هل يمكن لروسيا أن تلعب دورا فعالا في الوساطة بين السعودية وإيران؟


وفقا لوكالة نوفوستي الروسية، فإن روسيا مستعدة للتوسط بين السعودية وإيران من أجل خفض التوتر في الشرق الأوسط. وقد نقلت الوكالة عن مصدر في وزارة الخارجية في موسكو في 11 أبريل/نيسان الماضي القول: «إننا نعرب عن أسفنا الصادق إزاء تصاعد التوتر بين السعودية وإيران، لأننا نعتقد أن البلدين المسلمين الكبيرين يتمتعان بتأثير كبير في المنطقة وعلى الساحة العالمية وفي سوق النفط».

ووفقا للدبلوماسي فإن موسكو لديها علاقة ودية مع كل من طهران والرياض، وهي على استعداد إذا لزم الأمر «أن تلعب دور الوسيط في تسوية الخلافات القائمة والناشئة بين البلدين».

وبعد شهر واحد، عرضت روسيا القيام بتسليح الجيش الليبي عندما يتم تخفيف القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة إلى ليبيا. وكان الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين» قد عقد محادثة هاتفية طويلة مع الرئيس المصري «عبد الفتاح السيسي» قاما خلالها بمناقشة الوضع في ليبيا بشيء من التفصيل.

من المؤكد أن الربيع العربي كان بمثابة نقطة تحول في استراتيجية روسيا في الشرق الأوسط. وجاء التدخل الجريء لروسيا في سوريا نهاية 2015 كرد فعل على الانتكاسة التي شعرت بها موسكو بسبب ما تعتبره تدخل الغرب المنظم للإطاحة بحلفائها الإقليميين. لذا فإن موسكو قد قررت في النهاية التدخل لحماية آخر حلفائها في المنطقة.

لا تكمن أهمية العرض الروسي في التوسط بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين إيران في تأثيره المحتمل. ومن الواضح بشكل جلي أن هذا العرض لا يمتلك أجنحة بإمكانها أن تجعله فعالا في الوقت الراهن. بدلا من ذلك، فإن هناك رسالة تود موسكو أن ترسلها من خلال هذا العرض. والرسالة: نحن نود أن نظل ذوي صلة بالأمور. ولكن هل حقا بإمكانهم ذلك؟

ثقوب في استراتيجية روسيا

وكانت المشاكل الهيكلية في استراتيجية الرئيس «بوتين» في الشرق الأوسط واضحة من البداية عندما حاولت موسكو لعب دور أكثر حزما في المنطقة. أولا، لم تكن موسكو تمتلك ما يلزم من العضلات لرفع الأحمال الثقيلة المطلوبة. وثانيا فإنها كانت تتحرك على خلفية غياب طويل للعلاقات مع اللاعبين الرئيسيين. ثالثا، فإن طبيعة الأزمة الإقليمية لم تكن تسمح بمساحة كافية للعب على جانبي الصدع الإقليمي.

كانت هناك فرصة أفضل لموسكو لبناء بعض الجسور للأمام خلال العام الماضي. قبل عام، وجهت الدعوة إلى العاهل السعودي الملك «سلمان بن عبد العزيز» لزيارة موسكو. وكان من المتوقع أن تحدث الزيارة في أغسطس/آب وفق ما أكده وزير الخارجية الروسي «سيرغي لافروف». «المحادثات بشأن قضايا الشرق الأوسط قد بدأت بالفعل في سانت بطرسبرغ على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي مع ولي العهد واستمرت في الدوحة. وقد فتحت إمكانية لإجراء مناقشات أكثر تفصيلا» وفق ما أكده وزير الخارجية الروسي أثناء زيارة وزير الخارجية السعودي إلى موسكو في 11 أغسطس/آب الماضي. وقال مصدر في وزارة الدفاع الروسية آنذاك لوسائل الإعلام في روسيا أن الملك لن يأتي إلى موسكو. ووفقا للمصدر، فإن ملوك السعودية والأردن سوف يقومون بزيارة معهد ماكس الجوي ومعرض الدفاع يوم افتتاحه في 25 أغسطس/آب بصحبة الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين».

