أين يقف الائتلاف من أستانة


جيرون

برزت في الأيام القليلة الماضية، أحاديث متنوعة عن لقاء في العاصمة الكازاخستانية أستانة، لتكون منصة لإطلاق عملية التفاوض بين المعارضة السورية المسلحة مع النظام، وكان لما طرحه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مؤتمر صحافي خلال زيارته لليابان، في 15 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، حول اتفاقه مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على إطلاق منصة أستانة، دور بإطلاق تلك الرؤى المستجدة، بصفته ضامنًا للنظام السوري، في حين تضمن تركيا المعارضة المُسلحة.
بعد إشارة بوتين إلى منصة أستانة، عُقد لقاء ثلاثي في موسكو، جمع وزراء الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، والإيراني محمد جواد ظريف، ونظيرهما الروسي سيرغي لافروف، لينجم عن اللقاء ما عُرف بـ “بيان موسكو” وأبرز ما تضمنّه، احترام “إيران وروسيا وتركيا لسيادة الجمهورية العربية السورية، واستقلالها ووحدة وسلامة أراضيها، بصفتها دولة متعددة الأعراق والطوائف الدينية وديمقراطية وعلمانية”.
بدا واضحًا أن هناك دفع روسي متسارع لتلك الرؤيا، وتجاهل لكل جولات الحوار السابقة، التي انطلقت بين وفدي النظام السوري والمعارضة في جنيف، وبدا السعي الروسي لفرض بداية جديدة، ترتكز على ما حصل من تطورات في الشمال السوري، وبالذات مدينة حلب، وعدّ أن المُنتصر يضع الخطة والشروط والمسار والوقت والمكان، فهل تتعامل روسيا فعلًا بصفتها المنتصر، وعلى هذا تجاهلت دعوة الدول الراعية للمفاوضات السابقة، بل وتجاهلت وجود “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”، وكذلك “الهيئة العليا للتفاوض”.
وتوقع العضو السابق في الهيئة السياسية لـ “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة” عقاب يحيى في حديث لـ (جيرون)، أن “تجري دعوة الهيئة العليا للتفاوض إلى منصة أستانة، هذا في حال وُجّهت دعوة”، لكن يبقى “السؤال قائمًا جديًا، عن الوفد الذي سيسافر إلى العاصمة الكازاخية، هل هو من المنصّات السابقة، القريبة من روسيا والمُحاطة برعايتها”.
وحول مُخرجات “بيان موسكو” قال يحي: إن الواضح “وفق المعطيات الموجودة، هو جعل محاربة الإرهاب أولوية، كذلك موضوع وحدة سورية بالطريقة التي عُرضت في البنود”، وتساءل “هل هي تُعبّر عن نية صادقة، مع ما يجري من عمليات تهجير واسعة على الأرض، تُنفّذها القوى الروسية والإيرانية، ومن يضمن أن يوقفوا عملياتهم العسكرية ضد الشعب السوري”.
ما طُرح في البيان ثلاثي الأطراف عن “الدولة الديموقراطية العلمانية المُتعددة الأعراق والأديان”، يحتمل “التأويل”، وفق يحي، فهو “غير واضح الدلالة”، في حين أن رؤية الائتلاف، بالمقابل، كانت “واضحة في هذا الصدد، وهي أن سورية دولة مدنية ديمقراطية تعددية، تقوم على مبدأ المواطنة وتُساوي بين مواطنيها في الحقوق والواجبات وفق أحكام الدستور والقوانين المرعية، ولا تميز بين أفراد الشعب السوري في الحقوق، على أساس جنسهم، أو عرقهم، أو انتمائهم السياسي والفكري، أو أصولهم القومية والأثنية، أو عقائدهم الدينية والمذهبية”.
لم يتطرق “بيان موسكو” إلى مُستقبل النظام السوري، ولا لأي مرحلة انتقالية، ولا لمطالب الشعب السوري، ويرى المعارض السياسي يحيى، أن الجميع الآن “أمام سقف منخفض، وهذا السقف يتطابق مع المعارضة المتوافقة مع موسكو، ويتعارض مع رؤية الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات حول مصير النظام”.
بالنسبة للائتلاف فإن “مصير الأسد والنظام واضح في أي عملية سياسية”، وعدم الإشارة إلى مصير الاسد ستشكل معضلة حقيقية أمام الهيئة”. وفق يحي.
وعلى ما تقدم “لا ندري كيف ستكون الضغوط الدولية على الجميع، بما فيها الائتلاف، باتجاه المشاركة في أستانة، وهو أيضًا يعود لميزان القوى على الأرض، الذي أصبح مُختلًا بعد حلب”.
الائتلاف الذي تراجع حضوره بين السوريين وفي الأوساط الدولية، تحول إلى مؤسسة رمزية خلال الأشهر الأخيرة، تتعرّض للنقد الحاد بعد الذي جرى في حلب، ومن موقف غير الواضح من (جبهة النصرة).
شهدت الأيام الماضية انسحابات من بعض أعضائه، أو اعتذارات عن عجز رافق مسيرة الائتلاف، ولكن ذلك، بحسب يحيى، “لا يزال محدودًا ولن يؤثر على مواقف الائتلاف من الطرح الحالي”.
ويرى أن نجاح أي “مرحلة مقبلة يرتبط بشخوصها وطريقة إعدادها وآلية اتخاذ القرار داخلها، وإذا “كانت مخرجات أستانة مجلسًا عسكريًا للمرحلة الانتقالية، فإن ذلك قد يكون أفضل المتاح، بحيث تكون الآلية السياسية تابعة له، ليحدّ من سلطة الأسد في حال سيجري فرضه لفترة واضحة ومحددة”.
مع توجّه الأنظار نحو أستانة، يبقى السؤال الأهم المطروح أمام المعارضة السورية، حول امتلاكها أدوات تُخولّها أن تكون سيّدة الموقف، بعد كل تلك السنوات من العمل السياسي أو العسكري.
هل فعلًا سيتاح لروسيا فرض رؤيتها، بوصفها طرفًا يمتلك القرار على النظام، وسيفرض قراره أيضًا على المعارضة، لتحديد هوية سورية المستقبل، أم أن هنالك أوراقًا يمكن من خلالها تسخير ما سُمي بـ (أصدقاء الشعب السوري) لإعادة تثبيت قرار السوريين الذين لم يبخلوا بتقديم أي شيء، على طريق الانعتاق من الاستبداد.




المصدر