آدم ميـرا : رواية " ألوان السلطان" تفضح جرائم آل الأسد

آدم ميـرا صدرللروائية الفرنسية "إيزابيل هوسيه" عن دار "بوشيت شاشتل" روايتها العاشرة التي حملت عنوان " ألوان السلطان"، وهذه الرواية هي تكلمة لروايتها السابقة" السيد الصغير" التي صدرت قبل أشهر قليلة من "الربيع" العربي، و كانت عبارة عن تحذير للانفجار في سوريا. الروائية" هوسيه" متزوجة من ديبلوماسي فرنسي، و أقامت في سوريا ثلاث سنوات بين 2006 و 2009، وهي خريجة قانون و عملت قاضية قبل أن تلتحق بالسلك الديبلوماسي. نقرأ على الغلاف أن رواية" ألوان السلطان" ليست إلا قصة عن دولة ليست موجودة إلا في الخيال، و أن أسماء الأماكن و الأشخاص ليسوا سوى من وحي خيال الكاتبة. لكن ما إن نفتح الرواية، نقرأ في الصفحة الأولى أنها مُهداة إلى أصدقاء الكاتبة السوريين، و نغوص قليلا في الأوراق لنعرف أن الراوي وهو ابن مسؤول كبير في جيش هذه الدولة " السلطنة" و أنه هو أيضا أصبح جنرالا، و تربى مع الحاكم الجديد و نشآ معا، إلى أن اختلفا في نهاية الأمر، وهرب الجنرال و ترك السلطنة بين يدي صديق طفولته. رغم تغيير الأسماء و الأماكن، فسوريا أصبح اسمها "السلطنة"، و لبنان حمل اسم" إمارة الثلج" و السعودية أصبحت" الدولة الوهابية" إلى آخر الأسماء، كما أن بشار الأسد حمل اسم"منصور" و أخيه ماهر أصبح" بهجت" إلى آخر أسماء قائمة الطبقة الحاكمة، والراوي الذي هو الجنرال" مُناف طلاس" لم يذكر اسمه أو اسم أبيه، و لكن كل التفاصيل تؤكد أنه هو، الراوية تُعري النظام و تفضح كل أساليبه بأسلوب راق و بعيد عن السفافة و الاتهامات السوقية. رواية"ألوان السلطان" تسرد قصة سلطنة يحكمها حاكم عجوز ومريض، و هويُعد ابنه البكر بتأني ليخلفه، لكن هذا الاخيريفارق الحياة بحادثة سيارة، فيتم اختيار الابن التالي في الترتيب بعد تردد كبير، حيث أن هذا الأخير كان مهتما بدراسته في الخارج و ليس له أي طموح سياسي، و لكن الأقدار أحضرته ليصبح في مهب العواصف. ست سنوات تمت من أجل أن يتم إعداده، وكان في منتصف الطريق لكي يصبح سلطانا مثل أبيه، و لكن السلطان العجوز فارق الحياة بسكتة قلبية أثناء محادثة هاتفية. و ما إن يتسلم هذا القادم الطارئ السلطة ، حتى يبدأ حياته بالزواج من فتاة ليست مرغوبة لا من الأم و لا من الأخت، فهي من طائفة دينية مختلفة، و ذات تربية غربية، وتبدأ المشاحنات بين الطرفين، إلا أن تُقرر الزوجة الفرار من بيت الزوجية و تلتحق ببيت الأسرة في الغرب، و لكن الزوج" السلطان الجديد" يقرر أن يُعيد زوجته و ينصرها على أمه و أخته. هذه الأخيرة التي لها طموح سياسي كبير، و هي ذكية جدا، و قد استخدمت زوجها من أجل أن تحقق طموحها السياسي، لدرجة أنها اتفقت معه للإطاحة بأخيها من أجل أن يتسلم السلطة عوضا عنه، لكن أخيها السلطان سبقها و تخلص من صهره بالتعاون مع أخيه. السلطان الجديد الذي أصبح عاشقا لدوره وتخلى بشكل نهائي عن حلمه بأن يكون رب أسرة وموظف عادي، عشقه للسلطة حوله إلى ديكتاتور و إلى حاكم دموي، فلا يقبل النصيحة من أحد و يقوم بتصفية كل من يعترض عليه و على أسلوب حكمه، فهو شارك و أعطى القرار من أجل تصفية أمير " إمارة الثلج" المعني هنا هو رفيق الحريري، واستمر في زعزعة استقرارها الأمني عن طريق حزب "فصيل الله". و تستمر الرواية لتتناول أهم و أخطرحادثتين و هما اغتيال عماد مغنية الذي أخذ في الرواية اسم" عبد الله قاسم" حيث تمَّ اغتياله بعد اتفاق مع زعيم" فصيل الله"، للتخلص منه لأنه أصبح يُشكل عبئا على الحزب وعلى أصدقائه، والحادثة الثانية وهي التخلص من "محمد سلمان" مسؤول الملف النووي السوري و الذي حمل اسم" جابر" في