منع انهيار الدولة في سورية


لا يزال الوضع في سوريا “كارثياً” حتى بعد حصار ثم معركة حلب، بحسب الأمم المتحدة والجمعية العامة للأمم المتحدة فقد تم في كانون الأول من عام 2016 تكليف لجنة جديدة مستقلة للتحقيق وملاحقة جرائم حرب محتملة. وفي حين أن المجتمع الدولي قد عبر مراراً عن أسفه للكلفة البشرية الكبيرة والضحايا الذين سقطوا في هذه الحرب إلا أن حلاً سياسياً لا يزال بعيد المنال.  

اشتملت أولويات الولايات المتحدة في هذه الحرب على تنحي الرئيس السوري بشار الأسد وبشكل أهم هزيمة الدولة الإسلامية “داعش” والقاعدة وكل التنظيمات المنتمية لها، كما سعت إدارة الرئيس أوباما إلى وضع “المتطلبات الأساسية” لعملية الانتقال السياسي بما في ذلك الحفاظ على مؤسسات الدولة.
يطرح هذا المنظور سؤالاً حول كيف يمكن لسياسات الولايات المتحدة أن تخلق ظروفاً مؤاتية لانتقال سياسي في سوريا يؤمن من جهة هزيمة الجماعات الإرهابية ويحافظ في نفس الوقت على مؤسسات الدولة السورية خصوصاً في ظل غياب إجماع إقليمي على إنهاء الحرب في سوريا. تشير تقديراتنا إلى أن الطريقة المثلى لتحقيق هذه الأهدف تكون من خلال الشراكة مع روسيا، والعمل من خلال مجلس الأمن الدولي، واتباع سياسات تحقق الاستقرار في المرحلة الانتقالية وتدعم المؤسسات المركزية في الدولة السورية. تفيد الدورس المستخلصة من الصراعات الأخيرة بما فيها التدخل الأمريكي في العراق وأفغانستان أن الأمن والحكم وإعادة الإعمار في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب يتطلب سلطة مركزية في سوريا. إن دولة منهارةً أو ضعيفة ستسهم في مزيد من عدم الاستقرار في سوريا وفي دول الجوار بل وفي دول المنطقة أيضاً. كلما طالت الحرب كلما ارتفع احتمال انهيار الدولة، التقسيم، تزايد الإرهاب، واستمرار تدفق اللاجئين.

إن المنهجية التي يقوم عليها هذا المنظور هي منهجية مؤكدة بمراجعة شاملة من كتاب مؤسسة RAND وغيرها من المنظمات التي تُعنى بمسائل الحروب الأهلية والتدخلات وحركات التمرد وإعادة الإعمار بعد الحرب، مع الإشارة إلى الدروس المستفادة من هذه الحالات مقارنة بسوريا – بالنظر إلى المصادر الأولية والثانوية والعامة حول سوريا بما في ذلك منشورات الأمم المتحدة وتقارير الحكومة الأمريكية وتصريحات المسؤولين والتقارير الصحفية، فضلاً عن العديد من الأبحاث الكلاسيكية والعادية التي تدور حول تاريخ وثقافة وسياسة سوريا – ومناقشاتٍ غير رسمية مع كبار الخبراء والمعنيين بالشأن السوري، وسياسة الولايات المتحدة تجاه منطقة الشرق الأوسط.
ينقسم المنظور إلى قسمين. الأول يُقيّم التهديد في سوريا وكيف نتصرف تجاهه، بما في ذلك قراءة مزايا الشراكة مع روسيا، والعمل من خلال مجلس الأمن الدولي، خاصة في ظل غياب إجماع إقليمي على إنهاء الحرب. من شأن هذه الشراكة أن تعطي لمجلس الأمن الدولي تفويضاً من أجل تحقيق انتقال سياسي، كما أنها تسمح بتعزيز التعاون الأمني ضد الجماعات الإرهابية. أما القسم الثاني فيؤكد على أهمية الحفاظ على الدولة المركزية في الحكم الانتقالي وإعادة الإعمار والأمن في سوريا بعد الحرب ويجب أن يُنظر له كبديل للتوصيات السياسية التي تتبنى اللامركزية أو التقسيم أو التركيز غير المناسب على الحكم المحلي. تقدم الخاتمة خمس توصيات عن سياسات الولايات المتحدة في سوريا.

التهديدات السورية
إن التهديد الأكثر إلحاحاً لمصالح الولايات المتحدة في سوريا يتمثل بالتوسع المستمر للجماعات الإرهابية التي تعمل بحرية في سوريا وتستهدف بشكل مباشر أو تلهم جماعات أخرى باستهداف الولايات المتحدة وحلفائها. كنتيجة للحرب في كل من سوريا والعراق وسعت القاعدة شبكتها الإرهابية الدولية وكذلك فعلت الدولة الإسلامية “داعش” على الرغم من أنها أي الدولة الإسلامية “داعش” تحديداً قد بدأت تفقد منذ العام 2015 كثيراً من المناطق الخاضعة لها كما أن تدفق المقاتلين الأجانب بدأ بالانخفاض أيضاً. وسعت الدولة الإسلامية “داعش” عملياتها في كل من أفغانستان وليبيا وتونس وتركيا في العام 2015 كما ادعى مؤيدوها مسؤوليتهم عن الهجمات في بنغلاديش، بلجيكا، فرنسا، إندونيسيا، تركيا، الولايات المتحدة واليمن في العام 2016.
في العام 2016 أيضاً أصبح للمتطرفين السنة “مجموعات وأفراد وملاذات آمنة أكثر من أي وقت مضى” وأصبحت الدولة الإسلامية “التهديد الإرهابي الأبرز بسبب وصفها لنفسها بأنها دولة الخلافة في سوريا والعراق، وأنشأت لها فروعاً أساسية وفروعاً ناشئة في دول أخرى، وتزايدت قدراتها على شن هجمات أو الإيعاز بها على مجموعة أهداف واسعة حوال العالم”. وحتى الآن لم تستطع جهود الولايات المتحدة أن “تقلل من قدرات الدولة الإسلامية الإرهابية ولا من قدراتها على الوصول لأهداف عالمية”.
