‘داود البصري يكتب: روسيا تغرق في الرمال السورية الساخنة’
29 آذار (مارس)، 2016
داود البصري يكتب: روسيا تغرق في الرمال السورية الساخنة – مدار اليوم آخر الأخبار
داود البصري
لولا الجهد الروسي لكان من المستحيل الاستيلاء على تدمر وانتزاعها من أيدي تنظيم الدولة، بهذه العبارة شكر رئيس النظام السوري بشار الأسد صديقه وحليفه وحامي حماه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي كان للغطاء الجوي الروسي والمستشارين العسكريين الروس وحتى مقاتلو النخبة الروسية الدور المركزي في استعادة السيطرة الحكومية على مدينة تدمر الأثرية بريف حمص، فهل يعني ذلك إن الروس باتوا يقاتلون لاسترجاع سيادة النظام السوري على أجزاء كثيرة هي اليوم خارج سلطة النظام مستعينين بميليشيات “حزب الله” الإرهابية ونظيرتها العراقية تحديدا؟
إذ إنه يبدو من واقع تحليل معطيات التحرك السياسي والعسكري أن الروس قرروا التورط والانغماس المباشر في معركة يعترف النظام السوري علنا بعدم قدرته على إدارتها فضلا عن تحقيق نتائج إيجابية تحقق أهدافه الستراتيجية.
النظام السوري رغم حقن المساعدات الهائلة من حلفائه ما زال يعاني من انهيار مؤسسته العسكرية التي تحولت لجزر وأشلاء متقطعة وبات يقاتل بأدواته الطائفية وبحلفائه الطائفيين الإيرانيين واللبنانيين والعراقيين، أما الروس فهم لم ينسحبوا كما أعلنوا وهللوا سابقا، بل أعادوا الانتشار والتنظيم وفق تكتيك عسكري جديد لن ينجح أبدا في إنهاء وحل معضلة النظام السوري الوجودية!
معركة تدمر ليست سوى معركة صغيرة قياسا بحجم هزائم النظام، واستعادتها لا يعني أن الوضع قد استقر، فحرب العصابات لها مفهوم وأسلوب مختلف بالكامل عن حروب الجيوش التقليدية، المهم ان الروس باتوا وعلنا في وسط المعمعة السورية المحرقة!
رغم الإعلان الرسمي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن سحب القوات الروسية من الأراضي السورية بعد أن أدت مهماتها كما قال، قبل أسابيع قليلة، إلا أن حسابات الحقل السوري لم تتطابق أبدا مع حسابات البيدر الروسي، فقد بدا واضحا للجميع أن إعلان الانسحاب كان مجرد تكتيك وحركة مسرحية لتوفير الأجواء الملائمة لمفاوضات جنيف حول مستقبل سورية! وإن الواقع الميداني كانت تؤكده شكوك وزارة الخارجية البريطانية بجدية الانسحاب الروسي، وهو ما يؤكد أن بريطانيا تظل صاحبة القدح المعلى في فهم الألعاب الدائرة في الشرق.
روسيا لم تنسحب من ميدان الصراع في سورية بشكل كامل وحقيقي لكونها تعلم أن النظام يقف على أرجل مكسورة، وأن إمكانياته على الحسم تبقى أمرا بعيد المنال في ظل الانهيار الشامل في المؤسسة السورية الحاكمة التي تعيش على حقن ومقويات تحالفاتها الإقليمية مع روسيا وإيران والجماعات الطائفية الميليشياوية السائرة في الفلك الإيراني!
روسيا لا تملك أصلا أن تنسحب بسلاسة من كل ميادين الصراع السوري، لكون تورطها في حقول الموت السورية أضحى من ضمن أهم ملفات المغامرات في المنطقة من أجل البحث عن دور دولي ضائع وسط كومة الأزمات المحيطة بقائد الكرملين الذي تورط في نزاع من السهل الدخول فيه، لكن من الصعب الخروج منه من دون تكاليف واستحقاقات وتأثيرات أيضا!
