يونايتد برس انترناشونال: “الاستسلام أو التضور جوعًا: تواجه البلدات السورية التي يسيطر عليها الثوار خيارًا قاسيًا”


مروان زكريا

جندي سوري ينظر إلى معبر الراموسة، حيث يجب أن يغادر المقاتلون من الثوار الأحياء الشرقية من حلب، سورية، في كانون الأول/ ديسمبر 2016. صورة لـوكالة برس فوتو الأوروبية.

بيروت، لبنان:

مثّل تكتيك “استسلموا، أو تضوروا جوعًا”، الذي مارسه النظام السوري لاستعادة المناطق التي سيطرت عليها مجموعات المعارضة المسلحة، العلامة المميزة لسياسته. كان خيارًا قاسيًا على المدافعين عن تلك المناطق، في المدن والأحياء التي سيطروا عليها في أرجاء غربي سورية، خيارًا آتى أكله لمصلحة الرئيس بشار الأسد وحلفائه متعددي الجنسيات.

أحكمت قوات النظام قبضتها على نقاط الدخول والخروج من وإلى المناطق المستهدفة، ووقع السكان تحت حمم القصف الجوي والمدفعي الكثيفين. ومع النقص الحاد في الغذاء، والدواء، والماء، ومصادر الطاقة، تكثف الضغط على المدنيين والمقاتلين، على حد سواء، للاستسلام. ووصل ذلك التكتيك المتعنت ذروته في الأشهر الستة الأخيرة، التي شهدت حصارًا مطبقًا وقصفًا وحشيًا على شرقي حلب، والذي كان يقطنه أكثر من 200 ألف شخص فيها.

ودعا النظام إلى صفقات –يسميها أتباعه “اتفاقيات التسوية” في محاولة لتغطية سياسة يعدّها كثيرون جريمة حرب- وكانت مبتذلة بدلًا من كونها محط احترام عام. وقال مركز التسوية بين طرفي النزاع في الجمهورية العربية السورية، التابع لوزارة الدفاع الروسية، في أواسط كانون الأول/ ديسمبر، إن عدد “اتفاقيات التسوية” التي تأمنت في أرجاء سورية، بلغت 1057 اتفاقية، إلى جانب 94 اتفاقية لوقف إطلاق النار.

وبينما اتجهت أنظار العالم إلى حلب، التي كانت باحة سورية الاقتصادية، وهي تتحول إلى ركام؛ سعى الأسد لتطبيق السياسة نفسها، في مكان آخر، في محيط العاصمة دمشق.

وفي تشرين الأول/ أكتوبر، شنّت قوات الأسد هجومًا ضد خان الشيح، وهي مدينة تحت سيطرة الثوار في غربي غوطة دمشق، تقع على طريق رئيسة تصل دمشق بدرعا في الجنوب. وفي نهاية الشهر، تم حصار المدينة، وإمطارها بعشرات البراميل المتفجرة، والصواريخ. وفي 19 تشرين الثاني/ نوفمبر، تم التوصل إلى اتفاقية تفضي إلى السماح للسكان بالرحيل إلى محافظة إدلب في الشمال، وهي من المناطق التي يسيطر عليها الثوار بقوة. وكذلك، أمكن للثوار المقاتلين الرحيل بعد تسليم أسلحتهم الثقيلة.

غادر نحو 3000 شخص، نصفهم من المسلحين، مدينة خان الشيح في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر. وأبرم الثوار في أربع قرى مجاورة صفقات مع النظام، كذلك، ورحلوا إلى إدلب، تاركين المنطقة لقبضة الأسد المطبقة لأول مرة، منذ بداية الثورة ضد حكمه في آذار/ مارس 2011.

وفي أواسط تشرين الثاني/ نوفمبر، وقبل إبرام الاتفاقية في شرقي حلب، تحرك عشرات من مقاتلي ميليشيا حزب الله اللبناني من منطقة صرفند جنوبي لبنان، متجهين إلى سورية لشن هجوم، بهدف كسر حصار الثوار على كفريا والفوعة، وهما قريتان يسكنهما الشيعة في إدلب، بحسب مصادر مقربة من الحزب.

وقد تم الاتفاق، الآن، على وقف لإطلاق النار شمل كفريا والفوعة، مقابل هدنة مماثلة في الزبداني ومضايا، وهما بلدتان تؤويان الثوار، وتقعان بالقرب من الحدود اللبنانية، وتحت حصار حزب الله. ولو نجح الهجوم لفك الحصار عن كفريا والفوعة، لصب حزب الله نار جحيمه على بلدتي الزبداني ومضايا، بحسب المصادر نفسها.

