الرحلة 804: من المسؤول باريس أم القاهرة


فورين بوليسي –

يتمثل السيناريو الأفظع بالنسبة لمسؤولي المطارات في أن يتآمر موظفي المطار مع الإرهابيين من أجل التحايل على إجراءات الأمن والمساعدة في اسقاط طائرة.

وإذا كانت رحلة شركة مصر للطيران رقم 804 قد تم إسقاطها بواسطة الإرهابيين، كما يرجح مسؤولو الاستخبارات على نحو متزايد، فإنه سوف يتحتم على السلطات في جميع أنحاء العالم أن تواجه الحقيقة القائلة بأن خط الدفاع الأخير ضد مثل هذا الهجوم قد كان في مطار شارل ديغول في باريس، وهو أحد أكثر المرافق الجوية الآمنة في أوروبا. كما سوف يضطرون إلى مواجهة الواقع المرير المتمثل في أن الأمن في أحد أكثر المطارات الأوروبية ازدحاما وتأمينا في القارة قد فشل.

فبعد اقلاعها من باريس وفي طريقها إلى القاهرة، اختفت طائرة مصر للطيران – وعلى متنها 56 راكبا و 10 من أفراد طاقم الطائرة- من على شاشات الرادار يوم الخميس في شرق البحر الأبيض المتوسط. وبحسب وزير الدفاع اليوناني بانوس كامينوس، كانت الطائرة تحلق على ارتفاع 37000 قدما قبل أن تنحرف مرتين ثم تهوي بسرعة إلى مستوى 15000 قدما.

ولم يتم انتشال حطام الطائرة بعد، وقال مسؤولون في واشنطن وباريس إنه لم يتضح بعد ما إذا كان قد تم إسقاط الطائرة عن طريق الإرهابيين أم لا، على الرغم من تصاعد الشكوك. ولم تعلن أي جماعة إرهابية مسؤوليتها بعد.

وقبل أن تقلع من فرنسا، قامت الطائرة المنكوبة بالتوقف في العاصمة الإريترية أسمرة ثم القاهرة ثم تونس ثم القاهرة مرة أخرى قبل أن تتوجها أخيرا إلى باريس. ويقول خبراء الأمن إن إجراءات الأمن في تلك المطارات أقل صرامة، ولكن الرحلات التي تحط في باريس تخضع لإجراءات أمنية مشددة كيما يتم التمكن من اكتشاف المتفجرات المهربة على متن الطائرة أو في حوذة أحد الركاب قبل أن تنفجر.

وقد دأب الركاب والطائرات التي تمر عبر باريس وغيرها من المطارات الأوروبية الكبرى على الخضوع لإجراءات أمنية هي الأكثر صرامة من نوعها في السنوات التي تلت هجمات 11/9 والأشهر التي تلت هجمات باريس وبروكسل. وبحسب قواعد الاتحاد الأوروبي، يجب أن تخضع الطائرات القادمة من خارج دول الاتحاد الأوروبي إلى تفتيش مشدد بعد الهبوط، بدءا من كابينة  الشحن إلى كابينة القيادة ودورات المياه، وفقا لنورمان شانكس الرئيس السابق لأمن مطار هيثرو في لندن ومستشار في أمن المطارات.

وقال شانكس إن مسؤولية تفتيش الطائرات تقع على عاتق شركة الطيران التي تدير الطائرة وليس على الشرطة المحلية أو على أمن المطارات، وغالبا ما تتعاقد شركات الطيران مع شركات أمنية للقيام بأعمال التفتيش.

وأضاف إن القلق الدائم لمسؤولي الأمن في المطار يتمثل في احتمال وجود “خائن”، وهو موظف في المطار أو في شركة أمنية يقوم بالتآمر سرا مع شبكات إجرامية أو إرهابية.

وصرح شانكس لفورين بوليسي قائلا: “أكثر شيء يقلقني هو ما يسمى بـ‘ التهديد من الداخل‘ حيث يوجد أناس يعملون في مناطق آمنة بعد أن تم اختيارهم بعناية والتحقق من خلفياتهم بدقة، ولكن لا يمكن التحقق من ولاءاتهم “. وأضاف إن التحريات تكشف عن القناعات السابقة، ولكن أي شخص لديه سجل نظيف يمكن أن يتسلل بسهولة إلى تلك المناطق الآمنة.

