مفتاح شعيب يكتب: مآسي اللجوء مستمرة


مفتاح شعيب

ترقى حوادث انتشال اللاجئين من عرض البحر الأبيض المتوسط إلى درجة الفضيحة في سجل المجتمع الدولي الذي يبدو عاجزاً عن وقف هذه الكوارث وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الضحايا المفترضين في ضوء بقاء أسباب الظاهرة واستمرار عوامل تضخمها. ومع كل فاجعة يستنفر الإعلام والدبلوماسية الدولية بإثارة القضية ثم يختفي كل شيء في انتظار كارثة أخرى.
خلال ساعات قليلة أنقذت البحرية الإيطالية نحو ثمانية آلاف من المهاجرين المهربين من السواحل الليبية، بينما فقد العشرات وربما المئات غرقاً، في مشهد أصبح مألوفاً في البحر المتوسط الشاهد على كوارث عديدة ذهبت بأرواح آلاف الأبرياء، خصوصاً بعد انهيار ليبيا ودخولها قبل خمس سنوات في دوامة مستمرة من العنف والإرهاب والاضطرابات اللامتناهية. ومن المثير للاستغراب أن هذه الطفرة في قوارب اللجوء إلى إيطاليا قد تزامنت مع توتر الوضع في طرابلس وعودة الميليشيات إلى سالف نشاطها بانقلاب «حكومة الإنقاذ» بزعامة خليفة الغويل على حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، وعلاقة هذا التطور بما يجري في مياه البحر كعلاقة السبب بالنتيجة، خصوصاً بعد الحادث المسلح الذي تعرض له قارب لاجئين، وأظهرت الشهادات التي عاينت الحادثة أن المسلحين ليسوا قوة نظامية، بقدر ما هي ميليشيا مسلحة ربما حاولت الانتقام من المهاجرين العزل نكاية في ميليشيا أخرى تنافسها على تهريب البشر.
المأساة مستمرة ومفاجآتها السيئة تتوالى، ولم تفلح الإجراءات التي اتخذها المجتمع الدولي وبقيت غير فعالة، وحتى عملية «صوفيا» البحرية التي أطلقها الاتحاد الأوروبي العام الماضي في البحر المتوسط لم تمنع القوارب المشحونة بالبشر من الوصول إلى السواحل الإيطالية انطلاقاً من السواحل الليبية الغربية على وجه الخصوص. وإزاء هذا الفشل، عاد الاتحاد الأوروبي إلى تقليب خيارات بديلة ومنها تدريب وتجهيز خفر السواحل الليبيين لأداء هذه المهمة في البر أساساً عن طريق محاربة العصابات والميليشيات التي تستجلب المهاجرين من أعماق إفريقيا ومناطق النزاعات الأخرى من سوريا والعراق واليمن والصومال. وليس من الواضح أن هذه المهمة ستكلل بالنجاح بسبب الفلتان والأزمات متعددة الرؤوس العاصفة بليبيا، وهو ما يجعل هذه الظاهرة متجددة، وفي كل مرة تبتكر وجهاً من وجوه المأساة المتشعبة من دون أن ترضخ لأي من الحلول والمقاربات المطروحة.
في أكثر من مرة قيل إن السبيل الأقوم لمحاربة ظاهرة اللجوء أو الهجرة غير الشرعية، يكون عبر تجفيف منابع الأزمات الطاردة لعشرات آلاف اليائسين والمحبطين الفارين بأرواحهم من نيران القمع والحروب والإرهاب. ورغم أن ملف اللاجئين يعد من أبرز الملفات المثيرة للجدل بين النخب الأوروبية، لا تزال هذه النخب تعمل على تطبيق الإجراءات القسرية كتشكيل قوات المكافحة العسكرية أو سن القوانين المشددة والتضييق على المهاجرين المقيمين منذ عقود في الدول الغربية، وهي سياسات أعطت مفاعيل عكسية وعوض أن تحد من الظاهرة زادتها اتساعاً حتى أصبح نطاق مخاطرها يخرج عن السيطرة أو يكاد.
اللاجئون الغرقى في البحر المتوسط، وهم بالآلاف سنوياً، ليسوا ضحايا الظروف القاهرة في مواطنهم، وإنما هم ضحايا السياسات الدولية والغربية خصوصاً، لأنها سياسات ظلت تتعامل معهم ككتل بشرية مثيرة للتهديد، وليس كحالة إنسانية قاهرة تتطلب تعاملاً أرقى يعالج الأسباب والعوامل ولا يقف على النتائج والتداعيات.

المصدر: الخليج

مفتاح شعيب يكتب: مآسي اللجوء مستمرة على ميكروسيريا.
ميكروسيريا -


أخبار سوريا 
ميكرو سيريا