ربما أدى التركيز على الدولة الإسلامية “داعش” لبعض الوقت إلى حجب تهديد القاعدة في سوريا. في حزيران من العام 2016 أعلنت إدارة الرئيس باراك أوباما جبهة النصرة في سوريا أنها الفصيل الأكبر التابع للقاعدة في سوريا.  على الرغم من تغيير جبهة النصرة لاسمها وإعادة صياغتها تحت اسم “جبهة الفتح” إلا أن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أعلن أن “النصرة هي من القاعدة، ولا يمكن لتغيير الاسم أن يجدي في إخفاء ما هي النصرة في الحقيقة وماذا تحاول أن تفعل.”إن هذه المحاولات التي تقوم بها القاعدة والجماعات الموالية لها ليست جديدة. إلا أن من شأن دولة فاشلة أو منهارة في سوريا أن تكون عرضة باستمرار للخضوع للنفوذ أو التدخلات من قبل الجماعات الإرهابية والسلفية والجهادية المدعومة من القوى الخارجية.

الحل البديل للأسد
هناك استراتيجية واحدة للحد من خطورة الدولة الإسلامية “داعش” وتقليل نفوذ القاعدة، وفي نفس الوقت التخطيط لحكم انتقالي في سوريا، وهي أن تقوم الولايات المتحدة بمحاكاة استراتيجياتها السابقة المتبعة ضد العديد من حركات التمرد والجماعات الإرهابية اللاوطنية بما في ذلك ما فعلته في العراق وأفغانستان. يركز هذا النهج على ضمان استقرار الدولة من خلال زيادة قدرة مؤسسات الدولة على هزيمة الإرهاب، اتخاذ خطوات جدية نحو المصالحة الوطنية، وتنفيذ الإصلاح السياسي بدعم من التحالف الدولي والشركاء الإقليميين. باختصار تهدف هذه الاستراتيجية إلى الحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة وتعزيز استقرارها وزيادة قدراتها على هزيمة الإرهاب والحيلولة دون انهيار الدولة.
تكمن مشكلة هذا النهج في أن سياسة الولايات المتحدة تعمل على إزاحة الأسد من السلطة. إلا أن علاقة الولايات المتحدة بسوريا لطالما كانت ضعيفة، وتحديداً منذ استولى الأسد الابن على السلطة عام 2000 بعد وفاة والده. كان رد فعل حكومة الأسد على الانتفاضة الشعبية التي بدأت عام 2011 رداً وحشياً قمعياً وارتكبت قواته سلسلة من الجرائم التي قد ترقى إلى جرائم حرب. كان رحيل الأسد بالنتيجة هو الموقف الجاد والسريع لإدارة أوباما، وإن لم يكن ذلك ضمن إطار زمني، وكان أيضاً أولوية كل من قطر والمملكة العربية السعودية وتركيا وجماعات كثيرة من المعارضة السورية.
أدى التركيز المشترك على كل من تغيير النظام وهزيمة الجماعات الإرهابية التي تسعى للإطاحة به إلى إطالة أمد الحرب. في النهاية ربما توجد أهداف لا يمكن التوفيق بينها، خصوصاً في غياب مستوى معين من التدخل والاحجام عن استخدام التصعيد. إن تغيير النظام قد يؤدي إلى انهيار الدولة الأمر الذي يؤدي بدوره إلى فشل الدولة المزمن الذي تزدهر في ظله الجماعات الإرهابية كما حدث في العراق وليبيا وكما يحدث في سوريا.

غياب التوافق الإقليمي
انضم العديد من الدول الإقليمية إلى الائتلاف الذي شكلته الولايات المتحدة لحربها على الإرهاب “داعش” وساعدت الولايات المتحدة أيضاً في حربها على القاعدة، إلا أن هذه الدول كانت تعارض الأسد وتسعى لإزاحته من السلطة الأمر الذي أدى إلى اختلاف في الأولويات وغياب التوافق الإقليمي. كما أدى المزج بين جماعات المعارضة المسلحة ومقاتلي جبهة النصرة وخصوصاً في حلب إلى تعقيد الجهود الدبلوماسية الساعية إلى إنهاء الحرب.
على سبيل المثال كانت السعودية شريكاً أساسياً للولايات المتحدة في حربها على الإرهاب ضد تنظيم الدولة “داعش” والقاعدة والذان تبنيا هجمات داخل المملكة. ولكن الرياض تنظر إلى سوريا باعتبارها ساحة لحربها الطائفية بالوكالة ضد إيران التي تعتبرها السعودية الداعم الأكبر للإرهاب والتهديد الأول للاستقرار الإقليمي. تزايد القلق السعودي بعد تموز 2015 عندما وقعت إيران مع المجتمع الدولي الاتفاق النووي والذي هو خطة عمل شاملة المشتركة تسمح برفع بعض العقوبات عن إيران في مقابل فرض قيود على برنامجها النووي.
تركيا بدورها أيضاً عانت بازدياد من إرهاب تنظيم الدولة “داعش” ولكن أولويتها تبقى مرتبطة بالمسألة الكردية. يعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني (PYD) وجناحه المسلح وحدات حماية الشعب (YPG) يعتبرهم على صلة بحزب العمال الكردستاني (PKK) وهو المنظمة التي صنفت إرهابية في كل من تركيا والولايات المتحدة. خاض حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية حرباً أهلية طويلة في جنوب شرق تركيا، وتركز حكومة أردوغان على إحباط محاولة حزب الاتحاد الديمقراطي توحيد الأراضي على طول الحدود التركية مع سوريا.
كافحت الولايات المتحدة وتركيا لإخفاء خلافاتهما حول سوريا. حيث تعتبر الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب (YPG) أحد أهم شركائها وأكثرهم فعالية في حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” أما بالنسبة إلى تركيا فهي تعتبرهم العدو والهدف الرئيسي للعمليات العسكرية في سوريا. استغرق الأمر شهراً من المفاوضات الشاقة قبل منح أنقرة الإذن للولايات المتحدة لشن عمليات عسكرية جوية ضد الدولة الإسلامية “داعش” انطلاقاً من قاعدة انجرليك في تركيا.
