‘فاطمة تريكي : .. هذه ال بيروت هي اول ما يغيب من النافذة .!!!’
17 أيار (مايو - ماي)، 2016
غادرت بيروت قبل اثني عشر عاما ، كان يوما صيفيّا حارا اذكره كما لو كان امس .. تأملتها من نافذة الطائرة وكانت تبتعد وترحل عن عيوني ببطء وتصغر مبانيها شيئا فشيئا.
اكثر ما كان يستعصي على الغياب تلك المباني الضخمة المتراصة امام البحر مثل جيش يواجه الماء .. قبل ان تغيب المدينة كلها وراء البحر
لم اعد اقطن مدينتي منذ ذلك الوقت وحتى وقت قريب ظللت احتفظ تجاهها بمشاعر متضاربة .. احبها وأكرهها في الوقت نفسه
لا اعرف ان كانت جميلة.. ذلك الرأس الداخل في قلب البحر خرافة لكنها لا تكف عن إشعارك في كل لحظة بانها لك وليس لك ولديها مقدرة هائلة على الابتلاع .
كتب صحفي اجنبي مرة في الحرب: هذه مدينة ان نظرت من خارجها ستجد علبة زجاجية فيها كل ما يصيبك بالبشاعة والإعياء وتسال نفسك كيف يعيشون كيف يستمرون ؟ لكن ما ان تدخل فيها حتى تصبح دون ان تشعر ..مثلهم ومثلها !
المباني الضخمة الفخمة حد الوقاحة تواصل العلو.. هنا
يسكن علية القوم، سكناهم هي مناطق التنزه للقوم الاقل .
انتمي انا الى المقلب الاخر من المدينة لا يبتعد في الحقيقة اكثر من خمس دقائق .. هناك خط وهمي مثل شارع كبير يقطع
بين مناطق الطبقة الوسطى الآخذة في التلاشي ومناطق الأغنياء وهؤلاء قلة من عائلات أرستقراطية او وارثة وكثرة من مهاجرين جمعوا ثروات مشكوك في مصادرها وأمراء حرب وأثرياء عرب .
هذه البيوت المتلألئة حتي في ازمنة الحرب لطالما اثارت فضولي .. ولطالما سالت نفسي ونحن نعبر امامها ترى كيف الحياة داخلها ولماذا يحتاجون كل هذه المساحات الفارهة وهل يبقى للبحر سحر ان شاهدته كل يوم ؟
.كلما زرت المدينة الان اجد بناية وقحة اخرى قد استقامت ومزيدا من سائقي سيارات الأجرة المهلهلة يجرّون شيخوخة سبعينية من اجل توصيلة بدولار ونصف .
اجد المدينة تغيب وتضيق على ابنائها المتلاصقين حيث عشت انا بمحاذاة مناطق الفقر ومخيمات اللاجئين صبرا وشقيقه شاتيلا حيث يذهب الناس اليهم صباحا لشراء الخضار الاقل ثمنا وحيث ليس الفلسطيني غريبا ولا الكردي دخيلا ولا السوري مكروها وحيث صوت الناس عال وصراخ الباعة يملأ أذنيك خلال نومك حتى اللعنة .
.. هذه ال بيروت هي اول ما يغيب من النافذة .د
حمل تطبيق ميكروسيريا ليصلك كل جديد