أغاني الثورة.. صرخات السوريين المتعطشين للحرية
11 تشرين الأول (أكتوبر)، 2016
أدرك نشطاء الثورة السورية منذ البداية أهمية الأغنية في العمل الثوري لتحريك الجماهير، وتحفيز الشباب على الخروج إلى الميادين للتعبير عن مطالبهم بالتغيير، وعملوا في الشهور الأولى من الثورة على الاستعانة بأغان سورية وعربية قديمة معروفة، قبل أن تتبلور ملامح تجارب جديدة من وحي الثورة.
“يا حيف”
لم يتأخر الفنان السوري الملتزم سميح شقير في إعلان انحيازه الثورة، وإطلاق صرخة احتجاج على ما كان يجري في محافظة درعا، التي انطلقت منها شرارة الثورة في آذار من عام 2011، من حصار وقتل واعتقال من قبل أجهزة النظام الأمنية بحق أهلها المنتفضين، فأهدى الثورة السورية واحدة من أجمل وأصدق أغانيها، وهي أغنية “يا حيف”، والتي انتشرت بسرعة في وقت كانت الميادين السورية متعطشة لنتاج فني نابع من صميم الثورة السورية، التي بدأت تتصاعد على وقع المجازر التي شرع نظام الأسد في ارتكابها بحق متظاهرين سلميين كانت الوردة أشرس أسلحتهم، والأغنية رصاصهم الوحيد.
“يا حيف آخ.. ويا حيف.. زخ رصاص على الناس العزّل يا حيف. وأطفال بعمر الورد تعتقلن كيف”، هذه العبارات كانت مطلع الأغنية التي أعلنت نهاية مرحلة سادت فيها أغنيات “تمجيد”، بل “تاليه” القائد، والتي أُجبر السوريون على سماعها طيلة 45 عاما. كانت أغنية “يا حيف” بمثابة رصاصة احتجاج كان لها وقع مختلف وجميل على نفوس السوريين، فقد أدركوا أن زمانا جديدا قد وُلد مع أول هتاف انطلق من حناجر السوريين التي نطقت أخيرا كلمة حرية. دوت أغنية/صرخة “يا حيف” في أرجاء سوريا، وبدأ النشطاء والمتظاهرون –وحتى الحياديين منهن- بترديدها، فقد ظهر أخيرا من يعلن الرفض، ويُسقط ورقة التوت المهترئة عن جسد نظام مهترئ.
لم تكن مجرد أغنية، بل كانت رصاصة انطلقت من عام 1963، واستقرت في صدر النظام في عام 2011، وكانت إعلان بداية ثورة غايتها تطهير سوريا، ولكن النظام اتخذها ذريعة لتدمير البلاد وتشريد أهلها، وتسليمها للمحتلين.
“يا سوريا لا تسجلينا غياب”
توالى بعد ذلك ظهور أغان ثورية على يد فنانين سوريين شبابا، وخاصة بعد أن بدأ شلال الدم السوري يتدفق، وبدأ السوريون يخرجون من بلادهم تباعا إلى المنافي القريبة والبعيدة، فظهر الفنان السوري الشاب خاطر ضوا، والذي قدّم العديد من الأغنيات الثورية، منها أغنيته الشهيرة “يا سوريا لا تسجلينا غياب”، وهي من كلمات الشاعر شاهر خضرا.
“اشتاقت يا أمي عيونا لترابها.. جف المطر صار الدمع مزرابها.. يا سوريا لا تسجلينا غياب.. تحتك زرعنا أرواحنا، وآمالنا”، كلمات وثقت بدايات الوجع السوري في العام الأول للثورة، والذي ظل يتصاعد حتى استحال فجيعة أكبر من كل الفنون. كرّس ضوا فنه كله للثورة، مطالبا من خلال أغانيه بحق السوريين بالحياة.
