on
الحجاب وسيلة وليس غاية
علاء الدين الخطيب
عادت قضية الحجاب في أوروبا للظهور أخيرًا، بوصفها إشكالًا سياسيًا في النمسا، عندما اقترح وزير الخارجية والاندماج، سيباستيان كورز، وهو من حزب الشعب النمساوي ÖVP، مشروع قانون يحظر الحجاب في المدارس والقضاء، ما يشكل تمهيدًا ممكنًا لحظره من أماكن العمل الحكومية، ويمنح القطاع الخاص -أيضًا- صلاحية منعه. أثار الاقتراح ضجة إعلامية كبيرة في النمسا، وجُوبه باعتراضات كبيرة من الشارع النمساوي، وكثير من السياسيين والرموز الدينية المسيحية واليهودية والإسلامية.
بعد أزمة اللاجئين المستمرة منذ 2015، وما صاحبها صعود كبير نسبيًا لليمين المتطرف ممثلًا في حزب الحرية النمساوي FPÖ، توجه كورز وعدد من قيادات حزب ÖVP، نحو محاولة المزايدة على اليمين المتطرف، في تبني عدد من الشعارات الشعبوية؛ لاستمالة ذلك الجزء من الشارع النمساوي الواقع تحت تأثير الخوف المفتعل من الإسلام، ومن الاتحاد الأوروبي ومن الأجانب. فالنمسا تقدم الملجأ لأكثر من 140 ألف لاجئ، بينهم حوالي 30 ألف سوري، وهي بذلك تحقق ثاني أكبر معدل في أوروبا للاجئين موازنة بعدد السكان بعد السويد، من ناحية ثانية، تُعدّ النمسا من أوائل الدول الأوروبية التي اعترفت بالإسلام دينًا رسميًا في بدايات القرن الماضي.
مناقشة أسباب صعود أفكار اليمين المتطرف الغربي تحتاج إلى مقالات طويلة، لكن ما يهمنا هنا، وفي موضوع الحجاب تأكيد عدد من الحقائق التي تغيب عن تناولنا العربي لهذه الأزمات. فاليمين الأوروبي المتطرف حقق صعودًا كبيرًا منذ بداية هذه الألفية في أوروبا، والنمسا خصوصًا، بوصفه ردّة فعل على انطلاق الاتحاد الأوروبي واليورو الذي صاحبته مشكلات اقتصادية حتمية؛ ثم كانت الأزمة المالية العالمية عام 2008 دفعًا كبيرًا لهذا اليمين، ونحن نرى نتائجه الخطِرة على الغرب بخروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وصعود ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة.
اليمين المتطرف الأوروبي مثله مثل أي فكر متعصب، يقتات على زرع الخوف من الآخر المختلف، سواء أكان مختلفًا عرقيًا أم دينيًا أم قوميًا أم ثقافيًا، فإن لم يجد، توجّه ضد الفقراء والمرأة؛ ففي النمسا، مثالًا، ويوم لم يكن الحضور الأجنبي كبيرًا في البلد طرح مؤسس حزب FPÖ المتطرف، يورج هايدر، في عام 2004 مشروعًا لنقض أهم أسس النظام الأوروبي الغربي، وهو حجب المساعدات عن العاطلين عن العمل، وطبعًا هم نمساويون أصلًا وفصلًا، وهذا الحزب نفسه، ما زال إلى الآن يعارض بشدة رغبة الحكومة النمساوية في كتابة اللوحات الطرقية بلغتين الألمانية والسلوفينية، في مقاطعة كرينسيا على حدود سلوفينيا؛ ومع تزايد أعداد المهاجرين من أوروبا الشرقية، بعد انضمام بعض دولها إلى الاتحاد الأوروبي، وجّه هذا الحزب هجومه نحو الأجانب، وهم أوروبيون مسيحيون، إضافة إلى الأتراك المسلمين؛ بعد أزمة اللجوء الأخيرة، وجد هذا اليمين ضحيته الدسمة في المسلمين اللاجئين، خاصة مع تصاعد الخوف من الإرهاب الإسلامي، الخوف الذي قدم له الإسلام المتعصب ما يكفي من مسوغات.