لقد اعترفت القيادة العسكرية الروسية بمصرع أحد مستشاريها العسكريين، وهو ضابط كبير في معارك تدمر، بينما الحقائق الميدانية تقول ان الخسائر البشرية الروسية هي أكبر بكثير مما يتم الإعلان عنه رسميا، وان محاولة الروس فرض ودعم تقدم عسكري لقوات النظام السوري على الأرض لدعم موقفه التفاوضي في جنيف أمر ليس من السهولة بمكان من دون تدخل مباشر من القوات الروسية الخاصة على البر، فالضرب من الجو مؤذ، ولكنه غير حاسم في تغيير المسارات الستراتيجية للمعارك الميدانية ضمن حرب العصابات الدائرة في سورية.
ثمة حقيقة ميدانية تقول ان الإيرانيين ينزفون بغزارة بعد أن فقدوا جمهرة من كبار ضباط وقيادات حرسهم الثوري، كما أن الميليشيات الطائفية العراقية واللبنانية قدمت هي الأخرى خسائر بشرية كبرى ستكون لها تداعيات مؤثرة جدا في المستقبل القريب في الساحتين العراقية واللبنانية، والروس ليسوا استثناء، بل ان جثث قتلاهم باتت تضاف الى جثث الآخرين المشتبكين في معركة دولية لتقرير المصير النهائي للوضع السوري!
روسيا لم تنسحب أبدا، بل أعادت الانتشار، وغيرت التكتيكات، وراجعت المواقف ضمن جردة حساب نهائية ستؤدي في النهاية لزيادة وتكريس التورط وهو تورط لن ينقذ أو يحسن من أوضاع النظام السوري المنهارة أبدا، بل سيكون سببا لتعاظم وتوسع الإرهاب الدولي، وسيجر لمصائب متتالية، وسيعمق الصراع والانقسام الإقليمي وسيرسم حدودا واسعة للكراهية، وسيزيد من جراح السوريين، ولن يخدم زيادة التورط الروسي النظام السوري الواثق الخطى نحو نهايته الحتمية وتحلله التزاما بالحتمية التاريخية في انهيار الطغاة والفراعنة وقلاع القمع.
الروس يغامرون بما تبقى لهم من مصداقية، والإصرار على استنساخ التجربة الأفغانية المرة في الميدان السوري يحمل ملامح الانهيار الحقيقي لروسيا التي لا تمتلك اليوم قوة ووحدة الاتحاد السوفياتي الراحل أيام الشيوعية المنقرضة.
الرئيس الروسي بوتين وهو يحاول المناورة المفضوحة يغامر بمستقبل الاتحاد الروسي وهو يحاول ابتزاز الغرب في مغامرته السورية، فكسب عداء الشعب السوري وشعوب المنطقة ليس من الحكمة بشيء، فالأنظمة زائلة والشعوب باقية، وحبل الكذب قصير وأقصر مما يتصور الطغاة وقاتلي الشعوب.
لابد للقيادة الروسية أن تعي الحقيقة وتعلم أن الثورة السورية وهي تدخل عامها السادس لن يخيفها الجيش الروسي ولا جيوش حلفاء نظام الصمود والتصدي الستراتيجي، لكونه مصمم على إسقاط الفاشية وتحرير سورية من الطغيان والاستبداد، وقد فشلت كل الحلول الاستئصالية المروعة بعد أن قدم السوريون أكثر من نصف مليون شهيد في ثورتهم الكبرى.
السلاح الروسي لن يحل المعضلة، بل القيم والأخلاق والالتزام باحترام خيارات الشعوب، فالدول الكبرى ليست كبرى بسلاحها التدميري، بل بأخلاقياتها ومثلها الإنسانية، وهو ما فشلت روسيا بوتين في تسويقه للعالم للأسف… روسيا تغرق اليوم بشكل متدرج وكارثي في المستنقع السوري ما لم تتم مراجعة سريعة للموقف… أوقفوا عدوانكم على شعب سورية الحرة.
المصدر: السياسة
الوسوم :الأسد النظام السوري بوتين تدمر داود البصري روسيا سورية
السابق: المعارضة تُفشل هجومين منفصلين من “داعش” ومقاتلين أكراد على مدينة مارع التالي: فهد الخيطان يكتب: الأردن وتركيا.. سورية الفصل والوصل مقالات مشابهة
x
قد يُعجبك أيضاً
ارسل عبر الواتس ابد. أحمد يوسف أحمد لا شيء يدل على الحالة …