“سكابا يا دموع العين سكابا.. على شهدا سوريا وشبابا”، لطالما ردد السوريون هذه الكلمات في طقس غنائي في المظاهرات التي كانت تتحول إلى مناسبة للغناء الذي كان سلاح المتظاهرين في مواجهة الموت الذي كان يترصدهم من خلال بنادق عناصر أجهزة القمع. وتحولت هذه الكلمات لواحدة من أشهر أغاني الثورة السورية عندما غناها الفنان وصفي المعصراني، وأضاف عليها من الكلمات التي تؤكد على وحدة الجرح، والحلم السوري. كما غنى اللحن العديد من فناني الثورة، فهو خير معبّر عما حدث -ولا يزال يحدث- في سوريا من مذبحة تعددت فيها سكاكين القتلة. ولم يتوقف نتاج الفنان وصفي المعصراني عند هذه الأغنية، بل قدم العديد من الأغاني، منها: “من بابا عمرو.. للخالدية”، و”شدوا الهمة”، و”مشتاق لبلادي”، و”أصابع نصر”، وسواها، فبات من أهم فناني الثورة الذين أوصلوا صوتها من خلال الأغنية.
الساروت تجربة متفردة
في الشهور الأولى للثورة، ظهر شاب أسمر يعرفه السوريون جيدا، ليقود المظاهرات الحاشدة في مدينة حمص عاصمة الثورة وأم شهدائها. إنه حارس مرمى منتخب سوريا عبد الباسط الساروت الذي انحاز للثورة، مكرسا حياته لها. كان يُشعل ميادين حمص بالأغاني حتى تحوّل إلى ظاهرة ثورية قل نظيرها. غنى الساروت العديد من الأغنيات الشعبية، ولكن أغنية “جنة.. جنة.. جنة.. سوريا يا وطنا. يا وطن يا حبيّب يا بو قليب طيب.. حتى ترابك جنة” كانت أشهرها، حيث طوّع اللحن الشعبي المعروف ليعلن ندم السوريين على صمتهم طيلة عقود على مجازر نظام الأسدين بحق السوريين، وخاصة مجزرة مدينة حماة في شباط من عام 1982″يا حماة سامحينا والله حقك علينا”.
كما غنى الساروت الذي تحوّل إلى واحد من أشهر أبطال الثورة الشعبيين، العديد من الأغاني الثورية، منها أغنية “يا يمّا ثوب جديد.. زفيني جيتك شهيد”، مقدما فنا ثوريا جديدا، وتجرية متفردة في الثورة السورية، متظاهرا سلميا يهتف محمولا على أكتاف المتعطشين للحرية في ميادين وأحياء مدينته حمص، وعاشقا لبلاده يردد الأغاني في هواها، ومن ثم مقاتلا يدافع عن المدنيين في مدينته حمص، حيث عاش تجربة الحصار الطويل في أحيائها القديمة، وحاول -من خلال ملاحم ثورية- كسر الحصار عنها.
“شهيدنا راح”
ظهرت خلال سنوات الثورة العديد من الأغاني التي تركت أعمق الأثر في الوجدان السوري، ودخلت ذاكرة سوريا، منها الأغنية المؤثرة “أبكي على شام الهوى” للشيخ مشاري العفاسي، والتي غناها العديد من الفنانين السوريين، والعرب، منهم الفنان اللبناني المؤيد للثورة السورية فضل شاكر، كما غناها الأطفال السوريون، والمقاتلون على الجبهات. وغنى الفنان فضل شاكر أكثر من أغنية للثورة السورية، منها “سنظل فيها صامدين”، و”سوف نبقى هنا”، فكان من أكثر الفنانين العرب وفاء للسوريين وثورتهم، ودفع ثمنا كبيرا جراء موقفه النبيل.
وخلّدت أغان أبطال الثورة السورية الذين قدموا حياتهم من أجل تحرير سوريا، وفي مقدمتهم البطل الشعبي عبد القادر الصالح والذي كان معروفا باسم “حجي مارع” نسبة الى بلدته مارع في شمال حلب، والذي استشهد في أواخر عام 2013، وكان لنبأ استشهاده وقع الصاعقة على السوريين نظرا للدور الكبير الذي قام به في الثورة سلما وحربا. “شهيدنا راح على الجنة راح.. أبو محمود راح..”، كلمات أضافتها الفنانة الطفلة نسمة إلى إحدى الأغاني التي كانت ترددها في المظاهرات، لتعبّر من خلالها عن مدى خسارة الثورة لواحد من أهم رجالها المخلصين.
وبرزت الطفلة بسمة كما برز العديد من الفنانين الشباب الذين أعادوا للأغنية قيمتها، فباتت أداة تحفيز للمضي في الثورة حتى منتهاها، بعد أن ظلت لعدة عقود وسيلة من وسائل النظام لتخدير السوريين، وزرع العبودية للقائد الأوحد في عقول أطفال سوريا.
[sociallocker] صدى الشام
[/sociallocker]