أنتوني بلايغر: نحن الصحافيين لا نملك أسلحة غير الكلمات


يمر القطار منتقلا بين محطات بروكسل العاصمة والخوف الذي بدا ساكناً في الجنبات خلال الأسابيع الماضية عقب الأحداث الإرهابية التي ضربت المدينة، يصبح جزءاً من تاريخها رغم الإجراءات الأمنية التي يلحظها الزائر والعابر والمقيم.

أخطو بالقرب من مركز المفوضية الأوروبية في ساحة شومان بالاس حيث يقع مركز الاتحاد الدولي للصحافيين وفيه ستلتقي “العرب” كأول وسيلة إعلام عربية مع أنتوني بلايغر الأمين العام للاتحاد الذي يجمع تحت مظلته أكثر من 60 ألف صحافي في 120 دولة حول العالم.

الاتحاد الدولي للصحافيين هو أكبر منظمة عالمية للصحافيين. تأسس للمرة الأولى عام 1926، ثم أعيد تأسيسه مرة أخرى عام 1946 واستقر على شكله الحالي بعد إعادة تأسيسه للمرة الثالثة عام 1952.

ويعمل الاتحاد الدولي للصحافيين على المستوى العالمي للدفاع عن حرية الصحافة والعدل الاجتماعي من خلال اتحادات صحافيين قوية، وحرة، ومستقلة، دون أن يتبنى توجها سياسيا معينا، ولكنه يروّج لحقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية، ويعارض كل أنواع التمييز ويدين استخدام الإعلام للأغراض الدعائية أو للترويج للتعصب وعدم التسامح والصراع. مؤمناً بحرية التعبير السياسي والثقافي.

الاتحاد الدولي للصحافيين هو المنظمة التي تتحدث باسم الصحافيين داخل نظام الأمم المتحدة وضمن الحركة النقابية العالمية.

يصادف بعد غد الثلاثاء الثالث من مايو، احتفال المؤسسات الدولية باليوم العالمي لحرية الصحافة. على إيقاع هذا اليوم تعود للذاكرة صورُ الزملاء والأصدقاء الذين قضوا نحبهم خلال مهمّات عديدة في عواصم ومدن انتشرت على امتداد النقاط الساخنة في العالم المنكوب. أسماء ما لبثت أن تحوّلت إلى أرقام في البيانات السنوية التي تصدرها المراكز العالمية وبقيت معنا، نحن الصحافيين، بكلّ الذاكرة التي من الممكن أن يحملها من يشتغل بهذه المهنة.

الصحافي هو الضحية

أنتوني بلايغر الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين منذ 2015 وحتى اليوم، ولد في لومونس الفرنسية، وعاش في غربي فرنسا قبل أن يدخل جامعة لومونس دارساً التاريخ القديم، ليتابع دراسته العليا في جامعة “أونجي” متخصصاً في تاريخ القرون الوسطى.

بدأ حياته الصحافية باكراً حيث انتظم في العمل كمتطوع في العديد من المؤسسات الصحافية قبل أن ينضم لنقابة الصحافيين الفرنسيين، ويدخل العمل النقابي من خلال الانخراط في المنظمات الدولية، ليكون نائب الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين عام 2014 ثم أميناً عاماً في عام 2015.

خلال مسيرته المهنية ملك أنتوني اطّلاعاً واسعاً على الواقع الصحافي في بلدان عدة بين الشرق والغرب، يتحدث بتفاصيل كثيرة تتعلق بأماكن زارها في العراق وفلسطين وباكستان وغيرها.

التقارير الخاصة بالشرق الأوسط صادمةٌ منذ سنوات. فسوريا والعراق تتصدّران قائمة الدول الأسوأ بالنسبة إلى الصحافة. التضييق يشمل دولاً أخرى لا تخرجُ من قائمة طويلة تمتد عبر قارات ثلاث، فـ13 بالمئة من سكان العالم ينعمون بصحافة حرة بينما يعيش نحو 46 بالمئة في دول تنعدم فيها حرية الصحافة ويبقى 31 بالمئة لشعوب تتمتع بحريات محدودة في ما يتعلق بالعمل الصحافي.