إذن، الإشكالية ليست في ما يسميه الإعلام العربي والإسلامي “عداء الإسلام”، لاستنفار مشاعر المسلمين عبر تزييف الحقائق، إنها حرب سياسية ضمن الدول الغربية بين الأحزاب السياسية، وكذلك جزء من الصراع الدولي الأوسع، الذي يحتاج إلى جميع الأدوات المتوفرة؛ لتغطية أسباب ووسائل الصراع الحقيقية في السوق العالمي.
السؤال المطروح: ما موقف الجالية العربية والإسلامية في الغرب؟ الأغلبية من هذه الجالية تعيش بسلام وهدوء ودون ضجيج، وأيضًا بسلبية أمام النسبة القليلة من المسلمين المتعصبين، التي تقدم لليمين الأوروبي المتطرف ما يلزمه من مسوغات لطروحه الشعبوية؛ فليس من النادر الآن أن نرى في شوارع الغرب ومدارسه فتيات بعمر خمس سنوات يرتدين الحجاب، كذلك بات منظرًا مألوفًا أن ترى المنقبات؛ وحالات الزواج الإجباري بين الجالية المسلمة ليست قليلة، ويوجد كثير من مظاهر التعصب القولية والفعلية. هذا التطرف الإسلامي المقابل نما وينمو بضغط عوامل كثيرة، لعل أهمها سيطرة نظرية المؤامرة الكونية -الخرافية- ضد المسلمين على عقول الأهل والشيوخ ودعم الإعلام العربي لهذه النظرية المتطرفة؛ بل حتى أن أغلبية من ممثلي المسلمين المعروفين، يطرحون خطابهم انطلاقًا من هذه المؤامرة؛ ما أضعف حجتهم وقوتهم السياسية والإعلامية، وزاد من قوة انتشار الإسلام المتطرف في الغرب، أضف إلى ذلك تقصير الحكومات الغربية تقصيرًا كبيرًا في وضع سياسات اندماج واعية استراتيجية.
الحجاب إشكالية موجودة في بلادنا أصلًا، وليست إشكالية غربية، وقد تعمّقت هذه الإشكالية مع صعود قوة الإسلام السياسي في جميع توجهاته، لأن الحجاب خصوصًا أسهل الأدوات استخدامًا في تجييش العواطف الشعبية الذكورية، فالإسلام السياسي لا يستطيع مجابهة الفساد والكذب والانتهازية الناتجة عن الظلم السياسي والاجتماعي والديني والفروق الطبقية؛ لأنه وطبقة رجال الدين جزء من هذه التركيبة الظالمة في بلادنا؛ والمرأة تبقى هي الطرف والضحية الأضعف التي يمكن على ظهرها تعويض الشعور بالذنب الذي يصاحب التعصب الديني دائمًا؛ كما أن الحجاب يفرض منظرًا شكليًا للمجتمع، يساهم في تعزيز السلطة الدينية، سواء أتصالحت أم تصارعت مع السلطة السياسية الديكتاتورية.
الجالية المسلمة والعربية في الغرب، نقلت معها هذه الإشكاليات، ولأن أغلبيتها عاشت في عزلة عن المجتمع المحيط، وفي عصر الإنترنت والإعلام الفضائي زاد تأثير دعاة التعصب الديني، فظهرت مشكلة الحجاب في الغرب عقدةً تختصر الأزمة الثقافية والمنهجية التي تعاني منها الشعوب عمومًا، وشعوبنا العربية والإسلامية خصوصًا.
إن الحجاب وغيره من الإشكاليات وسيلة صراع بين المتعصبين من كل الجهات، أكثر منه محاولة جادة وواعية لتحقيق الحقوق الإنسانية الأساسية.
المصدر