وأثناء التحضيرات للزيارة التي لم تحدث، أصبح من الواضح أن سياسة الرئيس «بوتين»« في سوريا كانت غير قابلة للتفاوض. وكان واضحا بعد ذلك أن السعوديين كانوا يعرضون بعض الحوافز لـ«بوتين» في مجالات مثل صفقات السلاح والسياسة النفطية، مقابل الوصول إلى تفهمات معقولة في سوريا ولكن الرئيس الروسي رفض العرض. وقد تمت الإشارة إلى ذات التردد الروسي خلال زيارات سابقة إلى موسكو للمسؤولين سعوديين رفيعي المستوى، بما في ذلك نائب ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان».

كانت موسكو آنذاك، كما هي الآن، تواجه خيارا واضحا: إما التوصل إلى تفاهم معقول مع السعوديين والمخاطرة بإغضاب طهران أو أن ترفض العروض السعودية. لا توجد وسيلة سحرية للحفاظ على علاقة ودية مع كلا الجانبين عندما يكونان في حالة حرب. كما أنه من الصعوبة بمكان أن تحافظ على قدم عند كل من طرفي الصراع عندما يكونان يبتعدان سريعا عن بعضهما البعض.

وكانت مبادرة روسيا الساذجة الداعية إلى تشكيل تحالف إقليمي لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية» مظهرا من مظاهر الفقر في التكتيكات الروسية اللازمة للحد من هذه الفجوة. العرض الأخير للوساطة يعد محاولة ساذجة أخرى لمعالجة ما فشل فيه الاقتراح السابق.

في انعكاس لحساب التفاضل والتكامل في موسكو خلال العام الماضي، كان العديد من الخبراء الروس يتوقعون حدوث أزمة وشيكة في العلاقات السعودية الأمريكية. «بالنسبة إلى الرياض، فإن التواصل مع موسكو هو جزء من التنويع للسياسة الخارجية بعيدا عن الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة»، وفق ما كتبه «كارنيجي ديمتري ترينين»، مشيرا إلى استقرار أسعار النفط باعتباره مصلحة مشتركة لروسيا والمملكة العربية السعودية.

بالإضافة إلى هذه الدوافع نحو تنويع العلاقات، فإنه يبدو أن موسكو قد بالغت في تقدير المكاسب الاستراتيجية المحتملة من تحالفها مع «الأسد» وطهران. من الواضح أن موسكو كان ينتظر أن يحصل على الكعكة ويأكلها أيضا، وكان ينتظر الظروف المواتية للقيام بتحركه.

الخطأ الرئيسي الذي ارتكبه بوتين هنا هو أن توقع من إيران وسوريا أكثر بكثير مما كانا على استعداد لتقديمه. وهو يبدو الآن كمستثمر عانى من خسارة وعليه أن يضاعف جهوده للحد من خسائره. وقد شاركت قواته الجوية في قصف المدنيين في المناطق المحيطة بحلب في الشهر الماضي على الرغم من التزامه المفترض بصفقة «وقف الأعمال العدائية». ووفق ما تشير إليه اتصالاته مع واشنطن فإنه يبدو أنه يواجه صعوبة حقيقية في الحفاظ على التزاماته وتلبية مطالب حلفائه الذين يصرون على فعل ما يريدون بغض النظر عن القيود التي تفرضها موسكو وجدول أعمالها.