الرواية حيث تم اغتياله لسبب واحد وهو أنه كان بكل بساطة" عميل لإسرائيل"، وهو من زودها بكل المعلومات اللازمة عن الموقع و عن حيثيات الملف النووي. و تتعـرض الرواية أيضا للتحالفات العائلية التي يقوم بها السلطان من أجل أن يبقى في السلطة، فهو يتحالف مع عائلة "أمه" لأنهم بكل بساطة ليس لهم أطماع في السلطة مثل عائلته من جهة أبيه، خاصة عمه رفعت الأسد الذي أخذ اسم"ريبال" في الرواية، والذي حاول بكل الأساليب من أجل أن يخلف أخيه، و قام بمحاولات عدة من أجل أن يعود إلى السلطنة و يكون له دور، و لكن دون جدوى. و التداخلات مع العائلة في الحكم و المال وطدت العلاقة بين أفراد العائلة، خاصة و أن السلطان الأب كان يأخذ عشرة بالمائة من مدخولات سلطنته و يضعها في أرصدة بنكية في الخارج. و تستمر الرواية لتكشف أن نظام السلطان الأمني هو من ابتدع هجومات ما أسماهم بـ"الإرهابيين" من أجل أن يفك العزلة عن نفسه، و يُبين للغرب أنه يُحارب الإرهاب، و قد استخدم النظام هذا الأخير من أجل التخلص من بعض الشهود الذين كان من المفترض أن يشهدوا في قضية اغتيال " أمير إمارة الثلج". نظام السلطان يمكن أن يتهم إسرائيل أو الإرهاب من أجل أن يتهرب من أي مسؤولية داخلية أوخارجية، و لكن أخطر ما أوردته الرواية هو الاتفاق السري بين السلطنة و إسرائيل التي أخذت اسم" العدو"، هذا الاتفاق الذي يقضي بأن يقوم جيش السلطان بحماية الحدود مع العدو، على أن يلتزم هذا الأخير بعدم المساس بمصالح السلطان و عائلته. وما المحاولات للتفاوض التي كانت بوساطة الدولة العثمانية"تركيا" إلا من أجل ذر الرماد في العيون، فلا السلطان و لا العدو يريدون اتفاق سلام. و يعترف السلطان للرواي قائلا:" إن الاتفاق مع العدو غير مرغوب فيه لا من السلطنة و لا من العدو، و السلطنة تستفيد من عدم الاتفاق باستمرار قانون الطوارئ، والعدو بالمقابل يستفيد من أكثر المناطق خضرة ومياه." و تنقل الرواية أن كل ما يقوم به السلطان من أعمال قتل، تعذيب، نهب وإرهاب بمساعدة أخيه من أجل الاستمرار بالسلطة ، لدرجة أن هذا الأخير أطلق النار على "النائب" و المقصود هنا فاروق الشرع لأنه عبر عن موقفه المعارض للتدخل العسكري في منطقته و ضد شعبه. و يؤكد الراوي أن السلطان فقد كل أصدقائه بسبب ضعفه و مرضه بالانفصام بالشخصية و عدم درايته بالأمور، و بسبب ضعفه أمام عائلته حيث أن هناك ميثاق بين أبناء الطائفة الحاكمة يقضي بعدم الاقتتال فيما بينهم، مهما كانت الظروف و مهما تعقدت الأمور. في نهاية الأمر، نستطيع من خلال هذه الرواية أن نفهم تعقيدات الحياة السياسية في سوريا، و تداخل العائلة، المال، الأمن، الحكم و الدم في اتخاذ القرار في هذه البقعة الاستراتيجية، حيث استطاع السلطان العجوز"حافظ الأسد" أن يُغير خارطة الشرق الأوسط بتحالفات مع أعدا ء وطنه(إيران و إسرائيل) من أجل أن يبقى هو وعائلته في السلطة، و قام بتحويل الدولة إلى مزرعة خاصة بعائلته. للإشارة الجنرال مُناف طلاس فرُّ من سوريا بمساعدة وحدة الأمن و المعلومات الفرنسية، وقد كان له نشاط في بداية فراره، ثم ابتعد عن الصورة و ينشط في السر، حيث أن جزءا هاما من عائلته كانوا ضباطا في الجيش السوري و قد فروا من الجيش لينضموا إلى المعارضة، وقد صدرفي حقه حكم بالإعدام لفراره من الجيش، رغم أن الأرجح أن حكم الإعدام بحقه كان بسبب هذه الرواية. و كان مُناف قبل هروبه قدتم إعطاءه إجازة مفتوحة وتمُّ تنحيته من منصبه في الحرس الجمهوري بعد رفضه إطلاق النار على شعبه أثناء المظاهرات، ثم تمَّ تهديده بالتعذيب و السجن، و قد هرب قبل أن يتم اعتقال و تصفيته مثل ما حصل مع كثير غيره. آ. م