هل الروس قوة ذاتية أم أداة أميركية


جلال زين الدين

لا يختلفُ اثنان على أنَّ الولايات المتحدة، الدولة، هي الأولى عالميًا في المجالات العسكرية والاستخباراتية والسياسية والاقتصادية، وواهم من يعتقد أنَّ الاتحاد السوفياتي تفكك من تلقاء ذاته، ومخطئ من يعتقد أنَّنا على أعتاب توديع مرحلة القطب الواحد التي تلت تفكُّك الاتحاد السوفياتي.

لا بدَّ من هذه البديهيات؛ للوقوف على حقيقة الدور الروسي في سورية، فقد ذهب كثير من المحللين بعيدًا في تحليلاتهم واستنتاجاتهم؛ متحدثين عن انتهاء مرحلة القطب الواحد، وبدء مرحلة الحرب الباردة مجددًا، واحتمال نشوب حرب عالمية ثالثة، تكون سورية شرارتها، وفي أحسن الأحوال، نشوء حرب بالوكالة بين روسيا وأميركا على الأرض السورية.

ينبغي وضع الأمور في أسيقتها ومسارتها الواقعية، فما يحدث في سورية لا ينطوي على أي نوع من أنواع الصراع، بل نكاد نجزم -من خلال تعاقب الأحداث وتسلسلها الواضح- بعدم وجود أي منافسة بين الفريقين، ولا نذهب بعيدًا إذا قلنا: إنّ روسيا تخدم، وتنفذ المشروع الأميركي. ولا ننطلق في هذا من رأي شخصي إنما من قراءة منصفة للواقع.

فنستبعد -بدايةً- الحرب بالوكالة؛ لأنّ روسيا تدخلت بثقلها العسكري، فاستخدمت أحدث طائراتها، فضلًا عن الصواريخ المجنحة والعابرة للقارات، والأسلحة المحرمة دوليًا، كالقنابل الفوسفورية والنابالم والقنابل الارتجاجية في المناطق السكنية، في حين رفضت أميركا، لا نقول تزويد المعارضة السورية بمضاد الطيران، بل بأسلحة نوعية أخرى، وتقليدية بكميات ملائمة، فالحرب بالوكالة هي تلك التي يقودها الروس نيابة عن النظام، ووجدنا خلاف ذلك في أفغانستان، عندما زوّدت الولايات المتحدة المجاهدين الأفغان بالسلاح النوعي ضد السوفيات، وسمحت، بل شجعت هجرة جهاديي العالم لهزيمة السوفيات “الشيوعيين، الملحدين”، وجعلت من الحرب ضد السوفيات حربًا مقدسة، بينما نجد خلاف ذلك تمامًا في سورية.

ونعود هنا، إلى 18 آب/ أغسطس 2011، حين طالب أوباما الأسد بالتنحي للمرة الأولى، وأعلن فرض عقوبات قاسية على دمشق، وقال صراحة: “على الأسد أن يقود انتقالًا ديمقراطيًا أو أن يتنحى”، ونسي الجميع أنّ طبيعة نظام الأسد لا تسمح أن يسقط بأي نداءات أو عقوبات اقتصادية، مهما كان نوعها، وبالتالي؛ فإنّ العقوبات استهدفت السوريين لا النظام، كما نسي الجميع تتمة كلام أوباما، عندما أكد أنّ بلاده: “لا تستطيع أن تفرض، ولن تفرض هذا الانتقال على سورية”، وكانت هذه إشارة واضحة لما سيحدث في سورية، فأميركا لن تفعل شيئًا سوى الكلام، وستسمح للأسد فعل ما يشاء، والاستعانة بمن يشاء؛ للبقاء على كرسي الحكم.

والدليل على ذلك أنّ الأسد، وبعد عامين تقريبًا على مطالبة أوباما له بالتنحي، وتحديدًا في 21 آب/ أغسطس 2013، استخدم السلاح الكيماوي الذي قتل قرابة 1500 شخص، وأصاب أكثر من 5000 معظمهم من الأطفال والنساء، وأجمع الجميع -باستثناء الروس- على أنّ الأسد استخدم الكيماوي، واتضح جليًا أنّ الروس يتحركون في الفراغات التي تتركها أميركا لهم، بل يكمّلون الدور الأميركي، إذ أعلن الروسُ صراحةً أنهم لن يدافعوا عن الأسد، عندما وجدوا جدية من الأميركان لضربه، ومارسوا دور الخادم للأميركان لا الند؛ فصدر قرارٌ من مجلس الأمن بتاريخ 27 أيلول/ سبتمبر 2013، برقم 2118، نتيجة جهد روسي؛ لمنع توجيه ضربة أميركية للأسد، فشرعن قرارُ مجلس الأمن الاتفاقَ الروسي الأميركي في 14 أيلول/ سبتمبر 2013.