في هذه اللحظة يبدو أن الرئيس الروسي قد هزم من قبل الإيرانيين. مع ذلك فإنه ليس بإمكانه الانسحاب وإلا سيخسر الجميع. الجهد العسكري الروسي لتمكين «الأسد» وميليشيات إيران من السيطرة على الشمال السوري لم يمكنهم حتى من السيطرة على حلب ناهيك عن إدلب. وكان من المتوقع أنه بحلول ذلك الوقت، فإن الإيرانيين سوف يكون بإمكانهم نشر صور «الخميني» و«خامنئي» في كل أرجاء محافظة حلب من شرقها إلى غربها وربما في إدلب أيضا. بدلا من ذلك، فقد حقق الحرس الثوري رقما قياسيا في عدد الجنود العائدين في صناديق خشبية. . العملية السياسية لإيجاد حل، والتي يعول عليها «بوتين» لاستعادة مكانته في العالم كمحارب وصانع سلام على حد سواء، تسير على غير هدى. وفي حين لا يركز «بوتين» على إبقاء «الأسد» في السلطة، فإن طهران ترى أن إبعاده خط أحمر. «الأسد» هو الشخص الوحيد الذي تثق فيه إيران لإبقاء جسورها مفتوحة إلى البحر المتوسط.

هل يمكن أن يجد طريقا؟

قد ينتهي «بوتين» خالي الوفاض في سوريا. وكان الرهان الأصلي يتمثل في دعم «الأسد»، والحفاظ على مصالحه في شرق البحر الأبيض المتوسط، وتطويع خدمات طهران والتحول إلى وسيط في الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى حل سياسي. شهدت المواقع القتالية للأسد في الحرب الأهلية تحسنا طفيفا بينما تقوم إيران بلعق جراحها وتستبدل بشكل متزايد مقاتلي الحرس الثوري بميليشيات من أماكن أخرى. وليس هناك أي عملية سياسية جادة لإعطاء الرئيس الروسي دور العراب الذي كان يأمل في الحصول عليه.

في كل الحسابات، العسكرية منها والدبلوماسية، فإن الخطوة الروسية في سوريا لن تجلب الثمار التي ينتظرها الكريملين. لا «الأسد» ولا طهران يلتزمان ما تريده موسكو. وعلاوة على ذلك، فقد تم إغلاق نافذة الفرصة التي كانت مفتوحة في العام الماضي لتحسين العلاقات مع دول الخليج.

ويبدو أن مناورة «بوتين» في الشرق الأوسط في طريقها إلى نهايتها قريبا. ولكنه لا يزال لديه فرصة رغم ذلك في لعب دور الوساطة بين الإيرانيين ودول مجلس التعاون الخليجي. ولكن هذه الوساطة ينبغي أن تستند على أساس أن إيران يجب أن تحد من التدخل الخارجي وتركز على بناء اقتصادها. دول مجلس التعاون الخليجي مستعدة لتوقيع أي من أشكال الالتزام المطلوبة من أعضائها بعدم التدخل في الشؤون الإيرانية. وهي ببساطة لم تفعل ذلك من قبل ولم تقل أنها ستفعله. وعلاوة على ذلك، فإن دول مجلس التعاون الخليجي على استعداد للاستثمار في إيران في اللحظة التي ستعلن فيها طهران انسحابا يمكن التحقق منه من الدول الإقليمية. يمكن للعرب أن يرعوا مصالحهم بطريقة سلمية وبناءة. ولكن إيران ليست عربية.

ولكن إيران لن تنهي أبدا تدخلاتها دون ضغوط كبيرة. يمكن لموسكو أن تعلب دورا بناء في بناء تحالف مكافحة الإرهاب في المنطقة، وضمان أمن الخليج، وإشراك جميع الأطراف في التجارة الطبيعية والعلاقات الاقتصادية إذا نجحت في جعل حلفائها في طهران يتصرفون ببساطة مثل أي دولة من دول الخليج العربية: وذلك بعدم التدخل في شؤون الآخرين سواء بشكل مباشر أو عبر وكلاء.

هذه هي الطريقة التي يمكن من خلالها للرئيس الروسي الاحتفاظ بصلاته ونفوذه في الشرق الأوسط. وهذه هي الطريقة التي يمكن أن تساعد في خفض التوتر في المنطقة.