أما إيران بدورها فهي ملتزمة تماماً بالدفاع عن بقاء النظام السوري. منذ ابتداء موجات الربيع العربي في العام 2011 زادت إيران نفوذها في كل من العراق ولبنان وسوريا عن طريق وكيلها حزب الله. وتتهم إيران أيضاً المملكة العربية السعودية بأنها المحرك الأساسي للتطرف الوهابي الذي هو على صلة بتنظيم القاعدة وفروعه وحركة طالبان. في موقف يعكس إحباط الولايات المتحدة بسبب عدم وجود إجماع إقليمي قال نائب الرئيس جوزيف بايدن في حديثه عن وقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى سوريا، “أكبر مشكلة لدينا هم حلفاؤنا”، وهناك العديد من شركاء الولايات المتحدة الإقليميين :
قد التزموا بمسألة إزاحة الأسد وأدى بهم الأمر إلى خوض حرب سنية – شيعية بالوكالة وسكب الملايين من الدولارات وآلاف الأطنان من الأسلحة إلى أي شخص يقاتل الأسد إلا أن الناس الذين زودوهم بالأسلحة هم جبهة النصرة والقاعدة والعناصر المتطرفة من المجاهدين القادمين من أجزاء أخرى من العالم.
وكنتيجة دعا مسؤولون أمريكيون بمن فيهم وزير الدفاع الأمريكي علناً الشركاء الإقليميين للولايات المتحدة إلى بذل المزيد من الجهد لدعم التحالف.

الخَيار الروسي
نظراً لغياب الاجماع الإقليمي واستعصاء الحرب في سوريا بدأت الولايات المتحدة خصوصاً منذ صيف عام 2015 بتعزيز التعاون مع روسيا لمعالجة النزاع في سوريا. وجاء حصار حلب ومن ثم اجتياحها من قبل القوات السورية المدعومة من المليشيات الإيرانية والغطاء الجوي الروسي بعد انهيار محادثات تعزيز التعاون العسكري والأمني بين الولايات المتحدة وروسيا في أيلول عام 2016. وعلى الرغم من اتهام إدارة الرئيس باراك أوباما لإيران وروسيا وسوريا بالممارسات الوحشية في حلب إلا أن إدارته استمرت ببذل الجهود السياسية للعمل مع روسيا في الأمم المتحدة بهدف إيصال المساعدات الإنسانية وإحياء المحادثات الرامية إلى إيجاد حل سياسي للأزمة.
في 14 من تشرين الثاني عام 2016 ناقش الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التعاون الممكن بين الولايات المتحدة وروسيا ضد الإرهابيين والمتطرفين في سوريا، وفقاً لبيان الكرملين.
كان الموقف الروسي حيال الأزمة السورية ثابتاً منذ بداية الانتفاضة. وأوضح الرئيس بوتين أن تدمير “الحكومة الشرعية” سيؤدي إلى الفوضى في سوريا كما حصل في العراق وليبيا وأضاف
لا توجد طريقة أخرى لحل النزاع في سوريا غير تقوية مؤسسات الحكومة الشرعية في سوريا ودعمهم في حربهم على الإرهاب وبالطبع أيضاً حث الحكومة السورية على بدء مفاوضات إيجابية مع المعارضة “المعتدلة” ومن ثم إطلاق عملية الإصلاح السياسي.
سعى بوتين منذ بدء الحرب إلى تأمين القاعدة الروسية البحرية في مدينة طرطوس السورية وعلى مدار الحرب زادت روسيا تواجدها العسكري ليشمل قاعدة جوية في مدينة حميميم. يمكن أن تُفهم سياسة بوتين في سوريا على أنها دفاعية وانتهازية إلا أن دعم بلاده للحكومة السورية لا يتزعزع. ظلت سوريا حليفة لروسيا لعقود وكانت نتيجة التدخل الذي حصل تحت مظلة الأمم المتحدة في ليبيا هي حرص روسيا على عدم تكرار هذا الأمر في سوريا. تولي روسيا أيضاً اهتماماً خاصاً للتهديدات الإرهابية خاصة في ظل وجود علاقات بين الجماعات الشيشانية المتطرفة والمقاتلين الأجانب العاملين في سوريا.
صعّدت روسيا دعمها العسكري للحكومة السورية في أيلول عام 2015، وقامت بتوفير الدعم الجوي للقوات البرية السورية وبالتالي رجحت ميزان القوى لصالح النظام. في تشرين الأول عام 2015 استأنفت الولايات المتحدة وروسيا محادثاتهما على المستوى العسكري تلك التي كانت توقفت بعد ضم روسيا شبه جزيرة القرم. بعد فترة وجيزة وقعت واشنطن وموسكو مذكرة تفاهم “للحد من مخاطر الحوادث الجوية التي يمكن أن تقع بين طيران التحالف والقوات الجوية الروسية العاملة في سوريا” ولكن ليس على “إنشاء مناطق تعاون وتبادل المعلومات الاستخباراتية…. في سوريا”.
على غير المتوقع تزايدت لهجة روسيا الدبلوماسية بعد تدخلها العسكري في سوريا. في أواخر عام 2015 عقدت واشنطن وموسكو ما أصبح يعرف باسم المجموعة الدولية لدعم سوريا (ISSG) بمشاركة إيران والسعودية وتركيا وقامت لأول مرة بجمع كل الأطراف الإقليمية على مبادرة واحدة أدت في النهاية إلى تمرير قرار مجلس الأمن الدولي 2254 بالإجماع في مجلس الأمن في كانون الأول عام 2015. وبرعاية الأمم المتحدة جرت الجولة الأخيرة من المفاوضات بين الأطراف السورية والتي أدت في النهاية إلى وقف إطلاق النار. وعلى الرغم من كونه هشاً إلا أن وقف إطلاق النار أدى إلى تقليل العنف والسماح ببعض المساعدات الإنسانية وتمكين استئناف محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة.

