‘العلاقة السرية بين إيران وطالبان: ماذا كان يفعل الملا منصور في إيران؟’
29 مايو، 2016
فورين بوليسي –
في يوم 21 مايو، بعد أن استهدفت غارة طائرة بدون طيار سيارة تقل شخصين في إقليم بلوشستان الباكستاني، اكتشف المسؤولون المحليون جواز سفر باكستاني، سليم بأعجوبة، وسط ركام السيارة والجثتين المتفحمتين اللذين يصعب التعرف عليهما. ويرجع جواز السفر إلى رجل يدعى والي محمد. تتشابه صورته على نحو غريب مع صورة الملا أختر محمد منصور، وهو القائد الأعلى لحركة طالبان الأفغانية الذي استهدفه هجوم الطائرة بدون طيار، مما أسفر عن مقتله في مكان قريب. وبحسب تقارير الصحف الباكستانية، أشار جواز السفر إلى أن حامله، الذي يفترض أنه الملا منصور، كان عائدا من إيران، حيث كان هناك منذ 26 أبريل. وكان قد سافر أيضا إلى هناك لعدة أسابيع في شهري فبراير ومارس.
ويعتبر قرار الملا منصور بزيارة إيران وترك ملاذه في بلوشستان – حيث أقامت القيادة العليا لحركة طالبان الأفغانية منذ زمن طويل بأمان- قرارا غريبا. وفي نهاية المطاف، طهران ليست صديقة لطالبان. بل على العكس من ذلك، فقد انحازت طهران رسميا مع تحالف الشمال الأفغاني وغيره من الجهات الفاعلة المناهضة لحركة طالبان. كما لعبت دورا أساسيا في مؤتمر بون عام 2001 الذي أسس لحكومة ما بعد طالبان. وفي السنوات الأولى من الغزو الأمريكي لأفغانستان، أعطىت طهران لواشنطن خرائط توضح مواقع حركة طالبان، وعرض جيشها تدريب 20000 جنديا من القوات الأفغانية.
وتملك إيران أيضا أسبابا وجيهة لتنأى بنفسها عن حركة طالبان. وتعتبر الاعتبارات الطائفية -إيران شيعية وحركة طالبان سنية– أحد هذه الأسباب الواضحة. ولكن الخلافات بينهما تذهب إلى أعمق من ذلك: حيث تمتلك حركة طالبان صلات مع جماعة جند الله، وهي جماعة سنية إرهابية مناهضة للدولة الإيرانية. وهي تشرف على تجارة المخدرات المزدهرة التي تغذي انتشار الهيروين في إيران، وتم اتهامها بمقتل ما يقرب من عشرة دبلوماسيين ايرانيين في قنصليتهم في مدينة مزار شريف الأفغانية في عام 1998، مما أدى إلى دفع المواجهة بين إيران وأفغانستان التي تسيطر عليها حركة طالبان إلى حافة الحرب (وبحسب بعض الروايات، كان تنظيم فرسان الصحابة، وهو جماعة باكستانية مسلحة مناهضة للشيعة وراء هذا الهجوم).
وتمتلك السلطات الغربية تفسيرا يسيرا لسفر الملا منصور إلى إيران وهو أنه كان يتلقى علاجا طبيا هناك، وفقا لمسؤول أوروبي نقلت عنه صحيفة نيويورك تايمز، من أجل تجنب المستشفيات الباكستانية ورقابة وكالة الاستخبارات الباكستانية. ولم ترد تفاصيل بشأن طبيعة العلاج الذي كان يتلقاه. بينما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أن الملا منصور كان في الواقع في إيران من أجل زيارة عائلته. وعلى أية حال، تعرف المسؤولون الأمريكيون على مكان وجوده وتمكنوا من تعقبه هنالك. ووفقا لتغريدة كتبها مراسل NPR توم بومان، كانت واشنطن تعلم رقم هاتفه الخلوي.
