الانتقال إلى حرب العصابات دعوة مشبوهة لاستسلام الثورة
14 كانون الأول (ديسمبر - دجنبر)، 2016
ما يتم الحديث عنه أو يُرَوَّجُ له الآن، من الانتقال من حرب المواجهة إلى حرب العصابات لا يخرج عن كونه دعوة للاستسلام وإعلان الهزيمة، تحت شعار الانتقال من تكتيكات عسكرية إلى تكتيكات عسكرية أخرى… بل يكاد يكون أشبه بخيار تدمير الثورة وتفكيكها ذاتيًّا.
ربما كان الأجدى ألا تنتقل الثورة من حرب العصابات إلى حرب المواجهة في وقت مبكر من ولادتها… وربما كان الأجدى ألا تترك الثورة حرب العصابات في عمق مناطق النظام مع الاستمرار في حرب المواجهة في المناطق الأخرى… هذه وجهة نظر، وهي محل تأييد واحترام بلا شك.
الانتقال عن حرب المواجهة إلى حرب العصابات قد يُؤَمِّن الثورة من الاستنزاف العسكري على المدى القريب، إلا أنه سيرفع عنها الغطاء السياسي على المدى الأبعد، وسوف يتيح للنظام وحلفائه ملاحقتها عسكريًّا مهما طال الزمن.
قد يعتبر البعض الانتقال إلى حرب العصابات بمثابة الارتداد خلفًا بهدف الانقضاض أمامًا “القوس والسهم”… وهذا خطأ في حالة الثورة السورية؛ لأن الارتداد خلفًا سيكون له ثمن باهظ وتكاليف كبيرة جدًّا، أهمها على الإطلاق شَرْعَنَةُ النظام المجرم، وإعادة إنتاجه، ومنحه الغطاء الدولي الكامل… وفي المقابل نزع ما تبقى من الشَّرْعِيَّة عن الثورة، والعمل على احتوائها في حكومة وفاق وطني، واعتبار الرافضين مجموعة من العصابات والمتمردين، وهو ما كان يطمح له النظام وحلفاؤه منذ زمن.
أعود للفكرة التي تقدمت… وهي أنه “ربما كان الأجدى ألا تنتقل الثورة من حرب العصابات إلى حرب المواجهة في وقت مبكر”… وقد قلت: “إنها وجهة نظر”… لكن علينا أن نكون منصفين وواقعيين… فإن التحول السريع الذي قامت به الثورة من الانتقال من حرب العصابات إلى حرب المواجهة قبل أن تُنَاهِزَ الحُلُم له أسباب موضوعية.
حيث إن المناخ العامّ وطريقة التعاطي الدولي مع ثورات الربيع العربي كانت أقرب إلى الدعم والتأييد أو حتى الاعتراف، وهذا يعني أن السيطرة على مراكز المدن، وامتلاك مساحات واسعة من البلاد قد يُوَفِّرُ على الثورة الكثير من السِّجَالات الدولية حول مشروعيتها، وسيدفع المقتنعين بها لدعمها بشكل أكبر.
ربما لم تكن هناك قراءة واعية لدى الكثيرين أن سوريا ليست ليبيا… وأن سوريا قلب الشرق الأوسط… وأنها الفَتِيل الذي قد يُشْعِلُ العالم، وأن الأطراف الدولية لن تتنازل عن المنطقة بهذه السهولة… وأن الغرب لن يدعم تحرير الشعوب من قيود الاستعمار ومخلفات الاستبداد.
قد يكون النظام هو من قام بدفع الثورة باتجاه حرب المواجهة، بهدف التخفيف من الضربات التي كان يتلقاها في العمق، بحيث يقوم بتأمين خطوطه الخلفية ومناطقه الحيوية… وقد يكون اندفع بهذا الاتجاه نتيجة شعوره حينها أن المجتمع الدولي يتجه للاعتراف بالثورة، ونزع الشَّرْعِيَّة عن النظام.
ما يعني أن خيار خلط الأوراق في المنطقة هو الخيار الأفضل الذي يتيح له التحرك ورسم الخارطة بشكل آخر… ومن المعلوم للجميع أنه ثَمَّةَ تزامنٌ نسبيٌّ بين اتساع رقعة المُحَرَّر لصالح الثورة، وانحسار رقعة المُحَرَّر لصالح داعش… والبدء بطرح الثورة غربيًّا تحت عناوين مكافحة الإرهاب.