الخطة البديلة الخطيرة
هناك مقاربة أُخرى للوضع في سوريا تقوم على أنه يجب على الولايات المتحدة أن تفسر الإجراءات الروسية والإيرانية لدعم الأسد على أنها معادية للمصالح الولايات المتحدة. يذهب هذا الرأي إلى أن على الولايات المتحدة أن تبحث عن خطة بديلة للضغط على روسيا وإيران للتفاوض من أجل الإطاحة بالأسد وذلك من خلال زيادة الدعم العسكري للمعارضة السورية “المعتدلة”، وإنشاء منطقة “حظر طيران” أو “مناطق آمنة” في شمال سوريا، أو ربما حتى استخدام القوة العسكرية ضد الحكومة السورية. كما تجادل أيضاً أن على واشنطن “فرض تكاليف حقيقية على روسيا نتيجة لسلوكها المزعزع للاستقرار” ومواجهة “القوة المشاريع الإيرانية في المنطقة بدلاً من الرضوخ لها”. إن إظهار الولايات المتحدة الأمريكية عزمها على إيجاد حل ضد الأسد وإيران يفترض به أن يُحفز الدول العربية شركاءَ الولايات المتحدة ويدفعهم إلى تصعيد حربهم ضد الدولة الإسلامية “داعش”.
يفترض هذا النهج أن مخاطر زيادة زعزعة الحكومة السورية وتقويض الشراكة بين الولايات المتحدة وروسيا يقل عن الفوائد المفترضة الناجمة عن زيادة التكلفة على كل من روسيا وإيران جراء تمسكهما بالأسد بعد أن تقوم الولايات المتحدة باستعراض قوتها العسكرية. هذا افتراض كبير وغير مؤكد حيث قد يجبر مثل هذا التصعيد إلى تصلب مواقف الأسد وداعميه وإضعاف التركيز على الجماعات الإرهابية. كما تفشل هذه الخطة أيضاً في توضيح العلاقة بين بعض جماعات المعارضة السورية المسلحة وجبهة الفتح السورية، فضلاً عن تحفظات تركيا على قوات الاتحاد الديمقراطية الكردية والتي تدعمها الولايات المتحدة وتعتبرها أكثر المجموعات المسلحة فاعلية في سوريا.

التعامل مع الأسد
صفقة لرحيل الأسد تبدو أمراً عملياً ، إلا أنها تتطلب من الولايات المتحدة وشركائها في الشرق الأوسط الوصول أولاً إلى شكل من أشكال التنسيق مع روسيا وإيران في سوريا. تقييمنا هو أن رحيل الأسد قد يساهم في الواقع بزيادة الاستقرار في سوريا بعد الحرب، ولكن سيكون من الأفضل أن يحدث ذلك في ظل دولة مستقرة نسبياً وكنتيجة للمفاوضات وليس لتصعيد الصراع.
يبقى بيان جنيف 2012 الصادر عن “مجموعة العمل من أجل سوريا” بواسطة الأمم المتحدة الأساس الدبلوماسي لانتقال سياسي في سوريا، بما في ذلك “إنشاء هيئة حكم انتقالي مع صلاحيات تنفيذية كاملة” واحتمال إدراج “أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومجموعات أخرى …. وتتشكل على أساس الموافقة المتبادلة”، وتقوم ب “مراجعة الدستور والنظام القانوني” وتعرض “لاستفتاء عام” و “انتخابات تعددية حرة ونزيهة”. بالمثل يدعم قرار مجلس الأمن 2254 الذي أقر بالاجماع في أواخر عام 2015 قيام
عملية سياسية بقيادة سورية مدعومة من الأمم المتحدة تؤسس لحكم شامل وموثوق وغير طائفي وتحدد جدولاً زمنياً لصياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة … تدار تحت إشراف الأمم المتحدة …. وتضمن مشاركة جميع السوريين بمن في ذلك السوريون في الشتات.
يبدو أن عبارة “الموافقة المتبادلة” منحت طرفي المفاوضات (التي لا تشمل بالطبع كلاً من الدولة الإسلامية “داعش” وجبهة النصرة) حق الفيتو بشأن تشكيل حكومة انتقالية. يبدو كلا الطرفان متمسكين بمواقعهما التي تعيق المفاوضات فالأسد يعتبر معظم الجماعات المسلحة المعارضة إرهابية وبالمثل ترفض العديد من الجماعات المعارضة أي دور للأسد في العملية الانتقالية. ويزيد في تعقيد المصطلح “الموافقة المتبادلة” هو اعتبار العلويين والمسيحيين وغيرهم من الأقليات في سوريا الأسد ضامناً لهم ولبقائهم.
أظهرت الولايات المتحدة المرونة والغموض حول دور الأسد في المرحلة الانتقالية لكن المؤكد أن الأسد ينبغي أن لا يكون جزءاً من حكومة ما بعد المرحلة الانتقالية. كما يقول الوزير جون كيري “فإنه ليس من الواضح أن “الأسد” يجب أن ، وأقتبس هنا ، “يذهب” إذا كان هناك اتفاق حول ما قد يكون عليه مستقبله أو لا يكون”.
أبدت روسيا وإيران التزامهما تجاه الأسد وعلى الرغم من قوته إلا أنه قد يكون محدوداً. يقول وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ” أنا لا أقول أن على الأسد أن يبقى أو أن على الأسد أن يرحل، إن مصير الأسد يحدده الشعب السوري” بالمثل قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف :
نحن ضد وضع الحكومات والأشخاص خارج سوريا لشروط مسبقة من أجل التوصل إلى حل سياسي في سوريا.  نحن لم نحدد أي شروط مسبقة. نعتقد أن هذا ليس من شأننا. ونعتقد أن الأمر يجب أن يُترك للسوريين لكي يتخذوا قرارهم.
يجب أن يحظى الرجل الذي سيخلف الأسد في حكم سوريا بالقبول من النظام الحالي والقوى الخارجية ذات الصلة بالشأن السورية لاسيما روسيا وإيران، وأن يحظى أيضاً بالحد الأدنى من القبول من القوى المعارضة والداعمين الإقليميين، تجري بالفعل محادثات بين الروس والأمريكيين والإيرانيين والسوريين وغيرهم من الأطراف المشاركة حول نقل السلطات الرئاسية في نهاية المطاف بموجب دستور جديد.
