on
بين الطائرات والطيور في لبنان
ليست بجديدة المشاكل بين الطيور والطائرات، إلا أنّ خسائرها البشرية لم تتعدَّ لحسن الحظ 200 ضحية منذ عام 1988 على كامل مساحة الكرة الأرضية. أمّا الخسائر المادية، فتصل إلى نحو مليار ونصف مليار دولار أميركي سنوياً، من جرّاء اصطدام الطائرات بالطيور حول العالم. وفي لبنان، أبدت السلطات المعنيّة اهتمامها بسلامة الطيران مذ أعلنت منع تربية الحمام وكشّه بالقرب من مطار بيروت، قبل عقدَين من الزمن أو أكثر.
اليوم، يجابه مطار رفيق الحريري الدولي، المدني الوحيد في لبنان، خطر تزايد أعداد الطيور، لا سيّما البحريّة منها. ماذا يجري؟ في لبنان، 25 نوعاً من طيور النورس والخرشنة الشبيهة بالنورس. يمكن مشاهدة معظمها عند مصبّات المجارير (مياه الصرف الصحي) في البحر، لذلك سمّاها البروفسور جورج طعمة قبل نصف قرن “جرذان البحر”. مِن طيور النورس ما يفضّل تناول النفايات، ومنها ما يتغذّى على الأسماك الصغيرة فقط. وهذه الأخيرة تعاني انخفاضاً في أعدادها على المستوى العالمي وأصبحت تصنّف كمهدَّدة بخطر الانقراض من قبل المجلس الدولي لصون الطبيعة. أمّا الطيور آكلة النفايات، فقد حظيت حديثاً بمصدر رزق جديد وفّره لها مكبّ النفايات في منطقة كوستا برافا الواقعة بين الأوزاعي وخلدة (جنوبيّ بيروت)، الأمر الذي جعلها تتجمّع بأعداد كبيرة بالقرب من المطار ومدارجه، لتهدّد بالتالي سلامة الطيران.
ما هي الإجراءات المطلوبة لاحتواء الخطر والحفاظ على سلامة الطيران والمسافرين؟
1- تركيب وتشغيل ماكينات تصدر أصواتاً تخيف الطيور وتبعدها. فتُستخدم أصوات صيحات القلق عند النورس، وتبتعد بالتالي الطيور. لكنّها تعود بعد اعتيادها سماع تلك الأصوات، في غضون أيام تعدّ على الأصابع. إشارة إلى أنّ هذه الطريقة لا تفيد إلا نوعاً واحداً من بين 25 نوعاً. كذلك، ثمّة أصوات تنفر العصافير الصغيرة كالزرازير من دون أن تخيف الطيور الأكبر حجماً. لذا، تتحتّم معرفة الأنواع المراد إبعادها. في كلّ الأحوال، ثَبُتَ أنّ الماكينات ليست أساسية في إبعاد الطيور بل هي أدوات مكمّلة ومؤقّتة تلزمها متابعة مستمرة.
2- فريق لمكافحة الطيور في المطار. يُدرَّب الفريق على تحديد أنواع الطيور والتمييز بين المهدَّد منها بخطر الانقراض والأنواع الشائعة، ليتمكّن من معرفة الأنواع التي تنبغي مطاردتها. فيُطلق الفريق المفرقعات في اتجاه الطيور لإبعادها عن المدارج. ويستخدم الفريق أجهزة مختلفة لإخافة الطيور من أجل تحقيق فاعلية أكبر. لكنّ هذه الطريقة لا تساعد في السيطرة على تلك التي تطير في أجواء المطار ومحيطه.
3- الإجهاز على الطيور. هذه الطريقة مرفوضة لأنّها تقضي على أنواع نادرة أو محميّة عالمياً. وإذا كان لا بدّ من الإجهاز على فرد من الطيور بالتزامن مع استعمال القنابل الصوتية من أجل إرهاب الطيور الأخرى، فيجب الاستحصال على إذن من وزارة البيئة بالتشاور مع باحثين أو خبراء في علم الطيور. في كلّ الأحوال، ينخفض مفعول هذه الطريقة مع مرور الوقت وقد ينتهي في خلال أسبوع.
4- منفّرات الطيور. تستخدم لإبعاد الطيور عن برك المياه الراكدة على المدرّجات وما بينها. وهي مواد كيميائية، مركّب ميثيل أنثرانيلات.
5- عدم جزّ الأعشاب. تفضّل الطيور الأعشاب القصيرة إذ تسمح لها برؤية أعدائها من بعيد، فيما تحجبها عنها الطويلة. لكنّ تلك الطويلة تشجّع على تكاثر الفئران والجرذان، ما يدفع بالطيور الجارحة من صقور إلى غزو المطار نهاراً، وكذلك بالنسبة إلى البوم ليلاً. وهذا ما يتسبب في كوارث من نوع آخر.
نفايات تُطمَر في الكوستا برافا (حسين بيضون)
ويبقى الحلّ الأمثل إزالة أسباب تجمّع الطيور من خلال:
– وقف التلوّث الذي يأتي به نهر الغدير.
– طمر النفايات جيداً لإخفائها عن الطيور، بطريقة علمية محددة.
– عدم السماح للمياه بالتراكم على أرض المطار ومدرجاته.
– تحديد أنواع الطيور في المطار ومحيطه من قبل مختصّ.
– تحديد الوسائل الملائمة لإبعاد الطيور غير المرغوب بها من قبل مختصّ.
– وضع دليل عملي لاستخدام الوسائل المطلوبة من قبل مختصّ.
– وضع خطة زمنيّة للحفاظ على فاعلية الوسائل المستخدمة.
– تدريب فريق مكافحة طيور يعمل في فصل الشتاء.
– تزويد المطار بأجهزة رادار مخصصة لرصد الطيور المهاجرة أو العابرة من برج المراقبة.
– وضع جدول زمني لعبور كلّ نوع من الأنواع المهاجرة المحتمل مرورها، بالقرب من المطار أو في أجوائه.
تجدر الإشارة إلى إنّ إدارة الطيران الفيدرالي في الولايات المتحدة الأميركية كانت قد وضعت خطوطاً إرشادية لتشييد وإزالة ورصد المطامر والمكبات المفتوحة ومواقع التخلص من النفايات في المطارات ومحيطها. أمّا في أوروبا، فتعتمد المطارات على علماء طيور من أجل تقييم المخاطر من خلال دراسات إيكولوجيّة في محيطها، لتحديد الأنواع المستهدفة وما الذي يجذبها وما هي أعدادها وفترات ذروتها ومناطق الخطر في المطار. هكذا، تخرج الدراسة بتوصيات تؤدّي إلى تخفيض وتيرة ظهور الطيور في المطار. بالتالي، فإنّ أي عمل لإبعاد خطر الطيور عن حركة الملاحة الجويّة يوجب وضع خطة من أجل حماية مستدامة والابتعاد عن الحلول المرتجلة التي تؤخّر ولا تقدّم.
صدى الشام