وفي مطار شارل ديغول، تم تشديد الإجراءات الأمنية بشكل ملحوظ منذ الهجوم الذي وقع على مكاتب مجلة شارلي ابدو الساخرة في شهر يناير عام 2015. وانتشرت عناصر القوات المسلحة الفرنسية في الممرات، وتقوم الشرطة بفحص أوراق أي راكب قادم من مطارات الشرق الأوسط.

ولكن احتمالية وجود متعاطفين مع جماعات مثل الدولة الإسلامية، التي كانت مسؤولة عن هجمات نوفمبر 2015 في باريس التي أودت بحياة 130شخصا، يعملون في المطار – وعلى استعداد للعمل نيابة عنهم – ظلت مصدر قلق دائم للسلطات.

وبين شهري يناير ونوفمبر عام 2015، قال مسؤولون فرنسيون إنه قد تم إلغاء التصاريح الأمنية الخاصة بـ57 شخصا يعملون في المطارات. وصرح فيليب ريفو ،مسؤول في الشرطة الفرنسية، لوسائل الاعلام الفرنسية في العام الماضي بقوله إن المراجعة الأمنية أسفرت عن وجود دلائل على “التطرف” في صفوف الموظفين العاملين في المطار، وأن بعض الموظفين الرجال قد رفضوا العمل جنبا إلى جنب مع الموظفات الزميلات. وبحسب ريفو، فتشت الشرطة الآلاف من خزانات الموظفين ليس بحثا عن المخدرات والأسلحة فحسب، بل أيضا عن “الدعاية” الدينية المتطرفة.

وبعد وقوع هجمات باريس، أعلنت السلطات أنها بصدد مراجعة ملفات حوالي 86000 موظفا في مطار شارل ديغول ممن يمتلكون تصاريح الدخول “المنطقة الخاصة” الآمنة. وبناء على المراجعة، أفاد المسؤولون بأنه قد تم الغاء التصريحات الأمنية لحوالي عشرة موظفين. وصرح جان شارل بريسارد، رئيس مركز تحليل الإرهاب في باريس، لصحيفة التايم بأن هذه الخطوة قد تم اتخاذها بسبب “صلاتهم بالتيار الإسلامي وصلة بعضهم بجماعات مرتبطة بالإرهاب”.

واذا تم التأكيد على أن الإرهاب هو سبب سقوط الطائرة، فإن هذا يمثل تصعيدا جديدا وخطيرا في قدرة المسلحين على ضرب الغرب. وقد أصابت هجمات الدولة الإسلامية في باريس في شهر نوفمبر وبروكسل في شهر مارس أهدافا سهلة – تتضمن المقاهي وقاعات الحفلات الموسيقية ومحطات مترو الانفاق – وهي الأهداف التي لا تتمتع بحماية أمنية مشددة ولا يحرسها أفراد أمن مسلحين. بينما المطارات أهدافا مؤمنة بشدة، وهو ما يعني أن الإرهابيين قد وجدوا طريقة لاختراق طبقات متعددة من المستويات الأمنية وإجراءات الفحص. ومن شأن الهجوم الناجح على طائرة تقلع من باريس أن يقوض افتراضات واسعة النطاق حول أمن المطارات في أوروبا والغرب.

وفي بيان له، قال النائب آدم شيف ،العضو البارز في لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، “إذا كان الإرهاب هو فعلا سبب سقوط الطائرة، فإنه سوف يكشف عن مستوى جديد كليا من استهداف للطائرات، ليس فقط تلك الرحلات القادمة من منطقة الشرق الأوسط، بل لتلك الرحلات التي تقلع من قلب أوروبا ذات الإجراءات الأمنية المشددة من الناحية النظرية على الأقل “. وقال شيف إن فرضية الإرهاب لا يمكن استبعادها نظرا لاسقاط الطائرة الروسية في شهر أكتوبر والتي أقلعت من منتجع شرم الشيخ في البحر الأحمر، وتبني فرع الدولة الإسلامية في شبه جزيرة سيناء مسؤوليته عن الحادث.

وأضاف “نحن نولي المصادر الاستخباراتية جهدنا لنرى ما اذا كنا يمكن أن تساعد في تحديد ما حدث للطائرة أم لا”.