في تشرين الأول من عام 2015 أعلن ظريف عن خطته ذات النقاط الأربعة حول سوريا – متضمنة حكومة وحدة وطنية، ومكافحة الإرهاب، تعديلات دستورية، وتغيرات في هيكلية الحكومة مبنية على التعديلات الدستورية –  وشملت هذه الخطة مبادئ منها “احترام سيادة وسلامة أراضي سوريا، مكافحة التطرف والطائفية وعدم التدخل في الشأن الداخلي السوري، الحل السياسي، احترام حقوق الأقليات وحقوق الإنسان”. ورداً على هذه الخطة قال الوزير كيري إن “خطة إيران قريبة جداً لما تحاول اتفاقية جنيف تحقيقه”.
في المقابل المصالح السعودية في حكومة ما بعد الأسد غير واضحة تماماً، مع بعض الشكوك حول ما إذا كانت المملكة تهدف إلى إزاحة الأسد من الحكم أو إزالة النفوذ الإيراني من سوريا تماماً. إذا كانت المصالح السعودية تقتضي إزالة النفوذ الإيراني من سوريا تماماً فإن آفاق الحل الإقليمي ستنخفض كثيراً حيث أن إيران استثمرت كثيراً في دعم بقاء النظام في سوريا. بينما يعتمد بقاء الأسد أولاً على الدستور الجديد لسوريا، ثم على المفاوضات مع روسيا وإيران. وفي حين أن هذه المفاوضات تعتمد على كثير من المعطيات الغير معلومة فإن وجهة نظرنا أن أفضل طريقة لمعالجة هذه العملية هي من خلال المفاوضات مع القوى ذات الصلة، وليس من خلال العمل العسكري الذي يزيد من زعزعة استقرار مؤسسات الدولة في سوريا.

انتداب مجلس الأمن
إن غياب الإجماع الإقليمي حول سوريا يقوض ليس فقط الاستراتيجية الأمريكية لمكافحة الإرهاب وإنما أيضاً عملية التخطيط لسوريا ما بعد الحرب. لذلك فإن الخيار الأفضل للولايات المتحدة هو التعاون الدبلوماسي والأمني مع روسيا، وبالتالي في مجلس الأمن الدولي. وقد أدى التعاون الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وروسيا منذ أواخر عام 2015 إلى تقدم دبلوماسي ضئيل، ووقف هش لإطلاق النار، وإيصال بعض المساعدات الإنسانية إلى المناطق المحاصرة. ولكنه لم يفضِ بعد إلى إنهاء الحرب أو هزيمة الدولة الإسلامية “داعش” أو الانتقال السياسي. ومع ذلك فإن هذا التعاون سمح لمجلس الأمن الدولي بتوضيح النقاط التي تفيد الإستقرار في مرحلة ما بعد الحرب خصوصاً في ظل اختلاف أولويات الأطراف الإقليمية. سيكون التعاون الدبلوماسي الروسي الأمريكي مفيداً في تحديد مستقبل الأسد بطريقة لا تزيد من زعزعة استقرار هيكلية الدولة. يسمح هذا النهج للولايات المتحدة بالتخلي عن السؤال الفوري حول ما ينبغي عمله تجاه الأسد وتركيز أولويتها على هزيمة الدولة الإسلامية “داعش” وجبهة الفتح “النصرة سابقاً” في سوريا.
تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار بعد الحرب سيكون أمراً مستحيلاً إذا لم تكن الدول الإقليمية جزءاً من العملية. في حين يمكن للولايات المتحدة وروسيا أن تشعلا مجلس الأمن الدولي حول الشأن السوري إلا أن كليهما لديه حق النقض. قد يكون لدى الولايات المتحدة الفرصة لاستخدام هذا النفوذ لتشجيع روسيا في الوقت المناسب على دعم إنتقال السلطة وإزاحة الأسد لتسهيل المساعدة الأمنية في مرحلة ما بعد الحرب.

مسألة الدولة في سوريا
لن يكون من المرجح تحقيق استقرار في مرحلة ما بعد الحرب إذا خضعت سوريا للتقسيم. إن الهوية الوطنية القوية نسبياً في سوريا والخبرة القوية في السلطة المركزية تعززان احتمالات إقامة دولة موحدة. لقد عكست مظاهرات الربيع العربي في عام 2011 شعوراً بالوحدة السورية ، وليس الانقسام، مع أناس من مناطق مختلفة وعرقيات وديانات مختلفة وتعبئت حالة اجتماعية اقتصادية لدعم التغيير والإصلاح.
يعتمد الاستقرار في سوريا ما بعد الحرب على تقوية الدولة السورية والمؤسسات المرتبطة بها. إن تمكين البنى التحت مركزية على حساب الدولة حتى تحت مسميات مثل “الحكم المحلي” أو “اللامركزية” سيكون مضللاً، بالنظر إلى الثقافة السياسية السورية والتاريخ السوري.
إن الهوية السورية تركز على الدولة وقد تطورت بشكل مدهش تاريخياً على الرغم من تجربة ما بعد الاستعمار والحكم الاستبدادي. إن المجتمعات المختلفة – المسيحيون والأكراد والمسلمون واليزيديون – عاشوا تاريخياً في سوريا. لقد كان لبعض المناطق والمجتمعات المحلية هوية عرقية قوية إلا أن معظمها كان لديه أيضاً شعور بالمجتمع المشترك والهوية المشتركة. ومع وجود حالات من العنف بين المجتمعات على مر الزمن إلا أن العديد من هذه الحالات كانت معارك سياسية محلية لم تؤد إلى تعبئة على أساس الهوية.
إن الإنقسام الذي حصل في سوريا لم يكن طائفياً أو إثنياً ولكن كان اجتماعياً اقتصادياً: بين الأغنياء والفقراء، بين المدينة والريف. أن يكون المرء من دمشق أو حلب أو من الريف أمرٌ أهم في تعريف الهوية من الدين أو الإثنية في سوريا. بعد الاستقلال السوري حاولت حركة حزب البعث حجب خطوط هذه الهوية حين وحدت المجتمع خلف قيم عدم التمايز والاشتراكية. أن يكون الإنسان سورياً فهذا يعني شيئاً أكثر. فعلى الرغم من أن النزعة القومية تقلبت صعوداً وهبوطاً منذ عام 1970 إلا أن السوريين لايزالون يتمتعون بهوية وطنية قوية.
