الخاسر الأكبر من الاتفاق بين روسيا وتركيا


جوان مجدل البيك

سواء أنجح الاتفاق بين روسيا وتركيا، وانتهى إلى حل سياسي للأزمة السورية، أم كان هذا الاتفاق استراحة محارب كما يصفه بعضهم، فإنه في كلتا الحالتين سوف تستغل تركيا هذا الاتفاق؛ لمنع قيام كيان كردي في شمالي سورية، ولمنع “حزب الاتحاد الديمقراطي” من الوصول إلى ما يصبوا إليه.

مبدئيًا نجحت تركيا في اقناع روسيا بمنع فتح ممثلية لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي” في موسكو، ولكن الحكومة التركية لن تتوقف عند هذا الحد.

“حزب الاتحاد الديمقراطي” ليس طرفًا في اتفاقية وقف إطلاق النار في سورية، وتقولها الدولة التركية صراحة: إنها بعد أن تنتهي من مدينة الباب، سوف تتوجه إلى مدينة منبج، حيث توجد “وحدات الحماية الشعبية” الجناح العسكري لـ “حزب الاتحاد الديمقراطي”.

إذا توجه الجيش التركي والكتائب المساندة له، إلى مدينة منبج وما بعد منبج، فمن الذي سوف يتدخل لمساندة “وحدات حماية الشعب”، فروسيا لن تتدخل؛ لأن ما يهمها قبل كل شيء هو نجاح الاتفاق مع تركيا، أما الإدارة الأميركية السابقة فقد سلّمت الملف السوري إلى روسيا، وحتى مع مجيء الإدارة الأميركية الجديدة، فلا أحد يعلم كيف ستتصرف تجاه سورية، وعلينا ألا ننسى أن الرئيس التركي رجب طيب أروغان، يتمتع بعلاقات جيدة مع دونالد ترامب، فمن ذا الذي سيحمي ظهورهم إذا وقعت الواقعة.

من المشكلات الحقيقية التي قد يقع فيها “حزب الاتحاد الديمقراطي” أن كل ما حققه من سيطرة ونفوذ قد يذهب أدراج الرياح، ويمكن الاستشهاد بما قاله مسعود البرزاني على قناة “سكاي نيوز”- عربية العام الماضي: “إن الأكراد في سورية ليس لديهم أي اتفاق سياسي، لا مع النظام ولا مع المعارضة، فلا النظام يعترف بهم ولا المعارضة تعترف بهم”، وأضاف: “إن الواقع العسكري الذي فرضه (حزب الاتحاد الديمقراطي) على الأرض هو واقع موقت”.

كما يمكن التذكير بما قام به صدام حسين عام 1970، عندما توجه الى إقليم كردستان في شمالي العراق لمقابلة مصطفى البرزاني، ووقع الطرفان اتفاقية حصل بموجبها الأكراد على الحكم الذاتي، لكن صدام حسين بعد سنوات انقلب على الاتفاق ونكث بوعوده.

العبرة هنا أن أنظمة، مثل نظام صدام حسين ونظام الأسد، قد تستغل أي فرصة لتنقلب على ما أبرمته من اتفاقات، فكيف إن لم يكن هناك اتفاق من أصله.

إذا كان “حزب الاتحاد الديمقراطي” يعتقد أن الولايات المتحدة ستمدّ له يد العون إلى مالا نهاية، فهو واهم، فالاتفاقية الروسية – التركية تُشير إلى تغيّر كبير في مسار الحرب في سورية، فهل ستغامر الولايات المتحدة بعلاقاتها مع روسيا وتركية لحماية “حزب الاتحاد الديمقراطي”؟

على هذا الحزب أن ينتبه إلى أنه للسياسة الأميركية دروب ماكرة. وأن تجارب الأكراد معها مريرة ومؤلمة، فقد تخلّت عنهم في أصعب الأحوال، فعلى سبيل المثال، يصف الكاتب الأميركي جوناثان راندل، في كتابه “أمة في شقاق”، تصرف الولايات المتحدة بقيادة ريتشارد نيكسون بـ “خيانة الأكراد”؛ بسبب اتفاقية الجزائر عام 1975 التي تمت بالتنسيق بين الولايات المتحدة وإيران والحكومة العراقية.

ويكمل راندل ليقول: إن جلال الطالباني أقسم أنه زوّد ثلاثة من مسؤولي وزارة الخارجية الأميركية في أثناء زيارته لواشنطن في حزيران/ يونيو عام 1988 بمعلومات مُفصّلة ووافية عن استخدام الغازات السامة ضد الأكراد، تكفي لحث أي حكومة أخرى غير الإدارة الأميركية المفتقرة الى الأخلاق، على فضح ممارسات بغداد وإدانة تجاوزاتها.

حتى في عام 1991، عندما انتفض الأكراد ضد نظام صدام حسين، حرّك الاخير قوات النخبة من الحرس الجمهوري والفرق الأمنية، وشن هجومًا واسعًا على شمال العراق ليسحق الانتفاضة الكردية، ولم تتدخل الإدارة الأميركية، وكانت النتيجة فرار مئات الآلاف من الأكراد إلى إيران وتركيا.

الرهان على الولايات المتحدة من “حزب الاتحاد الديمقراطي” رهان خاسر، وبعد ما جرى ويجري في سورية من تحولات واتفاقات جديدة، يجب عليه مراجعة سياساته، وتعديلها، وإلا فإنه سيكون الخاسر الأكبر على الساحة السورية.

على هذا الحزب أن يتصرف بحكمة؛ ليقود السفينة إلى بر الأمان، لأن السفينة إذا غرقت سيغرق جميع من هم على متنها بما فيهم قبطانها، وحتى قبل أن يقع ذلك، بدأ كثير من ركاب هذه السفينة يقفزون منها لينجوا بأنفسهم، فمنهم من قفز إلى دول الجوار، ومنهم من قفز إلى أماكن أبعد في دول الاتحاد الأوروبي، ومنهم من غرق في البحر، وقد يأتي يوم نرى فيه القبطان نفسه يقفز منها بفضيحة.

التعامل بعقلية جديدة تختلف عن سابقتها، هو أهم ما يمكن أن يقوم به هذا الحزب، وعليه إلغاء قانون التجنيد الإجباري الذي لم يجلب سوى الويلات، وإطلاق سراح من هم في السجون، وقبول مشاركة الأحزاب في العملية السياسية، فإما أن يسجل هدفًا، أو أنه سيتلقى أهدافًا كثيرة.




المصدر