نِهايةُ الشعوب أم حلب؟!


غمكين مراد

الجماهيرُ: قطيعٌ يُقادُ براعٍ، هكذا كانت الجماهيرُ، وما زالت!

الشعوبُ: كانت الْهَبَّةَ العَفويةَ للناس في كلِّ بقاع العالم، مؤيدةً ومتضامنةً مع شعبٍ آخر يُظلم وتُسْحق حقوقهُ، وكأنّ ألمه ألمها.

الشعوبُ الآن ليست إلّا فكرةً شعبوية، تصلُ إلى حدِّ أن تكونَ شقيقةً لقطيعِ من الجماهير، بعد، حلب، وما يحدثُ فيها، وقبلها حمص، وفي عموم سورية.

لا يُعتب ولا يُلام، ولا حتى يُطلَّبُ حقٌّ، على/ من، أنظمةِ الحُكمِ المستبدةِ، وحتى أيُّ نظامِ حكمٍ، وإنَّما، يُستردّ هذا الحقّ، بأسلوبٍ ما، تتخذهُ عامةُ الناس إن كانت شعوبًا تَحترمُ حقَّها.

لا يُؤخذ على أنظمةِ الحكمِ ما تقومُ به، من لا أخلاقيةٍ في تسيّيرِ وإدارةِ مصالحها، مادام مُعتركها السياسة، فهي لا تأبهُ إلّا بما يُثبط من عزيمةِ الحياةِ، ويُنشِّط من خضوع الجماهير والشعوب التي غدت ظلًّا لشعبويتها البائسة.

أمّا الشعوب التي كان يُرتَجى منها الدعمَ والتأييد والتضامن والسير في مسيرات وتظاهرات، لتضغط على سياسيي بُلدانِها حين كان الشعب في حلب، وفي سورية بأسرها، بناسها ونباتها ومائها…، تُدكّ بكلِّ ما يحمل الموت فوق أنفاس أطفالٍ ونساءٍ وعُجّز وأبرياء بأيدي حفنة من مِلّة الشعب نفسُه، ومِمن يُهيمنون ويستشرسون على هذه المِلَّة، سبيلًا إلى مصلحة، وإفناءً لشعبٍ، يقفُ عائقًا أمامَ تنفيذ جرائمهم، أخذين منه فئران تجارب لأسلحتهم المُدمِرة، وكلّ ذلك في بثٍّ حيٍّ ومباشر في عصر المعلومات والفضاء، هذه الشعوب الآن صمٌّ، بكمٌّ، عميٌّ.. عن كلِّ ما يدور على، وفي فلك، شعبٍ مظلوم مثلها، كما هو بادٍ لكلِّ العيان، لا تحتاج هوية مظلوميتهِ إلى تعريف.

لا مسيرة تضامن، لا شعار تنديد، لا ضغط على أنظمة الحكم في دولِها، كلُّ الشعوب الشقيقة، والأخرى المؤطرة بحقوق الإنسان، لم تستطع أن تخرج من إطار أيديولوجية سياسة نظام الحكم فيها، أي بالجزم غدَت بكلِّ وضوح ويقين، هواء بالون الشعبوية التي تُسيِّرُها الأنظمة في استمالتها.

انتهت الشعوب! والدليلُ، حلب، غدَت مرآةً لشعوبٍ…، جميع الشعوب دون استثناء، الشعوب التي كُنا نُبرِّرُ مظلوميتها بـأنظمة الحكم ومصالح السياسة، أثبتت حلب، وكلُّ ما يحدث في سورية، أنّ تلك الشعوب لم تكن مظلومةً، وإنّما اعتادت عبوديتها، يقودُها الـ… الساسةُ والبنوكُ المملوءةُ بشعارات النِفاق، كـ…!

لم ينتهِ التاريخ -يا فوكوياما- قطّ، لتوهِ قد بدأ التاريخ من جديد، لكن دون شعوب، ليس هناك صدام حضارات -يا هنتنغتون- ما دامت الشعوب قد انقرضت، والحضارة لا يتفنن في تجسيد روحها الساسةُ.

وحدك -أنت يا داروين- قد صدقت؛ فعلى هذا الكوكب البقاءُ للأقوى، ولن أقول للأصلح؛ حيث كل الصالحين يُسأل عنهم تحت أنقاض سورية، وتُسأل عنهم حلب.

سورية غدت المرأة المهترئة تحت سياط ذلها، وفي سيرها دون كرامة نحو قدسية اسمها.

لن ألوم، أو آمل في أي نظام سياسي، في أي دولة عظمى كانت أم صغرى؛ لأن تلك الأنظمة ليست محطّ رجاء. إنها وسيلة لتبرير غاية ميكافيلي الشنيعة.

لله درك يا سورية! صبرت على كل تاريخك الذي يئن تحت وطأة الاستبداد بصمت؛ لتنفجري فاضحة الشعوب المسخ، قبل أنظمة المقاولة العالمية.




المصدر