في المرحلة الراهنة هناك إرث من امتيازات لصالح العلويين، إلا أن هذا لا يجب أن يُقرأ على أنه اتجاه نحو الطائفية. خلال الحكم العثماني في بلاد الشام كانت المجتمعات السنية مفضلة على العلوية عموماً. وعندما جاء الانتداب الفرنسي إلى سوريا جلب العلويين إلى هياكل الحكم الناشئة حيث خدم الكثير من العلويين في الفرق الخاصة في بلاد الشام تحت إمرة ضباط فرنسيين واكتسبوا شهرة بين ضباط الجيش السوري. الأمر الذي خلق نوعاً من التظلم ضد العلويين، على الرغم من أن دراسة حديثة أظهرت أن هذا الإحباط القطاعي الطائفي لم يكن سوى حافز عَرَضيّ للقوى الوطنية السورية خلال الثورة السورية الكبرى (1925-1927). وصفت حركة البعث الأصلية بأنها شمولية وتخاطب مجموعات واسعة من السكان. فلم يكن الاستياء قد بدأ يتطور ضد العلويين بشكل خاص، إلا أن استيلاء الأسد الأب على مقاليد الحكم في العام 1970 بدأ يخلق شعوراً بالاستياء الذي لم يكن في الواقع مرتبطاً بكراهية الطائفة بل كان تعبيراً عن عدم الارتياح من احتكار الأسرة المتنامي للسلطة في الواقع:
على الرغم من أن “حافظ الأسد” في سعيه للامساك بزمام الحكم في سوريا بنى قاعدته على دعم من “العلويين وأفراد من أسرته” فإن الأمر في الحقيقة لا يمكن اعتباره دليلاً على أنه كان طائفياً أو قبلياً في نظرته وخطه السلوكي. هناك القليل من الأدلة على أن غالبية رجاله وزملائهم يتمتعون بمزيد من وسائل الراحة أو يتحررون من كثير من الضغوط على حساب غالبية الشعب السوري.
كانت الطائفية وسيلة مناسبة لتحقيق الاستقرار في العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ولكنها لم تصل إلى بينية المجتمع المدني وشبكات الأعمال التي تطورت عابرة لهذه الخطوط. كانت أسس المعارضة في مطلع القرن الحادي والعشرين متأصلة في منظمات المجتمع المدني المؤيدة للإصلاح وسيادة القانون، بدلاً من الجماعات المسلحة الطائفية. حتى جماعة الإخوان المسلمين شددت على الولاءات الطائفية لصالح حقوق الإنسان وسيادة القانون.
لقد رافق ظهور القومية السورية تطور للحكم المركزي. فعلى الرغم من الممارسات الاستبدادية لنظام الأسد وتجاوزات أجهزته الأمنية، فقد كانت إدارة البعث في وقت مبكر فعالة في تطوير وتوسيع البنية التحتية والخدمات الاجتماعية. مع مرور الوقت أصبحت الحكومة تعاني من الفساد بشكل متزايد، وشباكات المحسوبيات طويلة الأمد، وخاصة منذ تولى بشار الأسد الرئاسة عام 2000 وزيادة مستوى الرأسمالية في الدولة.
كان أداء الأسد الاقتصادي قبل ثورة 2011 متأرجحاً، ولكنه مقبول مقارنة بالمعايير الإقليمية على الرغم من أعباء الاستبداد والفساد. كان مستوى النمو في الناتج المحلي الإجمالي GDP بين عامي 2005 – 2009 أقل من 5% بقليل وهو رقم قريب من الدول الأخرى في منطقة الشرق الأوسط. في عام 2009 أشاد صندوق النقد الدولي بالإصلاحات الهيكلية في سوريا للتخفيف من أثر الأزمة المالية العالمية وكانت توقعات النمو تتعدى 5% في الأعوام المقبلة. وقد سعى الأسد نفسه إلى التقليل من البيروقراطية وأصدر قراراً أسماه “الإصلاح الإداري”، وهو مكمل سياسي للاصلاحات الاقتصادية التي أوصى بها صندوق النقد الدولي. خفضت هذه الإصلاحات من الدعم الحكومي حيث أصبح السوريون يواجهون ليس فقط الأزمة المالية العالمية ولكن أيضاً جفاف ضخم حل بالبلاد ساهم في التحريض الاجتماعي والاقتصادي والسياسي مما أدى إلى ثورة عام 2011. هناك العديد من الدروس والنصائح المستخلصة من تجربة سوريا وخبراتها الوطنية في الحكم المركزي يمكنها أن تساعد في التخطيط لسوريا ما بعد الحرب. أولاً ينبغي أن لا تُعزز الدولة بعد انتهاء الصراع انقسامات الهوية والقومية والإثنية أو الطائفية والجغرافية. لقد دعت كل من المجموعة الدولية لدعم سوريا ومجلس الأمن الدولي وجميع الأطراف السورية المشاركة في المحادثات برعاية الأمم المتحدة – عدا الأحزاب الكردية – إلى وحدة سوريا ورفضت تقسيم البلاد. اتفقت المجموعة الدولية لدعم سوريا في اجتماعها الأول عام 2015 على “وحدة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها وطابعها العلماني”. وقد أعاد قرار مجلس الأمن 2254 تأكيد المجموعة الدولية لدعم سوريا على وحدة سوريا واستقلالها وسلامة أراضيها وطابعها غير الطائفي. وأشار المبعوث الدولي الخاص لسوريا في نيسان عام 2016 إلى “القواسم المشتركة” بين الحكومة السورية والمعارضة والتي هي الالتزام “باستقلال سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها وفقاً لمبدأي السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية”. تدعم الولايات المتحدة بدورها “وحدة سوريا”. باستثناء حزب الاتحاد الديمقراطي لا يدعو أي حزب في سوريا إلى تقسيم البلاد.
ثانياً : إن الحاجة إلى السلطة المركزية في سوريا لا تتعارض بالضرورة مع الإصلاحات الدستورية للحد من سلطة منصب الرئيس في سوريا أو تمكين السلطات المحلية والهيئات التشريعية. هذه الإصلاحات ليست هي نفسها خطط بناء حكومة في المناطق التي تدعى “محررة” في سوريا. من غير الواضح أن السلطات في هذه المناطق المحررة والتي لا تملك صلات مع مؤسسات الدولة المركزية سيكون لديها الإمكانات الأمنية والاقتصادية والتجارية الأساسية للبقاء لا سيما في مرحلة ما بعد الحرب خصوصاً في ظل أدوار الدول الإقليمية والجماعات المسلحة والروابط غير المؤكدة مع دمشق.
