on
من جديد خلافات في جنوب دمشق والشرارة قرارات المحكمة
مهند شحادة
عادت الخلافات لتعصف ببلدات جنوب دمشق، الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة، حيث عزا عديد من ناشطي المنطقة تلك الخلافات إلى تمايزات مناطقية، تضخمت كثيرًا خلال العامين الماضيين، وباتت تتحكم بمجمل الخارطة العسكرية والمدنية لمناطق الجنوب الدمشقي، إلا أن آخرين عدّوا ما يجري داخل مناطقهم جزءًا من صراع أجندات ومصالح بين تشكيلات عسكرية، جوهرها بسط السيطرة والنفوذ على المنطقة، وفق مبدأ الغلبة لا الشراكة.
وفي الآونة الأخيرة، مرت مناطق جنوب دمشق بموجةٍ جديدة من الخلافات، في إثر قرار من المحكمة العامة، يقضي بتنظيم الدخول والخروج من وإلى بلدات: يلدا، ببيلا، بيت سحم، من أهالي الأحياء الخاضعة لسيطرة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)؛ ما عدّه بعضهم تكريسًا للمناطقية، في حين شددت المحكمة على أن قرارها يهدف إلى ضبط مسألة الخروج والدخول، بما يقود إلى وضع حدٍ لاختراقات التنظيم الأمنية داخل البلدات الثلاث، والتي أودت بحياة كثيرين.
الخلاف لم يقف عند هذا الحد، بل تطور عندما أقتحم فصيل “الأبابيل” مبنى المحكمة، وفق ناشطين من المنطقة، وأفرج عن عدد من الموقفين فيها بالقوة، وعادت معها سلسلة من الاتهامات المتبادلة بين الفصائل حول تحمل المسؤولية، فبينما علقت المحكمة عملها؛ بسبب ما عدته اعتداءً عليها، وعدم احترام لقراراتها، دافع “جيش الأبابيل” عن موقفه، عادًّا ما حدث ليس اعتداءً، بل سوء فهمٍ جُيّر تجييرًا خطأً، قبل أن يُصدر بيانًا يعلن فيه احترامه الكامل للمحكمة وقرارتها، وقناعته بضرورة تصويب الأخطاء، ومحاسبة مرتكبيها، لترد المحكمة ببيان، أعلنت فيه العودة إلى العمل.
أسباب الخلافات
من جهته، قال الناشط، وليد الأغا، لـ (جيرون): “ما حدث كان خطأً ارتكبه فصيل بحق المحكمة، ولم يكن خلافًا مناطقيًا، وهذا لا يعني أن المحكمة منزهة عن الأخطاء، أو أنها خارج دائرة النقد، فالجميع يخطئ، ولكن الخلاف كيف يكون حلًا أو تصحيحًا لهذه الأخطاء، فالمحكمة مازالت في بداية عملها، ومعظم كادرها حديث العهد بالعمل القضائي، وغير متخصص -أصلًا- فيه، باستثناء بعض الحقوقيين، ولذلك أسباب، منها قلة الكفاءات والخبرات في المنطقة، لذا من الطبيعي أن ترتكب المحكمة أخطاء في عملها ونحن كإعلاميين تعرضنا لموقف مسبقًا أخطأت فيه المحكمة، ولكنه حُلّ بكل بساطة بعد نقاش بسيط مع أعضائها، أوضحنا فيه وجهة نظرنا واعترفوا بخطئهم، وهذا يدل على حُسن نياتهم في العمل، ولا يتطلب الأمر سوى التصرف بحكمة”.
بدوره قال مسؤول المكتب السياسي لـ “جيش الأبابيل”، جنوب دمشق، عبد الله الحوراني لـ (جيرون): “لا نستطيع أن نعزو الحال الذي وصل إليه جنوب دمشق بعد قرابة خمسة أعوام من الثورة، ومن ضمنها ثلاثة أعوام حصار لسبب واحد، في الحقيقة الأسباب كثيرة، ولكن أهمها هو ترسيخ حالة الانتماء الفصائلي، وما نتج عنه من حالات تنافسية للسيطرة على جنوب دمشق، وفي كثير من الأحيان لم يكن هذا التنافس -على الرغم من رفضنا لمبدئه- نزيهًا، وهذا يعود في الجوهر إلى عدم وضوح المشروع الثوري، وتراجع الفكرة أمام البندقية، والمسؤولية في ذلك على الكوادر الثورية من قيادات عسكرية ونخب، وما نعنيه هنا أن الحس المناطقي موجود أساسًا في جنوب دمشق؛ بسبب أوضاع اجتماعية مشابهة للأوضاع الاجتماعية في عموم سورية، ولكن التقصير في نشر الوعي الثوري الرافض لهذا الحس هو السبب الفعلي وراء استمراره”.