وربما كانت رحلة الملا منصور الى إيران مجرد زيارة إلى الطبيب. ولكن ربما كان للرحلة أهدافا أخرى خطيرة أيضا. فعلى الرغم من الخلافات بين طهران وحركة طالبان، إلا أنهما يشتركان في بعض المصالح الرئيسية، وكثيرا ما تعاونا على المستوى التشغيلي. وفي الواقع، تمتلك طهران وطالبان علاقات تتجاوز ما يبدو للوهلة الأولى. وعلى وجه الخصوص، كلاهما يحذر من الغرب وخاصة الولايات المتحدة. وكلاهما يسعى إلى تقويض نفوذ واشنطن.
ويعرض توماس جوسلين، محلل الأمن الدولي ومحرر بارز في ذا لونج وور جورنال، حجة مقنعة للروابط طويلة الأمد بين إيران وطالبان. ويعود تاريخ هذه العلاقات إلى العام 2000، عندما كلّف الملا محمد عمر ،وفقا لمذكرات الحكومة الامريكية المفرج عنها، خير الله سعيد والي خير خاوه، حاكم طالبان في ولاية هراة، بتحسين العلاقات بين الحركة وطهران. ونتيجة لهذا الاتفاق، وافقت إيران على تزويد طالبان بالمتفجرات والأسلحة الصغيرة. (وفي حادثتين منفصلتين في عامي 2007 و 2011، اعترضت القوات الدولية في أفغانستان طريق شحنات الأسلحة القادمة من إيران ومتجهة إلى حركة طالبان). وقد وقع الجانبان أيضا اتفاقا لفتح الحدود بينهما بما مكن حركة طالبان من تهريب الأموال والبضائع والمقاتلين إلى إيران. وقد مهد اتفاق سعيد والي في الأساس لتعاون كبير فيما بعد بين إيران وطالبان بما في ذلك افتتاح مكتب لطالبان في مدينة زاهدان الإيرانية، موطن الكثير من عدة ملايين من الأفغان المقيمين في إيران.
وتاريخيا، كان العامل الحاسم في دفع العلاقات بين ايران وطالبان هو القلق المشترك من الوجود العسكري الأمريكي، والنفوذ الأمريكي المتزايد في أفغانستان. فقد خشيت طهران، على سبيل المثال، من أن تقوم القوات الأمريكية بشن هجمات على منشآتها النووية من داخل أفغانستان.
واليوم، تغيرت الظروف. فقد تم سحب القوات المقاتلة الأمريكية من أفغانستان، وتوصلت إيران والولايات المتحدة إلى إبرام اتفاق نووي تاريخي. ويمكن لأحدهم أن يفترض أن هذه التطورات قد تخفف من حدة المخاوف الايرانية حول الوجود الأمريكي في أفغانستان، وتؤدي إلى وجود دوافع أقل في طهران للتعاون مع طالبان. ولكن هذا غير صحيح.
حيث تشير التقارير الاخبارية على مدار العام الماضي إلى زيادة مستويات تحويل المال والأسلحة الإيرانية إلى طالبان. لكن لماذا؟ أحد أسباب ذلك هو القلق المشترك من تصاعد نفوذ تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان، وهو ما قد يساعد أيضا في تفسير تقارب موسكو مؤخرا مع طالبان، حيث أعلن عدة آلاف من مقاتلي طالبان السابقين، ومعظمهم في محافظة نانجارهار، ولاءهم لتنظيم الدولة الإسلامية. وقد ينضم بعض أنصار الملا منصور المحبطين بسبب الموت المفاجئ لزعيمهم إلى الدولة الإسلامية.