وتقع بلدة الزبداني في القرب من قرى يقطنها سكان من الطائفة الشيعية، وقرب مواقع حساسة يسيطر عليها حزب الله في الجانب اللبناني من الحدود، ما يجعل عودتها إلى حكم النظام السوري أمرًا في غاية الأهمية لحركة حزب الله، المدعومة إيرانيًا. ولكن، قُوّض الهجوم المخطط له بسبب الأحداث في حلب، وبعد عقد صفقة رعتها كل من روسيا وتركيا، للسماح للسكان في القسم الشرقي من المدينة بالمغادرة إلى إدلب. واعترضت إيران، مع حزب الله، على ذلك، مطالبين بأن تشمل الاتفاقية كلًا من الزبداني، ومضايا، وكفريا، والفوعة.

وليس من الواضح ما إذا كان توسيع الاتفاقية ذاك سيطبّق بالفعل أم لا، لكن سياسة “الاستسلام، أو التضوّر جوعًا” وتبعاتها تطرح السؤال عمّا يمكن أن يحدث لتلك البلدات، والقرى، والأحياء في المستقبل. هل سيسمح لأهلها بالعودة إذا انتهت الحرب؟ قد يكون ما حصل في القصير، وهي بلدة ذات أغلبية سنية تقع في محافظة حمص قرب الحدود اللبنانية، مؤشرًا إلى ما سيحدث. في حزيران/ يونيو 2013، حاصر حزب الله المدينة، وغادر السُّنّة والمقاتلون الثوار المكان.

والآن، تشكلُ القصير قاعدة عسكرية مهمة لحزب الله، ومحطة لإعادة الانتشار إلى مناطق أعمق في سورية. ويستخدم المجندون الأطلال للتدرب على حرب الشوارع. وقد قطن عددًا من القرى التي تقع غربي البلدة سكانٌ من الشيعة اللبنانيين لعقود من الزمن. وأصبحت القصير والقرى المجاورة لها، بجميع المعاني والأهداف، امتدادًا لوادي البقاع شمالي لبنان، معقل حزب الله الرئيس.

وإذا بقيت الأوضاع على ما هي عليه، فمن المشكوك فيه أن يعود المقيمون من السنة إلى القصير أبدًا. ويمكن حدوث المثل في الزبداني ومضايا إذا تم التوصل إلى اتفاق يسمح بالهجرة عبر الطريق المطروقة جيدًا الآن والمؤدّية إلى إدلب، والتي تصبح في تسارع كبير ملجأ السنّة من أرجاء سورية كلها. وقد لحق ذلك التغيير في السكان ببعض أحياء دمشق والمناطق المجاورة لها كذلك، مثل داريا، حيث غادر 10 آلاف شخص في آب/ أغسطس، ومعضمية الشام، وقد استسلمت كل منهما بعد حصار دام أربع سنوات.

وقد اتهمت المعارضة السورية النظام، لوقت طويل، بالسعي لإنقاص الحضور السني في غربي سورية، بهدف تعزيز قبضة الأسد على الممرات التي تصل دمشق باللاذقية في الساحل الشمالي. بينما قال حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، في 23 كانون الأول/ ديسمبر، إن نظام الأسد لا يسعى إلى إحداث “تغيير ديمغرافي” في سورية. قال: “كانت المجموعات المسلحة هي السبب في تلك التغييرات الديمغرافية التي حدثت” مضيفًا إن الناس الذين خرجوا من حلب وداريا سيعودون في النهاية إلى ديارهم.

ويبقى سؤال ما إذا كان سيسمح لهؤلاء السنة المهجّرين بالعودة إلى ديارهم مبهم الإجابة، وكذلك سؤال ما إذا كانوا يرغبون أصلًا في العودة، في حال بقي الأسد في السلطة.

اسم المقالة الأصليSurrender or starve: Rebel-held Syrian towns face brutal choice
الكاتبNicholas Blanfordنيكولاس بلانفورد
مكان النشر وتاريخهUPI, 09-01-2017
رابط المقالةhttp://www.upi.com/Top_News/Opinion/2017/01/09/Surrender-or-starve-Rebel-held-Syrian-towns-face-brutal-choice/1011483975945/
ترجمةمروان زكريا




المصدر