الاندماج المجتمعي بين قاطني الغوطة الشرقية


هيثم البدوي

يتميز المجتمع السوري بتنوع ثقافته، واختلاف في لهجاته أيضًا، وهي سمات تكاد تكون طبيعية في أغلب المجتمعات البشرية، لكن ثمة فروقات أحيانًا، فأهالي الغوطة الشرقية، وعلى الرغم من صغر المساحة الجغرافية التي يتوزعون عليها، يتميزون عن غيرهم بمزايا تدعو إلى الانتباه وإمعان النظر فيها.

تجمع الغوطة بين الريف والمدينة. قسم انتشرت فيه الحياة الريفية، بما تعنيه الكلمة من حياة يومية ومجتمعية مختلفة بعض الشيء في اللهجات والعادات والثقافات عن المدينة.

القسم الثاني يعيش حياة أشبه بأهل المدينة، بوصفها نمط حياة وثقافة، ومن جهة التعامل مع الأمور اليومية أيضًا.

هذا الاختلاف كان في فترة ما قبل الثورة وفي بدايتها، ومع عمليات النزوح التي تمت بسبب فقدان المعارضة للبلدات والأراضي الزراعية، اضطر أهالي البلدات الريفية للنزوح والعيش جنبًا إلى جنب مع أهالي بلدات مجاورة لهم في الغوطة، وحياتهم أقرب إلى نمط حياة أهل المدينة، ما أظهر هذا الاختلاف جليًا واضحًا، بسبب القرب الذي حصل.

هذا الاختلاف، خلق نوعًا من التعارف مع الأخر بنمط حياته اليومية وعاداته، ولم يتسبب بأي مشكلات تذكر، لكن بقي الحاجز قائمًا، إلى أن بدأت التعاملات اليومية، ما افسح المجال للتقارب بين الطرفين من جهة العادات، وظهر هذا جليًا في بعض النقاط التي تمكن ملاحظتها، والتركيز عليها، بدءًا من اللهجة المحكية لتتحد أغلب اللهجات بلسان متقارب يستطيع المرء من خلاله التفاهم بسهولة ويُسر مع الآخرين، لدرجة عدم التمييز بين لهجات أفراد البلدات النازحين، وبين لهجات السكان المحليين.

شيئًا فشيئًا انتقل الأمر إلى العادات اليومية وطريقة اللباس، ومما ساعد على هذا الامر عدم وجود محلات وأسواق، كسابق عهد الغوطة، فلقد بات اللباس يأتي على نمط وشكل موحد، إما من دمشق أو من خلال تصنيعه في الورشات الداخلية، وانتقل التمازج الثقافي إلى أمور أبعد من ذلك.

فقد سُجلت عودة أعداد كبيرة من المتسربين النازحين، إذ كانت نسب التسرب بينهم مرتفعة قليلًا، بسبب تراخي الأهل، وبسبب بعض المشاق والصعاب اليومية، ما يضطر حتى الطفل الصغير للانقطاع عن دراسته؛ بهدف العمل ومساعدة أهله.

وأكثر الأمور الواضحة في هذا “الاندماج”، هو انتهاء ظاهرة الكتائب والفصائل المناطقية، التي كانت سمة الفصائل العسكرية المعارضة في السابق، فقد شهدت الفترة الأخيرة حركة اندماج قوية، داخل تلك الفصائل بعيدًا عن مناطقيتهم السابقة، وطبعًا لهذا الأمر مسببات أخرى، قد تكون سياسية ودولية، لكن ما يعنينا هو الأثر الاجتماعي في تلك الظاهرة.

خلال ندوة حوارية أقامها “منتدى زيتون” للحوار في الغوطة الشرقية، قال محافظ ريف دمشق الحرة: إن المحافظة تعمل حاليًا على محاولة دمج النازحين من المناطق المهجرة، بإدارة وخدمات المجالس المحلية للبلدات المضيفة لهم، وذلك عن طريق تشكيل لجنة تواصل بين القاطنين الجدد وإدارة المجالس، وهذا يعني الإقلال من الفروق والتهميش الذي عانوه سابقًا. هذا الوعي من المحافظة يسجَّل لها في معالجة هذه المشكلة الموجودة التي ستنتهي قريبًا.

للتدليل على حادثة مشابهة حصلت بمنطقة أخرى، يمكن التذكير بحادثة حلّ المجلس المحلي لمدينة درايا لنفسه، عند الانتقال لمحافظة إدلب في الشمال السوري الخارج عن سيطرة النظام، ما يعني اندماج المهجرين من درايا تحت إدارة المجالس المحلية للمناطق التي هُجّروا إليها، وهذا بدوره سيكون له أثر كبير في الاندماج المجتمعي التام لاحقًا وإن طال الأمر.

هذه الصورة الإيجابية البسيطة والمشرقة، تنبهنا إلى مدى ترابط المجتمع السوري، وإمكانية تأقلمه مع الأوضاع المحيطة كافة، وتميزُه بصفات الحيوية والنشاط والتطوير، وهي من أساسيات المجتمعات الحية.




المصدر