سوريا.. الثورة مستمرة


لم يكن الشعب السوري يتوقع هذا المصير على أيدي النظام وحلفائه، ولم يكن يتوقع هذا التعامي العالمي عن التدخل الميليشياوي لحزب الله وعن التدخل السافر للحرس الثوري الإيراني.

لم ينتظر السوريون الذين لا يزالون يعيشون في مدنهم وقراهم التي دمرها القصف ساعة الصفر لبدء الهدنة المعلنة، وإذا بهم يستعيدون أيام ثورتهم الأولى معلنين للعالم كله: الشعب يريد إسقاط النظام!

فما أن خَفَتَ صوتُ الطيران الحربي والمروحي في سماء حلب ودوما والقنيطرة، وتلاشى دخان وغبار البراميل المتفجرة والصواريخ الفراغية، حتى انطلق أبناء المدن والقرى من تحت الأنقاض وبين البيوت المتهدّمة وفي الطرقات التي يغطيها الدمار في تظاهراتهم يطلقون هتافات الثورة ويرددون؛ “سوريا لينا وما هي لبيت الأسد! سوريا بدها حرية”.

وبغض النظر عن الأسباب والدوافع الحقيقية التي فرضت على الاحتلال الروسي إعلان “وقف الأعمال العدائية” مطلع هذا الشهر (مارس)، لا بد من التأكيد على أن الشعب السوري منذ خمسة أعوام أراد تحقيق أهدافه من خلال انتفاضة سلمية. وليس أحرص على سوريا، مدنا وقرى وبنى تحتية وبشرا، من الشعب السوري نفسه. لا بل كان أشد حرصا على أسلحةٍ وجيشٍ بناه من لقمة عيشه لتحرير أرضه وحماية وطنه من نظامٍ لم يرَ في القوات المسلحة وفي مختلف الأسلحة التي في حوزته، إلا وسيلة لحماية نفسه من هذا الشعب.

فقد كانت الثورة فعلا سلميا واجه أجهزة الأمن والقمع و”الشبيحة” بالصدور العارية على مدى شهور طويلة، تدرّج فيها النظام في دمويته من المجازر المتفرقة، إلى استخدام المدافع والدبابات، إلى الطائرات الحربية والمروحيات، إلى استخدام البراميل المتفجرة والأسلحة الكيمائية وغيرها.. بهدف قتل وتشريد أكبر عدد من السكان.

وعلى مدى السنوات الخمس من عمر الثورة، واجه السوريون بصبر جرائم نظام الأسرة المافيوي الذي لم يستطع الصمود، فتضافرت في وجه هذا الشعب كل قوى النظاميْن الإقليمي والعالمي بأشكال مختلفة مستقدمة كل عصابات القتل من مختلف بلاد العالم، ومستخدمة كل الأسلحة التي تمتلكها بما في ذلك الإعلام والنفاق والمراوغة والتواطؤ والتغاضي وتيسير انتقال السلاح والأفراد والمجموعات سواء تلك التي دعمت قوات النظام التي تلاشت أو تلك التي انقضّت على الثورة وأهدافها الأصلية من خلف، كتنظيم داعش وجبهة النصرة وأمثالهما، والتي أعلنت أن الحرية كفر والديمقراطية شرك، لتنقض على ثورة الحرية والكرامة والمواطنة بتسفيه أهدافها والتعمية على أسبابها المادية.

عاشت سوريا والسوريون عقودا طويلة من الزمن في حلقة مفرغة من الخوف والتحوّط نتيجة القمع والاستبداد المفرط اللذين كانا يحيقان بهما على أيدي مجموعة من الأجهزة التي ابتدعها النظام، والتي حاولت بممارساتها المرعبة تحويل الشعب السوري إلى مجرد كائنات بشرية تكتفي بما يسمح لها به النظام دون أن يكون لها الحق في الاعتراض أو المطالبة أو المناقشة، إلى أن انتفض الشارع في تونس فأسقط سلطة زين العابدين بن علي، ثم في مصر فأسقط عائلة حسني مبارك، فكان هذا حافزا إضافيا للشعب السوري أن يفجر انتفاضته السلمية في نفس السياق معتبرا أنه، كما الشعبين التونسي والمصري، سيسقط المافيا الأسدية سلميا.

لم يكن الشعب السوري يتوقع هذا المصير على أيدي النظام الدموي وحلفائه، كما لم يكن يتوقع هذا التعامي العالمي عن التدخل الميليشياوي لحزب الله، وعن التدخل السافر للحرس الثوري الإيراني وما استجلب من ميليشيات من العراق وأفغانستان وباكستان.

لم يكن الشعب السوري يتوقع التواطؤ في قتله وتدمير بلاده وتشريد الملايين من أبنائه. لم يكن يتخيل أن سقوط عشرات الآلاف من خيرة شبابه تحت التعذيب سيكون خبرا عاديا في وسائل الإعلام العالمية.. لم يكن يتخيل أن آلافا سيقضون جوعا ومرضا وبردا في زمن يشهد حضور الآلاف من المؤسسات والجمعيات والمنظمات الدولية والعالمية “الإنسانية” والحقوقية.

وبعد خمس سنوات، شهدت كل هذه الدموية وهذا التدخل وهذا التواطؤ وهذا التداخل، وشهدت على كل هذا القتل وهذا الدمار وهذا التشريد، وبعد خمسة أشهر على أوسع تدخل عسكري إمبريالي في المنطقة بعد الاجتياح الأميركي للعراق، جعل فيه الطيران الحربي الروسي مناطق واسعة أرضا محروقة تتقدم فيها العصابات التي تدعم النظام وشُرّد منها عشرات الآلاف باتجاه الحدود التركية شمالا، وباتجاه المناطق المتاخمة للحدود الأردنية جنوبا، يصحو السوريون على شبه هدوء، ليستأنفوا ما بدأوه منذ خمس سنوات. وليؤكدوا من جديد أهدافهم الحقيقية، وليقولوا للعالم “لن يثنينا كل ما مر علينا عن أهدافنا، لسنا من هواة الحرب والموت. نحن نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا، ولكن حياة لائقة بالبشر. ومن أجدر من هؤلاء بالحياة الحرة الكريمة؟”.

وفي هذه الأجواء وانطلاقا من هذه الروحية، لا يسعني إلا أن أعود للدعوة والتأكيد مرة ثانية، متوقعا أن يلبي كل السوريين في الخارج، وأن يقف معهم كل الأصدقاء الحقيقيين للشعب السوري من شعوب العالم، نداء الشعب السوري في الداخل. أن يكون يوم الذكرى الخامسة لانطلاقة الانتفاضة السورية يوما لكل الشعوب. أن تنشط الفعاليات الشبابية والشعبية، في كل مكان، تضامنا مع الشعب السوري وتأييدا لثورته العظيمة التي هي ثورة لكل الشعوب.

العربعديد نصار


المركز الصحفي السوري