وأَوجدَ النظامُ السوري الذرائعَ مرات عدة للتدخل الأميركي، فقد وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان استخدام النظام الغازات السامة 139 مرة، بعد قرار مجلس الأمن عام 2013، وأكدت لجنةُ تحقيق مشكلة من الأمم المتحدة استخدام النظام و(داعش) السلاح الكيماوي، لكنّ أميركا لم تتحرك، واكتفت بما أخذت.

أمّا “الفيتو” الروسي على قرارات مجلس الأمن المتعاقبة، فكان طوق نجاة للولايات المتحدة، ومخرجًا لطيفًا؛ للتملص من مد يد العون للثورة السورية، وضغوط حلفائها (السعوديين، القطريين، الأتراك).

وكان القرار 2170، المُتخذ ضد (داعش) تحت البند السابع، فرصة أخرى لتوجيه ضربات عسكرية للأسد؛ نتيجة وجود دعم أسدي مالي لـ (داعش) عبر شراء النفط والحبوب، فالقرار تضمن فرض عقوبات على كل من يمول أو يزود بالسلاح الجماعات الإرهابية في العراق وسورية، لكن أميركا امتنعت وأصرت على استهداف (داعش) فحسب؛ لأنّ (داعش) أصبحت تمثل خطرًا حقيقيًا على مصالحها، فكان ينبغي للولايات المتحدة، لو كانت تدعم المعارضة السورية، الوقوف إلى جانب هذه المعارضة، عندما أعلنت حربًا طاحنة على داعش بداية 2014، لا ضربها عندما هددت الأسد.

وقد يفاجئنا حقيقة استخدام الولايات المتحدة وروسيا الأمم المتحدة مطية؛ لدعم نظام الأسد، من خلال المواد الإغاثية -على اختلاف أنواعها- بدءًا من المواد الغذائية، وليس انتهاءً بالخدمات الصحية والخدمية المتعلقة بالكهرباء والمياه والتعليم، فقد أعطت هذه الخدمات جرعات دعم لنظام الأسد، بدعوى مساعدة الشعب السوري، فقام النظام بإطعام جيشه على حساب الأمم المتحدة، في وقت حُرِمَ فيه السوريون في مناطق المعارضة من هذه المساعدات!

وليس أدل على الانسجام الأميركي – الروسي، من دعمهما لفصيل واحد يوالي النظام، ويعادي الثورة والثوار، ويُلاحظ استخدام الطرفين (داعش) ذريعة لهذا الدعم، فغدت (داعش) قاسمًا مشتركًا بين النظام والروس والأميركان لمحاربة الثورة، على الرغم من أنّ الثورة السورية المتضرر الأكبر من داعش؛ فقد دعم الأميركان “قسد” التي يشكل الأكراد العمود الفقري فيها، في الجزيرة وشرق حلب، وتضايقوا من التدخل التركي الذي من جملة أهدافه طرد “قسد” من شرق حلب، في حين دعمت روسيا الأكراد، وما يسمى “جيش الثوار” المرتبط بهم في الريف الشمالي؛ ليسيطر الأكراد و”جيش الثوار” على معاقل مهمة للمعارضة السورية، أهمها مدينة تل رفعت والشيخ عيسى، وما زال الأكراد و”جيش الثوار” يقومان بشن هجمات ضد المعارضة السورية للسيطرة على كلجبرين.

فكيف لمن يتحاربان ويتقاتلان (الروس والأميركان)، على الأرض السورية، دعم فصيل مشترك عسكريًا وبقوة؟!

ما سبق بيانه، يوضح الانسجام الأميركي – الروسي في سورية، وتدل أحداث الحسكة الأخيرة -بوضوح- على عجز الروس عندما تقول أميركا كلمتها، فقد كان النظام بمساعدة الروس قادرًا على سحق الأكراد، وبدا واضحًا أنّ النظام مضى في ذلك عندما قصف الأكراد للمرة الأولى بالطيران، لكنّ التدخل الأميركي جعل النظام السوري يتقوقع في المربع الأمني، ويُسلِّم الحسكة للأكراد.

إعلان واشنطن -أخيرًا- تعليق المحادثات مع موسكو بشأن الملف السوري، يندرج في إطار المسلسل السابق، فالحرب الباردة والعداء للروس في سورية، لو كان حقيقيًا، لاتخذت الولايات المتحدة قرارًا بتسليح المعارضة، أو السماح بتسليحها.




المصدر