“التطبيع” باسم الثورة… محاولات لتشويه صورة النضال


نزار السهلي

لم يفهم كثير من المتسلقين والانتهازيين الشعارات التي رفعها السوريون، منذ اليوم الأول للثورة، وطالبوا فيها بالحرية والكرامة والديمقراطية، والأهم أنها طالبت أيضًا بالتحرر من الشعارات التي سُحق بها المجتمع السوري، وهُشّم بها وجهه السياسي طوال خمسة عقود، وفيها أيضًا كثير من محاولات تطبيع العقل السوري مع سلوك القمع المُمارس عليه، رسائل التطبيع التي بدأت من النظام بتوجيه رسائل إلى الاحتلال الإسرائيلي من خلال حديث رامي مخلوف لصحيفة “وول ستريت جورنال” بأن “أمن إسرائيل من أمن النظام”، وتواصل مع استغلال هذا النظام لواقعة وصول جرحى الغارات الأسدية إلى مستشفيات الاحتلال، وظهور بعض الشخصيات التي حسبت نفسها على المعارضة السورية على قنوات ومنابر صهيونية، لتتحدث عن الثورة السورية.

ما حدث في الجامعة العربية في القدس، وتصدي الطلبة له صارخين: “الشعب السوري بدو حرية مش عملاء”، والشخصيات التي تحسب نفسها على المعارضة السورية، تكشف عن الدور المتكامل من التطبيع الذي حاول النظام ممارسته منذ البداية، لتسويق فكرة عمالة “المعارضة”، وارتباطها بأجندة الاحتلال، والنماذج التي شاركت شخصيًا بدعوة من معهد “ترومان” الإسرائيلي للسلام هي: سيروان قجو، وهو كاتب وصحافي كردي، نشأ في مدينة القامشلي شمال سورية، ويقيم في الولايات المتّحدة الأميركيّة، وعصام زيتون، وهو سوري ظهر فجأة على الساحة، يقول أنّه نشأ في بلدة بيت جن جنوب سورية، ويقيم في ألمانيا منذ عام 1990، تحدّث أيضًا عبر سكايب: فهد المصري، الأمين العام لما يُسمّى “جبهة الإنقاذ الوطني في سورية”، وهو مقيم في فرنسا، وأنور ناسو، ناشط كردي، من شمال سورية.

الأسماء لا وزن ولا فاعلية وعمل لها، سوى تشويه صورة نضال السوريين ضد طاغيتهم.

هذه المحاولات طبيعية في سياق الثورات. التخريب والتشويه والطعن، يستفيد منها أولاً المحتل عدو الثورة، ومن ثم الطاغية، المكاسب المشتركة يحصدها الاثنان معًا. وبالقدر ذاته من التبرير المستخدم لعبارة الارتماء في حضن العدو، أريدَ لهذه المحاولات التطبيعية الظهور أمام المحتل كمن يطلب صك الغفران المُسالم والمُحب للجار القريب، وما المختلف عن سلوك النظام أيضًا الذي ظهر على مدار أربعة عقود بالهيئة نفسها المُسالمة المُحبة للجار بالحفاظ على أمنه.

بؤس الخيار المُشوّه لثورة السوريين، لا تتحمله الثورة السورية عندما صدحت حناجرها حرية، “حرية للأبد رغم أنف الأسد”، ولا تحمل وزرها أرواح ضحاياها ولا مُهجّريها ومُعذّبيها، الأساس فيها الحرية والكرامة والديمقراطية، مفردات ليست للتغني كما خبرتها كل الشعوب الثائرة في منطقتنا، غير أن للسوريين فيها خبرة متجذرة بأن فقدان تلك المفردات لا تستطيع إسناد الذات للتخلص من الطاغية بوصفه مقدمة وشرط أساسي لمقاومة المحتل في كل الأوقات.

يبقى الكشف عن الأسماء وتوقيت مشاركتها قبل انطلاق مفاوضات آستانا، هو السعي لحضور التشويه المبرمج على الرغم من قلة وفاعلية من حضر، إلا في الحضور بين جعبتي النظام والاحتلال للاستخدام المزدوج ذاته، ولا يمكن تفسير محاولة التطبيع هذه وتلك، إلا بتبعية الأجندة المشتركة لكلا الطرفين، ولا علاقة للشعب السوري وثورته بها، والدلائل على ذلك كثيرة، ولسنا هنا للدفاع عن الثورة السورية، أو تقديم ما يُثبت نصاعتها وطهرانيتها، بل لنقول إن الانتهازيين والمتملقين والخونة كثر، في الثورات وخارجها، ليبقى المثل والنموذج عند الفلسطينيين طافح وقاتل في كثير من مفاصل النضال الفلسطيني، وعليه نقول إن من حضر في الجامعة العبرية لا يُمثّل السوريين وثورتهم، كما حاول الكثير امتطاء صهوة النضال الفلسطيني عبر قنوات مماثلة، وكما يجري في مصر والبحرين والمغرب وتونس وليبيا، إضافة إلى فزاعة “برنار ليفي” الذي وصفته أنظمة الطغيان يـ “الأب الروحي لما يُسمى الربيع العربي”، لذا؛ ستبقى أسماء مثل كمال اللبواني وفهد المصري أو زيتون أو غيرهم، تتصدر مشهد المزايدة “الوطنية في إعلام الطاغية” وحلفه، وفي إعلام العدو المستفيد، كما ذكرنا، بالقدر نفسه، وستبقى أيضًا في الدرك الأسفل لصفحة الشعب السوري الثائر.

أخيرًا، يبقى على عاتق القوى الوطنية السورية والمعارضة بجميع طيفها، مهمّة تعرية هذا التزييف والتشويه الذي يطالها، والمطلوب إصدار بيانات الشجب والإدانة لخطوات من هذا القبيل؛ لإسقاط ذرائع النظام “بأحقيته” في قتال وتصفية “العملاء” من الشعب السوري كما يدّعي، وإسقاط ذريعة المحتل كراعي مهم لـ”المعارضة”، وفضح العلاقة الظالمة بين المضطَهِد والمضطَهَد، نجح بها الشعب السوري الثائر الذي أنتج عدوانيته التلقائية ضد الطاغية والمحتل، وشرط حريته وكرامته أساس المواجهة رغم أنف المُطبّعين باسم الثورة والمستأسدين باسم الفاشية.




المصدر