ومن العوامل الأخرى التي قد تساعد في تفسير التقارب بين إيران وطالبان هو رغبة حركة طالبان في تنويع ملاذاتها التي تقتصر على باكستان. وقد كتبت سابقا أن مقابلات حلف شمال الأطلسي مع معتقلي طالبان تكشف أن العديد من قادة الجماعة ومقاتليها منزعجون بسبب اعتماد الحركة على إسلام آباد، حيث لا يثق العديد من أعضاء طالبان في إسلام آباد بسبب الرقابة المشددة التي تمارسها عليهم وكذلك استعدادها لإلقاء القبض على المنتمين لطالبان غير المتعاونين معها. ومع معاناة طالبان من مقتل الملا منصور في بلوشستان – وهو الملاذ الذي لم تشعر فيه الحركة بنقطة ضعف من قبل- فإن ذلك قد يكون حافزا أقوى على العمل على توفير أماكن بديلة ليس من ضمنها باكستان. وبالتالي من المفيد لحركة طالبان أن تكثف علاقاتها مع طهران خاصة عن طريق استخدام المناطق التي تسيطر عليها طالبان في أفغانستان من أجل تسوية الترتيبات مع إيران للحصول على دعم مالى سرى.
وبالنسبة لإيران، تعتبر الحاجة إلى استراتيجية احترازية حافزا قويا لمواصلة التعاون مع طالبان ففي خضم حالة عدم التأكد والتقلب الذي يكتنف الوضع في أفغانستان، حيث يستمر التمرد في تحقيق تقدم في حين تواجه حكومة الوحدة الوطنية الضعيفة مستقبلا غامضا، من المفيد لإيران أن تبقي خياراتها مفتوحة مع طالبان، وهي الفصيل الأهم في أفغانستان.
وهذا لا يعني أن طالبان ليس لديها سبب للتعاون مع كابول. على الرغم من أن تعزيز حركة طالبان من قبل إيران يعني المزيد من عدم الاستقرار في أفغانستان، والذي سيؤدي بدوره إلى انتعاش تجارة المخدرات وتدفقات أعلى للاجئين وهو ما سوف يكون له عواقب مباشرة ومؤذية لإيران.
وبالإضافة إلى ذلك، يعرض عدم استقرار أفغانستان المشاريع التنموية الواعدة في إيران للخطر، في الوقت الذي تكافح فيه إيران للتعافي من سنوات من العقوبات. وفي هذا الأسبوع، زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي طهران لإبرام سلسلة من الاتفاقيات مع إيران وأفغانستان مرتبطة بتطوير ميناء تشابهار الإيراني، وهي مبادرة تهدف إلى تسهيل التجارة والنقل بين آسيا الوسطى الغنية بالغاز وأفغانستان، والهند. وفي الواقع، يمكن لإيران أن تكون بمثابة بوابة إلى الأسواق الواعدة وأن يكون ميناء تشابهار عاملا مهما في جهود زيادة الترابط الإقليمي. ولكن إذا واصلت ايران إغداق المال والسلاح على طالبان، مما يسهم في زعزعة الاستقرار في أفغانستان، فقد يفشل مشروع ميناء تشابهار.
وفي الواقع، من المرجح أن تلعب طهران لعبة مزدوجة: فسوف تواصل العمل مع كابول في الوقت الذي توفر فيه دعما سريا لحركة طالبان. وربما خفف الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران من بعض التوترات في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أن البلدين لم يصبحا أصدقاء بعد. وفي الوقت نفسه، فإن الوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان، والذي قد لا يكتمل انسحابه في أسرع وقت كما كان يتمنى الرئيس باراك أوباما، لازال يؤرق إيران، حتى إذا تم طمأنتها سرا بأن القوات الأمريكية يمكن أن تساعد في تحقيق قدر من الاستقرار في أفغانستان. وعلاوة على ذلك، من غير المرجح أن تتخلى إيران عن التنظيم الذي يسيطر الآن على المزيد من الأراضي في أفغانستان أكثر من أي وقت مضى منذ العام 2001.
وفي نهاية المطاف، تعتبر العلاقات المعقدة بين طهران وحركة طالبان مثالا على الاختلاف الطفيف للمقولة الدبلوماسية المعروفة: عدو عدوي صديقي.