نواجه ضيفنا بداية بهذه النِسب فيقول إنه من الصعب الحديث عن هذه الأوضاع وذلك لتعقيد الملفات الخاصة بالشرق الأوسط، وخاصة في ما يتعلق بالحكومات. غالباً هذه التقارير تتحرى الدقة، وهذه الأوضاع موجودة في العديد من الدول في العالم، إنه من الصعب أن تكون صحافياً هذه الأيام في ظل تقارير صادمة تسلّط الضوء على الفترة بين عامي 1990 و2015. هذه التقارير تتحدث عن مقتل أكثر من 300 صحافي في العراق و146 في الفليبين و120 في المكسيك و109 في روسيا الاتحادية و106 في الجزائر و95 في الهند و75 في الصومال و67 في سوريا و62 في البرازيل و56 في كولومبيا و51 في رواندا و48 في يوغوسلافيا و45 في أفغانستان

في الحديث عن ثنائية حرية الصحافة والصحافة الحرة، نسأل الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين عن مساعي الاتحاد في هذا الاتجاه فيقول “من خلال التجربة في أوروبا، نجد أنه من الممكن أن تكون صحافياً حراً، لكن عليك الاشتغال على وجود صحافة حرة. هذه الثنائية خاضعة لجملة من القوانين، وهنا يبرز ذكاء الصحافيين بالتعامل مع الدكتاتورية في سوريا واليمن والعراق مثالاً. الرغبة بالصحافة الحرة عالية لكن الإمكانات محدودة. وهذا ما رأيناه خلال السنوات السابقة. ومع انطلاق الربيع العربي لم يختلف الواقع أبداً. هناك جهات كثيرة تتدخل في عمل الصحافة، دور الاتحاد الدولي للصحافيين يأتي هنا، من خلال تقديم الدعم للعديد من الجهات”.

“نحن لا نملك أسلحة” يتابع بلايغر حديثه عن استراتيجية الاتحاد الدولي الذي يتخذ من بروكسل مقراً له. استراتيجية قائمة على التدريب والتأهيل والدعم والمساعدة على خلق واقع صحافي صحي. بالطبع واجهت هذه الاستراتيجية العديد من العقبات، أهمها اختيار الشبكات التي من الممكن العمل عليها فضلا عن اختلاف النظرة للمستقبل بين الداعم والمدعوم الذي ينظر إلى أيّ مرحلة على أنها آنية حالية فقط، بينما يشتغل الاتحاد على خطط طويلة المدى.

من جهة ثانية تبدأ الصعوبات عندما تنتهي المشاريع ويبدأ الصحافيون بالعمل على آليات جديدة، يصطدمون بواقع صعب يحكمه الجمود أو بصورة أخرى يحكمه البحث عن آليات عمل جديدة ضمن سقف الحريات المحدود.

يعتقد بلايغر أن الصحافيين يؤمنون اليوم بأن الصحافة الحرة هي الباب الوحيد الذي يمكن العمل من خلاله للوصول إلى بيئة طبيعية مليئة بالإبداع.

مفهوم السلامة المهنية

بالحديث عن دورات السلامة المهنية التي ينظمها الاتحاد الدولي للصحافيين لأولئك الصحافيين الذين يعيشون في ظروف صعبة للغاية ضمن بلدان تعاني من اضطرابات، ينطلق بلايغر في حديثه هنا من نظرته العالمية حول حق الصحافي بالحصول على كل أنواع التدريبات الممكنة. لكن هذه الأماني محكومة بواقع صعب يسعى الاتحاد لمعالجته في سوريا واليمن والعراق ومصر. يرغب ضيفنا أن يعلن من خلال “العرب” عن تحضير كبير يجري الآن من قبل الاتحاد الدولي للصحافيين للقيام بدورات عالمية سيتم تقديمها مجانا عبر شبكة الإنترنت للصحافيين الذين يصعب الوصول إليهم في أماكن عديدة من العالم.

