"مفخرة الأسد بحلب" كتبها بمحو تاريخ المدينة.. لماذا علينا تشبيهها بـ"غروزني" وليس "ستالينغراد"؟


رغداء زيدان ـ خاص السورية نت

نقل "علي حيدر" وزير ما يسمى بـ"المصالحة" في حكومة النظام قول أحد النواب الروس الذي كان برفقته في زيارة لمدينة حلب بعد انتهاء المعارك فيها قائلاً: "وقف النائب وتوجه لي بالقول: لم تعد ستالينغراد تمثل شيئاً لي في الذاكرة بعد رؤية هذا المشهد".

و"ستالينغراد" (فولغوغراد اليوم) مدينة روسية شهدت إحدى أهم المعارك الكبرى والفاصلة في الحرب العالمية الثانية، بين الألمان والروس، في الفترة بين 21 أغسطس/آب 1942 و2 فبراير/شباط 1943. ويعدها الروس مفخرة تاريخية لهم لأنهم انتصروا فيها على الألمان، رغم الدمار الكبير في المدينة والعدد الهائل من الضحايا الذي سقط خلالها.

بعض الوسائل الإعلامية الموالية للنظام راحت تشبه سيطرة النظام وحليفه الروسي على مدينة حلب شمال سوريا بالنصر التاريخي الروسي في "ستالينغراد". ويبدو أنهم استلهموا ذلك من وصف المحلل الاستراتيجي الروسي "فلاديمير لبيخين" الذي وصف معارك حلب بأنها مماثلة لمعركة "ستالينغراد".

واللافت أن هذا التشبيه انتقل إلى وسائل إعلام معارضة، دون تمحيص لمعناه وما يشير إليه من مبررات للنظام وحليفه الروسي فيما أحدثوه بحلب من دمار هائل يعجز عنه الوصف.

حلب أخت "غروزني"

لم ينسَ التاريخ مدينة "غروزني" الشيشانية، التي وصفتها الأمم المتحدة عام 2007 بأنها "المدينة الأكثر دماراً على وجه الأرض" حيث لحق الدمار بأكثر من 95 بالمئة من المدينة.

"غروزني" التي حاصرها الجيش الروسي ودمرها في معركة استمرت من 25 ديسمبر/ كانون الأول 1999 إلى 6 فبراير/ شباط 2000، هاجمها الروس لأنها طالبت بالحرية والتخلص من ربقة الاستبداد الروسي، تماماً كما طالبت حلب بالحرية والتخلص من استبداد نظام الأسد.

الكاتب "فيكين شيتريان" وفي مقال نشر في صحيفة "الحياة" في أكتوبر/تشرين الأول 2015، بعنوان "الخيار الروسي في سوريا شيشاني وليس أفغانياً" حدد أساليب "فلاديمير بوتين" التي استخدمها في "غروزني" وأعاد تنفيذها بحلب، وذلك باستخدام "القوة الماحقة" عبر إرسال عدد كبير من الجنود، واستخدام المدفعية الثقيلة والدبابات والصواريخ والطائرات وسط صمت قاتل للعالم، كما حصل في حلب، التي زادت المأساة فيها على مأساة "غروزني" بعد تهجير عشرات الآلاف في أهلها قسرياً عن بيوتهم، وإخلاء المدينة منهم في عملية مقايضة لا تفعلها إلا العصابات الإجرامية.

دمار التاريخ

الآلة الحربية التي استخدمها النظام وروسيا في حلب أتت على كل شيء، والمدينة التي كانت مقصد السياح، ومهد التاريخ أصبحت ركاماً تعشش في زواياها أشباح وأطياف أهلها الذين دفنوا تحت ركامها.

أتى الدمار على آثار تعود إلى سبعة آلاف عام، على رأسها المسجد الأموي الذي دُمرت مئذنته المشيّدة في القرن الحادي عشر للميلاد 1090م، وذلك في إبريل/ نيسان 2013، وتعرضت مكتبته التاريخية للحرق نتيجة للمعارك الدائرة في محيطه.

ودخلت قوات النظام المسجد في 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي للمرة الأولى منذ عام 2013. حيث كانت ساحة المسجد عبارة عن أكوام من الركام رفع النظام علمه فوقه.

أما مقام النبي زكريا داخل المسجد الأموي فوُضعت حوله ألواحٌ إسمنتية كتب عليها "تم بناء هذا الجدار لحماية المحراب والمقام"، مذيلاً بتوقيع "مجلس محافظة حلب الحرة - شعبة الآثار في 8 سبتمبر/أيلول 2013".

وفيما يخص الأحياء الأثرية والساحات كساحة الحطب فاختفت معالمها وهُدّمت الفنادق التراثية المحيطة بها. وكذلك هُدّمت الأسواق التجارية الأثرية التي تعود إلى نحو أربعة آلاف عام، وتضم أكثر من أربعة آلاف محل و40 خاناً.

وسوق حلب القديم المسمى "بازار حلب" كان يضم العديد من الأسواق التاريخية، وشيدت معظم أجزاء السوق في القرن الرابع عشر وسميت حسب أسماء الحرف والمهن المزاولة فيها. أما اليوم فقد تحول السوق الكبير إلى كومة ضخمة من الخراب والدمار والأنقاض.

كما طالت الأضرار أيضاً قلعة حلب التي تعرضت بوابتها الخارجية لأضرار نتيجة قصفها إثر اشتباكات في أغسطس/آب 2012. وبدت آثار الحرائق واضحة عند مدخلها، واقتلع جانب من بابها الخشبي الضخم.

ولم تنج المنطقة المحيطة بقلعة حلب الأثرية من الأضرار، فمحي جامع السلطانية والسراي الحكومي. وتهدم فندق "الكارلتون" الأثري المشيّد في القرن التاسع عشر كلياً في مايو/أيار 2014 بعد تفجير نفق في أسفله.

يشار إلى أن الأمم المتحدة، نشرت في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وذلك قبل الحملة الأخيرة التي شنها النظام وحليفته روسيا عليها والتي تم من خلالها السيطرة على المدينة، صوراً فضائية للدمار الذي لحق بمدينة حلب نتيجة الاشتباكات والغارات الجوية، التي تعرضت لها المدينة ما بين 18 سبتمبر/أيلول الماضي و1 أكتوبر/تشرين الأول. 

وأظهرت الصور، حينها، حجم الدمار والخسائر خلال تلك الفترة، بعد انتهاء وقف إطلاق للنار توصلت إليه الولايات المتحدة وروسيا، وكان يشمل مساحات واسعة من المدينة.

أما بعد حملة النظام على المدينة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي فقد أتت على ما لم يُدمر في المدينة قبلاً، حيث أذهل هذا الدمار كل من زار المدينة من مسؤولين دوليين ومنهم القائم بأعمال المنسق الأممي المقيم للشؤون الإنسانية في سوريا، "سجاد مليك" الذي صرح في 5 يناير/ كانون الثاني الحالي قائلاً: "حجم الدمار في حلب يفوق الخيال".

دمار التاريخ، وتهجير السكان، جريمة بحق الإنسانية ارتكبها النظام وميليشياته وحلفاؤه الروس أمام سمع العالم وبصره، خلّدها أهالي حلب بكتاباتهم التي خطوها على الجدران المهدّمة، وصورهم التي التقطوها قبل المغادرة، مؤكدين عزمهم على العودة ودحر نظام الأسد وبناء المدينة مهما طال الزمان.




المصدر