محمد فرح يركض من أجل البقاء


على رغم أن محمد فرح يعد من أفضل عدائي العالم، وفي جعبته ميداليات ذهبية وأرقام عالمية، إلا فإن الرياضي البريطاني من أصول صومالية، لا يستطيع النوم في ليالي المسابقات الكبيرة، ويتمكن منه القلق والترقب. لا يترك فرح، كما بدا في الفيلم التلفزيوني «مو فرح: سباق من أجل حياتي» الذي عرض أخيراً على الشاشة الثانية لـ«هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي)، أيّ تفصيل في رياضته للمصادفات، ويتدرب يومياً كأنه يستعد لأهم سباق في حياته، ويعرف أن البقاء على القمة أصعب بكثير من الوصول إليها، كما أن قصته لم تبدأ في لندن التي وصلها طفلاً صغيراً، بل من مخيمات فقيرة للاجئين الصوماليين في كينيا.

رافقت كاميرات المؤسسة الإعلامية البريطانية محمد فرح (يعرف في بريطانيا بـ «مو فرح») لعام كامل انتهى قبل أيام قليلة من انطلاق أولمبياد ريو دي جانيرو. وحضرت هذه الكاميرات في تدريباته اليومية المجهدة، وكانت معه في أفريقيا حيث أقام معسكراً تدريبياً هناك لتشابه ظروفها المناخية مع طقس البرازيل.

وفي كينيا، كان فريق الفيلم مع العداء البريطاني أثناء زيارته مخيمات اللاجئين الصوماليين حيث ولد، وما زال يعيش في المخيم بعض أهله، ومنهم شقيقه التوأم، الذي لم يرافق العائلة في هجرتها قبل عقود الى بريطانيا (بعد تصوير الفيلم وصل أخ محمد ذاك الى بريطانيا، وتحوّل الى قضية إعلامية وقضائية بسبب طلبه اللجوء في المملكة المتحدة).

يفتح الفيلم التسجيلي كوة على الحياة الخاصة للعداء البريطاني الذي خطف قلوب البريطانيين عندما فاز بميداليتين ذهبيتين في الأولمبياد الذي نظمته لندن قبل أربعة أعوام. حوّلته، وهو الرياضي المجهول وقتها، الى بطل قومي ذي شهرة عالمية كبيرة، وإن كانت هذه الشهرة لم تنقذه من الإهانات والمعاملة العنصرية، كما حدث أخيراً إذ تعرض لمعاملة مهينة من موظفة في إحدى شركات الخطوط الجوية الأميركية، والتي لم تصدق – ووفق زوجة «فرح» التي كانت ترافقه – أن الرياضي الأسود البشرة يمكن أن يركب في مقصورة الدرجة الأولى على الطائرة، وهي الحادثة التي استأثرت باهتمام إعلامي كبير، وتكشف عن عنصريات دفينة ما زالت حاضرة.

يركز النصف الأول من الفيلم على التدريبات القاسية اليومية للعداء البريطاني، ويبيّن الجهود الكبيرة له ولطاقم المدربين الخاصين. تهتم الكاميرات التلفزيونية بالجسد الرياضي لـ «فرح»، وتصوره من كل الزوايا، مبرزة المرونة والقوة في آن. يعرف «فرح» أن تصدّره لا يعني شيئاً بلا هذا التدريب اليومي المتطلب. وعندما يتهاون الرياضي في تدريباته لظروف مختلفة، تراه يخسر المراكز الأولى كما نقل الفيلم. سباقات الركض الطويل تحتاج الى أجساد شابة، و»فرح» تجاوز الثلاثين، وفرصه في الفوز أصبحت معدودة، وربما سيكون أولمبياد ريو دي جانيرو السباق الأخير الكبير له (فاز العداء بميداليتين جديدتين في ريو دي جانيرو).

ينتهز الفيلم عودة «فرح» الى البيت الذي عاش فيه في كينيا ليروي سيرة طفولته، مركزاً على السنوات الأولى له في بريطانيا، والصعوبات التي واجهها قبل تعلّمه اللغة الإنكليزية. في الوقت الذي لم يدخل الفيلم في تفاصيل لجوء عائلة فرح الى كينيا من الصومال، ربما لأن ذكر الصومال وحده يكفي لتخمين أيّ ظروف قاسية هربت منها العائلة.

من المشاهد المؤثرة في الفيلم البريطاني، تلك التي تسجل ردود فعل عاطفية لنساء صوماليات عرفن العداء عندما كان طفلاً صغيراً وقبل لجوئه الى بريطانيا، وتلك التي صورت أطفالاً صوماليين كانوا ينظرون بتعجب الى «فرح» الذي تحيطه الكاميرات. كما كانت المشاهد التي جمعت «فرح» مع أطفاله الصغار، ومنهم ابنة زوجته من زواجها الأول، حميمية وكشفت الكثير عن الرياضي الخجول، والذي لا يتحدث كثيراً في إطلالاته الإعلامية القليلة.



المصدر