وأوضح الحوراني: “لم يكن هناك أي اعتداء من جيش الأبابيل على أي مؤسسة في المنطقة، ولم نفرض أي قرار على المحكمة العامة، والذي حصل هو لغط لفظي ومشادة كلامية، ونحن نقر بأنه ما كان ينبغي حصوله، وقد أشرنا إلى ذلك ببيان رسمي، صادر عن جيش الأبابيل، وكذلك بينت المحكمة العامة ذلك ببيان رسمي صادر عنها، أما من أثار الشائعات، وألقى التهم دون معرفة أو دراية، فنحن لا نلقي له بالًا، ولن يؤثر في قراراتنا”.
الحل ليس بالاعتداء على القضاء
الجدل الذي احتدم على خلفية الخلاف بين المحكمة العامة في جنوب دمشق من جهة، وجيش الأبابيل من جهة ثانية، كان أساسه مدى استقلالية القضاء، واحترام قراراته من الفصائل العاملة في المنطقة، وهنا قال الأغا: “القضاء ينبغي أن يبقى السلطة العليا في أي منطقة، ومن باب أولى أن تتصرف الفصائل العسكرية بحكمة أكثر، وخاصة تلك التي تقدّم نفسها على أنها تمتلك كوادر سياسية، لها رؤى واقعية، وتتصرف بمسؤولية مع بقية القوى الثورية، بحسب توصيفهم، فالقضاء، بوصفه جهازًا رئيسًا في أي مجتمع، يتطلب الامتثال الكامل لأحكامه، والاعتراض على أحكامه يكون بسلك الطرق والأساليب القانونية والشرعية، لا بالتعدي عليه”.
أما الحوراني، فقال: “جيش الأبابيل لم يعتدِ على القضاء، بل استُغل خلاف بسيط من بعضهم، واستُثمر بطريقة خطأ، واعتقد أن ما تمر به مناطقنا أبعد بكثير من سوء فهم بين فصيل ومؤسسة قضائية، لذلك؛ تجدر الإشارة إلى أن حالة الحراك الملحوظة في جنوب دمشق نحو التجمع، ليست إلا معبّرًا عن شعور التهديد الوجودي لدى جميع قاطني هذا الجنوب، مضيفًا: “وفي حال أشرفت على هذا الحراك الكوادر الواعية والخبيرة، فستكون نتائجه جيدة ومحمودة، أي أن هذه الكوادر ستقود حالة التجمع، الناتجة عن المهددات الوجودية، نحو حالة تجمع عضوية، تتبنى وحدة القرار الناتج عن وحدة الهدف، وليس عن وحدة المصير، أما إن أشرف عليه أشخاص غير كفوئين، أو أشخاص متمترسين في الأبراج العاجية، ولا يتحلون بحس المسؤولية الثورية، فسيكون هذا التجمع تجمعًا قطيعيًا، يزول بزوال المهدد، أو يؤول بالقطيع إلى حالة فريسة”.
ولكن الأغا رفض ما عدّه مواربة من ممثل جيش الأبابيل، وقال: “من الطبيعي أن يترك المدافعين عن الأبابيل السبب الحقيقي لما حدث، ويصرون على طرح قضايا أخرى مختلفة، ما حدث أن المحكمة اعتقلت 3 اشخاص متهمين بتجارة الحشيش، فجاء الأبابيل وهدد المحكمة باستخدام القوة إن لم تخرج أحدهم على علاقة بالفصيل المذكور، فأفرجت المحكمة عن الثلاثة، وعلقت عملها، ما حدث لا يستطيع أحد أن ينكره، والأبابيل اعترف بخطئه، على الرغم من أنني أعتقد أن بيانهم غير كافٍ”
ومن باب الموضوعية، تقتضي الإشارة إلى أننا اتصلنا بالمحكمة العامة في جنوب دمشق؛ لأخذ وجهة نظرها في الموضوع بوصفها أحد طرفي الخلاف، إلا أنها عدّت القضية انتهت، ومن غير المحبذ إثارتها من جديد؛ علها تكون بداية لفتح صفحة جديدة في بلدات الجنوب الدمشقي.
المصدر