بيادق على رقعة شطرنج النظام


حسين شاكر

خدع النظام الأسدي السوريين، لم ينخدعوا به تمامًا، لكنهم خُدّروا، ووقعوا في كل شَرَك نصبه لهم، وملأ رؤوسهم بما شاء، وأشبعهم إشاعات، ومهّد لمثل هذه الأيام التي يعيشونها، وكان يضرب بعضهم ببعض، وينقادون وراءه، واستخدم لذلك القوة حينًا والخديعة أحيانًا، وعمل كما تعمل أي قوة احتلال، إذ فرّق السوريين فسادًا، ولم يزل مستمرًا في ذلك حتى اليوم.

لن نتطرق إلى كلام إنشائي، وإنما سنتحدث عن منطقة الجزيرة السورية، التي يوجد فيها نسبة من الأكراد، لقد حاول نظام حافظ الأسد في وقت سابق أن يُشيّع الأكراد السوريين عن طريق “جمعية المرتضى”، فلم يفلح في ذلك، فحاول أن يجعلهم منتمين للأحزاب الماركسية والشيوعية فأفلح في ذلك، ولكن لم تستطع جمعية المرتضى ولا الحركات اليسارية أن تجعلهم منساقين ورائها، لأنه كان ينقصهم الرضا والعوز القومي الكردي، فكان العمال الكردستاني، حيث نجح نظام الأسد في استقطاب الأكراد إليه عبره.

حوّل النظام بعض عرب الجزيرة إلى بعثيين بلمح البصر، فالبعث هو الحزب الحاكم، وعن طريقه يمكن الحصول على المال والجاه، فوُجد من الطرفين: العرب والأكراد من امتهن كتابة تقارير، ومنحت هؤلاء كتابة التقارير والجاسوسية على المواطنين نوعًا من الاستقلالية والقوة، فقد كان العربي يُخَبّر ويكتب تقارير عن العربي، والكردي يُخَبّر ويكتب التقارير عن الكردي.

على المستوى الشخصي، كانت لي تجربة في ذلك، فبعد انتفاضة القامشلي عام 2004، جمعت تبرعات من بعض المعارف لمنحها لعائلة كان النظام قد ألقى القبض على أحد أبنائها، فقام الأمن الأسدي بإجراء التحقيقات معي وتخويفي على المستوى النفسي، ثم تبيّن لي أن من أخبر عني هم تلك العائلة نفسها، وأحد أصدقائي الأكراد ممن تبرع أيضًا لتلك العائلة.

ولو نظرنا اليوم إلى خارطة الأحداث في سورية سنرى أن النظام كان قد أعد العدّة لكل ما يحدث اليوم، فقد أراد للشعب السوري أن يثور قبل ميقات الثورة، والمقصود هنا العوامل الخارجية، وجرّ الناس إلى الثورة جرًا، بدءًا بقلع أصابع الفتيان في درعا، والكلام البذيء غير الأخلاقي من مسؤولي النظام في درعا، وانتهاء بخلق الجماعات التكفيرية التي  كان قد أعدها وأعد البيئة الملائمة لها، ويعرف أبناء الرقة جيدًا كيف شجع النظام الحركات السلفية في الرقة، وكذلك يعلم جيدًا أبناء محافظة دير الزور تشجيع النظام للحركات السلفية فيها، وكان بعض السوريين يعتقد أن ما يحدث من وجود للسلفيين مسألة طبيعية، لأن الغالبية السكانية من معتنقي مذهب أهل والسنة والجماعة.

ولكن ظهر فيما بعد أن النظام كان يُمهّد لليوم الذي سيثور فيه الناس، وسيجعل من الحركات التكفيرية عبئًا على الشعب الثائر، وسيقاتل “داعش” الثوار في الرقة ودير الزور نيابة عن النظام، وسيقمع “حزب الاتحاد الديمقراطي” الأكراد نيابة عن النظام، ليقول السوريون: فليرجع النظام وليلعنوا الثورة.

لا ينسى السوريون كيف كان النظام يُرسل “التكفيريين” إلى العراق عن طريق الحدود السورية العراقية من جنوب الحسكة، وسيسخر سكان جنوب الحسكة حتمًا من هذا الكلام، فقد ألِفوا تمرير النظام “إرهابيين” إلى العراق حتى أصبح أمرًا معتادًا، ثم تعاون النظام مع الأميركيين في محاربة الإرهاب، فوضع أولئك الذين أرسلهم للعراق في سجونه ليطلق سراحهم عند الحاجة.

يطول الكلام عن خلق النظام للجماعات الإيديولوجية والمتطرفة، وكذلك سيطول عن وقوع الشعب السوري في كل الشراك التي نصبها النظام لهم، لكن لو بقيت العوامل الدولية والمحلية على ما هي عليه الآن، فإن لعبة النظام ستنجح، والدليل بداية عودة عملاء النظام إلى حضنه بعد أداء المهمة.

يجب على الشعب السوري أن يعرف هذا النظام العدو جيدًا قبل محاولة إسقاطه، وهذه المعرفة مطلوبة جدًا، فلا يمكن لثورة أن تنجح ما لم تكن تحت قيادة متنورين فكريًا وسياسيًا، ولن تنجح أيضًا ما لم تكن نتاجًا محليًا.

كثيرًا ما نجد أشخاصًا يقتلون ويُقتلون، وهم لا يعلمون أنهم مجرد بيادق على رقعة شطرنج الآخرين، وعليه لا ينبغي للسوريين والعالم العربي والإسلامي استيراد ثقافات الآخرين ونهجهم، فيصبحوا كطفل يلبس “جبّة” أبيه، عليهم أن يُنتجوا ما يحتاجونه بالفعل على المستوى المعرفي والثقافي، وعندئذ يمكن القول للطغاة: ارحلوا إلى غير رجعة.




المصدر