نتحدث، ونحن اليوم الثلاثاء 3 مايو 2016، عن مؤتمر في المملكة المغربية سينطلق خلال ساعات، سيتضمن نقاشاً بين قضايا متعددة أبرزها الإعلان الخاص بمبادئ حرية الإعلام في العالم العربي. عن هذا يقول بلايغر إن المؤتمر سيعقد في الدار البيضاء بين الثاني والرابع من مايو الجاري، حيث سيُشكِّل هذا المؤتمر في جوهرِه عملية المشاورات الإقليمية لتأسيس آلية إقليمية لحرية الإعلام، على غرار آليات إقليمية مشابهة في إطار الاتحاد الأفريقي ومنظمة التعاون والأمن الأوروبي ومنظمة الدول الأميركية، بالإضافة إلى الآلية الخاصة بالأمم المتحدة.

خلال جلسات المؤتمر سيتم نقاش الإعلان المبدئي عن مبادئ حرية الإعلام وهي المقترحات التي سيقوم عليها الأساس الذي ستُبنى به الآلية التي تتضمن 16 مبدأ من ضمنها سلامة الصحافيين واستقلالية الإعلام العمومي ومناهضة خطاب الكراهية.

يُضيفُ بلايغر إن هذا التأسيس “سيكون بمعزل عن الجامعة العربية التي تحكمها العديد من الظروف”، هنا نسأل أنتوني عن معايير الإعلان الجديد ليوضح أن “المعيار هو ما أضافته هذه الآليات لصحافيين في مناطق أخرى مثل أفريقيا وأميركا الشمالية والجنوبية، أما فائدة هذه المبادرة فتكمن في خلق مظلة تنظيمية تشريعية جديدة تقوم على محاسبة الدول التي تنتهك حرية الصحافة في العالم العربي”.

أنتوني بلايغر يقول لـ(العرب) إن هناك تحضيرا كبيرا يجري الآن من قبل الاتحاد الدولي للصحافيين للقيام بدورات عالمية سيتم تقديمها مجانا عبر شبكة الإنترنت للصحافيين الذين يصعب الوصول إليهم في أماكن عديدة من العالم

إحباط الصحافيين

رغم الدعوات المتكررة لوجود آلية تحمي الصحافيين، إلا أنّه وفي كل عام، نلحظ تزايداً في معدّل إحباط الصحافيين في العالم تجاه مظلة تحميهم. أمام هذا يقرُّ بلايغر بوجود الكثير من المصاعب في البلدان التي تشهد اضطرابات، بخاصة للصحافيين الذين اضطروا لتغيير أماكن عملهم في بلدان أخرى وخضوعهم لقوانين البلاد الجديدة، وفي هذا الاطار يتواصل الاتحاد مع المنظمات الصحافية في هذه البلدان محاولا إيجاد آلية خاصة للتعامل مع الصحافيين الذين يعانون.

هذا التواصل يقودنا للحديث عن جدلية الصحافي والصحافي المواطن، فكيف يتعامل الاتحاد مع هذه المسألة، يقول بلايغر إن “الصحافي هو مواطن بالدرجة الأولى، والمواطن الصحافي غير مقبول بالنسبة إلى الاتحاد الدولي للصحافيين. فبإمكانك أن تمتلك غيتاراً في بيتك ولكن لن تكون عازفاً ماهراً. وفي ذات الوقت، بإمكانك أن تمتلك كاميرا حديثة ولكن هذا لا يعني أنك مصور محترف. الصحافي يخضع لمعايير عامة يجب أن تتحقق”، مضيفاً أنك “إما أن تكون صحافياً أو لا تكون. فعندما تقوم بعملك المهني وتبحث عن الحقيقة أو المعلومة ضمن إطار الأعمدة التي تقوم عليها الصحافة بمفهومها العملي، فهذا يعني أنك صحافي”.

في اليوم العالمي لحرية الصحافة يتمنى أنتوني بلايغر الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين، لكل الصحافيين العرب الحرية التي تقوم على قول الحقيقة دون الخضوع لأيّ معيار أبداً، يقول “أنتم لستم فقط صحافيين. أنتم مقاومون مقاتلون بالكلمة ونحن نتفهم تماماً الظروف المحيطة بكم وندعمكم في مسعاكم”.