ثالثاً : يجب أن تتجنب سوريا في مرحلتها الانتقالية الأخطاء التي ارتُكبت في العراق، مثل تجاوزات اجتثاثات البعث أو الاعتراف المسبق بنقل سلطات الدولة. يجب أن لا يكون هناك تطهير واسع النطاق للبيروقراطيين في سوريا فقط أولئك المتورطين في جرائم من الأجهزة الأمنية. يتفق معظم المحللين أن إزالة جميع مسؤولي حزب البعث في العراق بسرعة – الذين كان لهم آراء سياسية وثقافية مماثلة تجاه الحكم – كان له ضرر كبير، إن لم يكن كارثياً على قدرة الدولة على العمل إدارياً وسياسياً. وتشير الدروس المستفادة من العراق أن برنامجاً للتدقيق الشامل هو حل أفضل بكثير من سياسة شاملة تطيح بالجميع حتى المستويات الدنيا.
يجب أن تُبنى السلطة في سوريا ما بعد الحرب على أساس الحدود الإدارية الموجودة سابقاً للمقاطعات والمحافظات بدلاً من خطوط المعارك أو الهويات الطائفية الأمر الذي سيكون هزيمة ذاتية. العراق ولبنان دولتان مجاورتان لسوريا يشكلان مثالاً كيف ساعدت عملية إضفاء الصبغة الرسمية على الهويات العرقية والدينية على خلق دول ضعيفة عرضة لدورات من العنف وعدم الاستقرار وخلق المليشيات والجماعات المسلحة. ترتبط المركزية -حيث تكون عاصمة الدولة مصدراً للسلطة والخدمات – بشكل وثيق بما يتوقعه السكان المحليون من الحكومة. لا توجد تجربة “السلطة المحلية ” في سوريا، هناك غياب للترابط مع دمشق، وربما يكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل تقييم هذه التجربة في ظل الحرب.
بينما هناك حاجة لدمج بعض قوى المعارضة في هيكلية الحكم والأمن في سوريا إلا أنه لا يجب وصف كل الجماعات المسلحة في سوريا بأنها “محررة” أو تتمتع بموافقة من تحكمهم، حتى لو أنهم يعتمدون على دعم القوى الإقليمية الحليفة للولايات المتحدة.

إعادة بناء الدولة السورية
بعيداً عن متطلبات الحكم سيكون من الضروري لإعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية في سوريا وجود حكومة مركزية حتى الآن بلغت تقديرات كلفة الحرب 270 مليار دولار ومن المحتمل أن تتجاوز تكاليف إعادة الإعمار 300 مليار دولار. لقد كانت الخسائر البشرية والاقتصادية لهذه الحرب كبيرة جداً. فقد قتل ما لا يقل عن 400 ألف شخص وجرح أكثر من 840 ألفاً آخرين، وانخفض متوسط العمر المتوقع للفرد من 79.5 عام 2010 إلى 55.7 عام 2014. يعيش اليوم أكثر من 80% من السوريين تحت خط الفقر، ومعظمهم يعيش في فقر مدقع. تقدر البطالة بنحو 58% وقد خسرت سوريا حوالي 3 ملايين فرصة عمل. انخفض الناتج المحلي الإجمالي حوالي 15% بالمتوسط في الفترة ما بين 2011 – 2014، ويرجع ذلك جزئياً إلى انخفاض إنتاج النفط اليومي من 368 ألف برميل يومياً في عام 2010 إلى 40 ألف برميل عام 2015. وبلغ معدل التضخم في سوريا 51% سنوياً في الفترة ما بين 2012-2015، وفقدت الليرة السورية 80% من قيمتها منذ بدء الحرب. التعليم في “حالة انهيار” حيث أن 51% من الأطفال توقفوا عن الذهاب إلى المدرسة.
سيكون التعافي السوري معقداً مع وجود أعداد كبيرة من النازحين واللاجئين الذين قد يسهموا في زعزعة الاستقرار بعد انتهاء النزاع. من بين سكان سوريا الذين يقدر تعدادهم ب 22 مليوناً نصفهم ما بين لاجئ (4.8 مليون) أو نازح في داخل سوريا (6.6 مليون). يمكن أن تكون تداعيات أزمة اللاجئين طويلة الأمد حيث تستمر هذه الأزمات تاريخياً لمدة تصل إلى 25 عاماً ويمضي اللاجئون في المتوسط 17 عاماً في بلد اللجوء قبل العودة إلى بلدهم هذا إن عادوا أصلاً.
بالنظر إلى حصيلة الحرب في سوريا. يجب أن تكون أهداف ما بعد الحرب محدودة وواقعية. ولحشد دعم شعبي لجهود إعادة الإعمار، يجب أن يشهد الناس تحسناً في حياتهم نتيجة العملية الانتقالية. في حين دعا بعض علماء الاقتصاد إلى التقشف المالي والنقدي في دول ما بعد الحرب لاحتواء التضخم وتخفيض الديون، فإن البعض الآخر منهم يولي اهتماماً عاجلاً للسياسات الاقتصادية قصيرة الأجل التي تعيد الأموال إلى التداول وتحقق الدخل. يجب أن تكون الأولوية في المرحة الانتقالية هي دفع أجور العاملين في القطاع العام واعتماد سياسة نقدية تهدف إلى إدخال أكبر قدر ممكن من العملة الصعبة إلى الاقتصاد السوري قبل إجراء عمليات التصحيح وإعادة الهيكلة. ينبغي أن تعمل المساعدات الخارجية على دعم المشاريع التنموية للحد من البطالة بسرعة. ويمكن أن تشمل الخطوات الإضافية إزالة تجميد الأصول الأجنبية ونقلها إلى الداخل، ورفع القيود الاقتصادية، والإعفاء من بعض الديون الدولية. يجب أن ينصب تركيز الدولة السورية في مرحلة ما بعد الحرب على إعادة البناء الاقتصادي والتنمية. ستعتمد عملية إعادة الإعمار على الأطراف الخارجية وستكون شبه مستحيلة إذا سعت الدول المجاورة إلى تقويض هذه العملية. إن تفويضاً يمنح لمجلس الأمن يركز على ضرورة وأولوية إعادة الإعمار يسمح للمنظمات الدولية بالعمل وكذلك للدول المانحة بتقديم الدعم. ستكون هذه الوساطة أكثر فعالية عندما تعمل بالشراكة مع الحكومة المركزية بدلاً من عدد كبير من الأحزاب والقوى المحلية.

