونستانتينوف الذي يكتب في صحيفة “سفوبودنايا بريسا” رأياً شخصياً عن دعم الشعب الروسي لبوتين وعن ارتباط هذا الموقف بعهد الرئيس بوريس يلتسين، الرجل الذي رشّح بوتين لأعلى منصب وطني في 31 ديسمبر 1999.
في أواخر الثمانينيات والتسعينيات، غداة محاولة تطبيق إصلاحات سياسية واقتصادية سوفياتية عُرِفت باسم “البيريسترويكا” و”الغلاسنوست”، قدّم يلتسين الذي انتُخِب كأول رئيس روسي في يونيو 1991 شخصية لافتة للروس الذين سئموا القادة السوفيات المتشابهين كما كتب كونستانتينوف: “أُغرِمت الناس به من أول نظرة وأحبّوه كما تستطيع المرأة وحدها أن تحب، بكل شغف واندفاع ومن كل قلوبهم”.
كتب كونستانتينوف عن عشاء حضره يلتسين عام 1990، قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، فسُئل حينئذٍ عن الصفات القيادية التي يجب أن يتمتع بها الرجل الذي يرأس روسيا المعاصرة، فأجاب: “يجب أن يكون سياسياً قوياً ورجلاً قوياً”. حين تفوّه بكلمة “قوياً” في المرة الأولى، خبط يده على الطاولة كي ترنّ جميع الأطباق، ثم تابع يلتسين كلامه وقال إن ذلك الرجل يجب أن يفهم طموحات الشعب الروسي، لكن أهم جزء من المواصفات يتعلّق بأن يكون “رجلاً قوياً وصاحب سياسات قوية!”.
مرّت روسيا، بقيادة بوريس يلتسين خلال التسعينيات، باضطرابات اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية متعددة، فانهارت المعايير والمبادئ والممارسات الماضية ولم تُستبدَل العادات القديمة بالعادات الديمقراطية الجديدة بشكل منصف أو ناجح، واليوم، يندم عدد كبير من الروس على أحداث ذلك العقد وينظرون إليه بمشاعر مختلطة في أفضل الأحوال أو يعتبرونه حقبة مؤلمة من حياتهم في أسوأ الأحوال.
يعتبر كونستانتينوف أن “يلتسين استغل روسيا بشدة، فسرق وطنه بالكامل وجرّد البلد من كل شيء، لذا كرهه الناس، وما كان البلد ليقبل بأن يشبه خلفه “السيد” المتقاعد، علماً أن التشابه لا يقتصر على الشكل الخارجي”، فـ(بوتين) لا يشرب ولا يسقط عن الجسور ولا يحاول نسج المؤامرات، بل إنه يُحسِن التصرف.
ربما يجسّد هذا الرأي نظرة شخصية لتفسير شعبية بوتين وسط الشعب الروسي، لكن من الواضح أن جزءاً من الناس ليس راضياً على هذا “الزواج” المزعوم، مهما بدا مستقراً، إذ تشير الاحتجاجات التي أطلقتها المعارضة الروسية الناشطة، رغم مقتل شخصيات سياسية بارزة مثل آنا بوليتكوفسكايا وبوريس نيمتسوف، فضلاً عن استمرار ظاهرة نزيف الأدمغة، إلى استياء الكثيرين من مسار الوضع في بلدهم.
وتركز نظرة كونستانتينوف الشخصية عن بوتين على أسوأ سنوات يلتسين، حين بدا الاقتصاد مقسوماً بين أصحاب المصالح النافذين، ما أدى إلى نشوء طبقة من رجال الأعمال الأقوياء، وزيادة الجرائم التي تهدد المجتمع الروسي بعدما كان مستقراً في السابق، وسيطرة النخب الموالية للحكومة على الناتج الاقتصادي الوطني. لكن في تلك السنوات حصلت تطورات إيجابية أيضاً، فنشأت صحافة حيوية وحرة واستعاد الناس حرية السفر إلى الخارج بعد عقود من قواعد “الستار الحديدي” التي حبست الشعب السوفياتي داخل حدود الاتحاد السوفياتي.
ينهي الكاتب فكرته بملاحظة مثيرة للاهتمام: بعد أكثر من عقدين ونصف من التغيرات الكبرى في عهد يلتسين وبوتين، قد لا يصمد البلد في وجه الاضطرابات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية اللاحقة إذا غادر بوتين منصبه من دون تسمية خلف يجذب الشعب والنخب معاً. سيكون الزمن كفيلاً بتحديد مسار الوضع، لكن حتى الآن، يبقى أي كلام عن خلف بوتين مجرّد تكهنات.

المصدر: الجريدة

أخبار سوريا ميكرو سيريا