القبضات اللاسلكية في إدلب منافع الحرب والسلم


سونيا العلي

تنتشر الأجهزة اللاسلكية، التي تسمى محليًا بـ “القبضات” بكثرة بين الناس، وخاصة في محافظة إدلب التي تتعرض لقصف متواصل ومنهجي من مقاتلات النظام السوري وحلفائه.

خرجت القبضات اللاسلكية من إطار استخدامها الأساسي في المجال العسكري، بدافع الحاجة الماسة لها، لتتحول إلى أداة رصد وإشارة ووسيلة اتصال مدنية، فهي المنقذ الوحيد لرصد حركة الطائرات منذ لحظة انطلاقها من المطارات، وتنفيذ أهدافها حتى لحظة عودتها، حيث تنتشر في مناطق المعارضة عشرات المراصد، وكلها تتصل مع بعضها وتتشارك المعلومات لنقلها بالسرعة القصوى للمواطنين الذين يستمعون إليها بدقة، ويتحركون وفقًا لها، ما يسهم في اتخاذ تدابير السلامة وخفض عدد الضحايا، من خلال تنبيه الناس إلى الخطر المحدق بتعميم النداءات التي تصدح من خلال القبضات اللاسلكية.

ما إن يسمع المواطن علي بركات، 35 عامًا، عبر قبضته، النداءات التي تطلقها المراصد (الحربي نفذ) حتى يهرع إلى مكان القصف ليساهم في عملية الإنقاذ، وإخراج الجرحى من تحت الأنقاض، كما يستخدم بركات القبضة التي يملكها، لتقديم جزء من الخدمات اليومية من خلال عمله في توزيع أسطوانات الغاز للتواصل مع الزبائن والأهالي، ويؤكد أنها وسيلة اتصال تنقل شكاوى السكان إلى الجهات المعنية، وخاصة الخدمية منها، ويجزم بأن القبضات اللاسلكية المرتبطة بالمراصد باتت جزءًا مهمًا وأساسًا في حياة الناس، في ظل انقطاع الاتصالات الهاتفية في المحافظة.

ذكر أبو بحر، المسؤول عن أحد المراصد في ريف إدلب الجنوبي، في حديث لـ (جيرون) أن “القبضات بشكلها المبسط، ظهرت في إدلب منذ سنوات، وبعد أن أثبتت فاعليتـها جرى التوجه لجلب المحطات المتطورة، المزودة ببيانات حديثة، لكي تغطي مساحة أوسع، ويحتاج المرصد إلى شخص خبير وجهاز خاص بالتنصت وجهاز إرسال واستقبال، حيث يجري استقبال المعلومات من المراصد، وإعادة بثها عبر ترددات معينة إلى مراصد أخرى، ثم يجري التعميم ليصل إلى القبضات المنتشرة بين الناس، والقبضات الخاصة بالدفاع المدني والمستشفيات”.

يبدأ عمل أبو بحر، منذ “إقلاع الطائرات من مطارات النظام العسكرية، فأنبّه الناس لأخذ الحيطة والحذر وفضّ التجمعات والدخول إلى الملاجئ، ثم تنتقل مهمتي إلى الإسعاف، إذ أعمل في إرشاد فرق الإنقاذ للتوجه إلى مكان القصف للبحث عن مفقودين، وإنقاذ الجرحى، وموافاة الأهالي بكل جديد عن جبهات القتال “.

وفي حالات السلم، يُعلن أبو بحر “وصول المواد الإغاثية وأماكن وجودها، والتعميم عن أشياء مفقودة بهدف ردها إلى أصحابها”.

تعدّ القبضات وسيلة مثلى بين أيادي المقاتلين على جبهات القتال، فمن خلالها يجري التنسيق بين الفصائل، وعبرها يُحضر للمعارك، وتُطلب الذخائر والإسعاف، إضافة إلى أنها تكشف -أحيانًا- عن مساعي النظام العسكرية، والأهداف التي يخطط لقصفها، من خلال التنصت على ترددات الطيارين بعد المتابعة والرصد الطويلين لأي إشارة بينهم.

نبه أبو بحر إلى أن العمل في المراصد يجب أن يكون متواصلًا على مدار الساعة، دون كلل أو ملل، في محاولة للتقليل من الخسائر البشرية، لكن معظم المراصد تفتقر إلى أجهزة تنصت متطورة، بسبب قلة الدعم المادي.

من جهته قال محمود الكامل، أحد عناصر الدفاع المدني في إدلب، لـ (جيرون) إن: “عملنا مرتبط بالمراصد والقبضات ارتباطًا كليًا، نتحرك وفقًا للتحذيرات والنداءات التي تطلقها، فهي المصدر الدال على أماكن القصف ونشوب الحرائق، ومن خلالها نتوجه بموجب النداء إلى مكان القصف لإنقاذ من بقي حيًا وإسعاف الجرحى والمصابين”.

وأضاف أن القبضات “وسيلة لنشر النداءات العاجلة مثل طلب المؤازرة من الفرق الأخرى، وطلب سيارات الإسعاف، وتحديد المشافي القادرة على استقبال الجرحى، كما تستخدمها الكوادر الطبية لتلبية احتياجاتها، مثل طلب التبرع بالدم والزمر اللازمة، وتحديد هوية الضحايا وأعدادهم وأسماءهم”.

تعودت أم عدنان، من خان شيخون، أن تتوجه مع أولادها الخمسة إلى ملجأ بيتهم، عندما تسمع التعميم في القبضات عن وجود إحدى الطائرات في سماء المدينة، وقد أثمر حرصها على الالتزام بما تبثه القبضات، عندما نزل في حيهم برميلًا متفجرًا، واستطاعت بذلك أن تحمي نفسها وأولادها من الشظايا التي تناثرت في الحي برمته.




المصدر