ولم تكن مطارات الولايات المتحدة، التي تعتبر على نطاق واسع هي الأكثر أمانا في العالم، بمنأى عن المؤامرات التي تحاك من الداخل.

ففي عام 2014، عمل موظف سابق بشركة طيران دلتا وموظف مسؤول عن الأمتعة في مطار هارتسفيلد جاكسون اتلانتا الدولي معا لتهريب أسلحة وذخيرة على متن أكثر من عشر طائرات متجهة الى نيويورك. وفي عام 2013، تم اتهام فني الكترونيات الطيران يعمل في مطار بمقاطعة ويتشيتا بولاية كنساس بالتخطيط لتفجير انتحاري بعد أن كشف مكتب التحقيقات الفيدرالي العملية.

وبعد فترة ليست طويلة من الإفادة باختفاء الطائرة المصرية  يوم الخميس، قال وزير الطيران المصري شريف فتحي بأن عملا من أعمال الإرهاب هو الاحتمال الأكثر ترجيحا لاختفاء الطائرة وليس عطلا فنيا.

وتتناقض تصريحات فتحي تماما مع كيفية استجابة المسؤولين المصريين لاسقاط الطائرة الروسية في شهر أكتوبر في سيناء. حيث استغرق الأمر شهورا من المسؤولين في القاهرة من أجل الاعتراف بأن الطائرة كانت هدفا لهجوم إرهابي، وهو ما قد أعلنه تنظيم الدولة الإسلامية منذ البداية.

وتشير ردة الفعل السريعة للمسؤولين المصريين إلى حرصهم على تحميل مسؤولية الإخفاقات الأمنية المحتملة على أوروبا. فبعد تفجير الطائرة الروسية، عبر المسؤولون الأوروبيون عن قلقهم بشأن الثغرات الأمنية المحتملة في مطارات شمال أفريقيا، بما في ذلك تونس، وكذلك مطار شرم الشيخ في مصر. ويشك المحققون الدوليون في أن موظف المطار قد ساعد المسلحين على تهريب مواد متفجرة صغيرة على متن الطائرة الروسية التي كانت تقل 224 شخصا على متنها عندما تم اسقاطها. وادعت الدولة الإسلامية في دعايتها أن القنبلة كانت مخبأة في عبوة مشروبات غازية شويبس.

وقال ماثيو ليفيت، وهو زميل في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومسؤول أمريكي سابق عمل في مجال مكافحة الإرهاب في وزارة الخزانة: “تشير قدرتهم على تهريب هذه القنبلة في عبوة مشروبات غازية إلى أن إجراءات الأمن في ذلك المطار في مصر ليست عصية على الاختراق”.

وقد هبطت طائرة شركة مصر للطيران في باريس بعد أن مرت على ثلاث دول أخرى – مصر وتونس وإريتريا – حيث الإجراءات الأمنية في هذه الدول أقل صرامة بكثير من داخل مطارات الاتحاد الأوروبي أو معظم الدول الصناعية الأخرى.

وصرح ليفيت لفورين بوليسي قائلا “إن الحقيقة القائلة بأن الطائرة قد مرت على عدة مطارات في نفس اليوم تزيد بشكل كبير من عدد نقاط الضعف المحتملة”.

ومنذ عام مضى، نشرت وزارة الخارجية الأمريكية تحذيرا استشاريا بأن الحالة الأمني في مطار أسمرة الدولي يمكن أن تكون “غير متوقعة”، وأضاف التحذير أن هناك “عدم كفاءة وتناسق” في فحص الركاب.

ومن أجل مجابهة التهديدات الإرهابية المحتملة على الرحلات الجوية المتجهة الى الولايات المتحدة، اعتمد المسؤولون الأمريكيون تدابير أمنية وقائية إضافية في المطارات في الخارج لفحص الطائرات والركاب وهم في طريقهم إلى الولايات المتحدة. وقد تم فرض التدابير في مطارات في أيرلندا، وجزر البهاما، وبرمودا، وكندا، والإمارات العربية المتحدة. وقال مسؤولون إن وزارة الأمن الداخلي قد قامت أيضا بعمليات تقييم موقف وقدمت المشورة لسلطات الطيران في البلدان الأخرى.