الأمن في مرحلة ما بعد الحرب
العامل الأهم في تحديد نجاح مرحلة ما بعد الصراع هو الأمن. فالفشل في الأمن سيعرض الإصلاح السياسي والاقتصادي للخطر كما حدث في العراق وليبيا.  يجب أن تستند الجهود الرامية إلى توطيد الأمن في مرحلة ما بعد الحرب إلى عدد من النقاط.

أولا : يجب أن يكون هناك آلية وبرنامج يسمح بنزع سلاح الجماعات المقاتلة، مع ضمانات بسلامة قوات المعارضة التي توافق على برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج. اقترحت فرنسا أن عمليات مشتركة بين الجيش السوري الحر والقوات النظامية بهدف محاربة الدولة الإسلامية “داعش” سيوفر الأرضية المشتركة في مكافحة الإرهاب ويشجع على التقارب. سيتعين على المجتمع الدولي أن يقرر ما هي المنظمات التي يسمح لها بالاندماج في الجيش السوري الجديد وما هي التي سيطلب نزع سلاحها بالكامل. بالمثل يمكن لبرامج المصالحة الاجتماعية وبناء الثقة أن تسهم في الاستقرار في مرحلة ما بعد الحرب ولكنها تعتمد بشكل أساسي على استثمار الأطراف المحلية والدولية في هذه العملية.
– ثانياً : يجب أن تكون الدولة السورية محور الترتيبات الأمنية في مرحلة ما بعد الحرب. قد يستغرق إعادة بناء القوات الأمنية عدة سنوات مما يؤدي إلى فجوات أمنية في بعض المناطق الخاضعة لسيطرة جماعات المعارضة المسلحة. إن تمكين القوى الحاكمة المحلية المعارضة بعملية حفظ الأمن في المناطق التي يغلب عليها الطابع السني قد يؤدي إلى توفير ملاذ آمن للجماعات السلفية والجهادية وخاصة تلك التي تعاونت مع النصرة سابقاً. إن إعادة بناء دولة ضعيفة مع وجود مناطق خارجة عن سيطرة الحكومة المركزية وتتأثر بقوى إقليمية تدعم الجماعات السلفية والجهادية من المرجح أن يُضعف جهود الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب بدلاً من أن يُعززها. لذلك ينبغي إعادة هيكلة القوات الأمنية السورية بالتنسيق مع دمشق وليس ضدها، وينبغي أن يحدث من الداخل للخارج بدلاً من أن يُفرض من الخارج إلى الداخل، كما هو الحال الطبيعي لمعظم البلدان الأخرى في مرحلة ما بعد الحرب.
إن مضمون وسرعة إعادة هيكلة قوات الأمن السورية سيعتمد على سياق وشروط التسوية السياسية والأهم من ذلك، ما إذا كان الأسد سيبقى في السلطة أم لا. إذا حققت القوات الحكومية السورية انتصاراً واضحاً – كما فعلت قوات الأمن الكولومبية على القوات المسلحة الثورية الكولومبية – فإن هذا النهج سيكون أكثر مباشرة. ستستولي القوات الحكومية على مناطق المعارضة وستعاد هيكلة قوات الأمن فيما بعد. في سياق التسوية السياسية أو حتى الصراع المتجمد قد تعمد الجماعات المسلحة إلى إنشاء أمنها الخاص إلى حين إعادة تشكيل القوات الوطنية. بالنظر إلى الأراضي التي تحتلها القوات الحكومية الآن ومسار الصراع، فمن المحتمل أن تكون الأراضي التي تسيطر عليها الجماعات المعارضة غير تنظيم الدولة في حدها الأدنى، مما يعطي الحكومة السورية بدلاً من قوى المعارضة حق النقض حول ما إذا كانت ستلجأ إلى إعادة هيكلة قوات الأمن أم لا.
– ثالثاً : بالنظر إلى هذه التحديات التي تواجه إعادة هيكلة القوات الأمنية، قد تكون هناك حاجة إلى قوة دولية لحفظ الأمن بعد انتهاء الحرب. كقوة كهذه تتطلب موافقة روسيا إذا كانت ستمر عبر أروقة مجلس الأمن وبالتالي سوريا. لا نتخيل إنشاء مثل هذه القوة قبل إنشاء الحكومة الانتقالية. تاريخياً كانت قوات الأمم المتحدة أفضل من القوات متعددة الجنسيات أو تلك الغير تابعة للأمم المتحدة. على الرغم من أنها قد تكون في بعض الأحيان أقل خبرة أو تدريباً. وقد أدى عدم وجود مثل هذه القوة في ليبيا إلى تقويض الاستقرار في مرحلة ما بعد الحرب وبناء المؤسسات. إن احتمال وقوع عمليات قتل انتقامي أو تهجير جماعي أمر وارد في دول ما بعد الحرب وقد تم توثيق مثل هذه الأمور في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ما لم تتخذ تدابير لمنعه سيكون العنف قوياً بالنظر إلى الوحشية التي ارتكبتها أطراف الحرب الأهلية السورية وخصوصاً في المناطق التي تُسترجع من قبضة الدولة الإسلامية “داعش” كما حصل في العراق. رابعاً : يمكن أن تؤثر تشكيلة قوات حفظ السلام على نجاحها. قد يكون لذلك الأمر أهمية كبيرة في سوريا خصوصاً في المناطق المحررة. فالقوات الأجنبية قد يكون لها تأثير مزعزع للاستقرار إذا كان هناك استياء من وجودها. في حين أن “جهود الأمم المتحدة حققت أفضل مزيج من التكلفة المنخفضة، ومعدل النجاح والشرعية الداخلية”، فإن وجود قوات على الأرض من الدول المشاركة في الصراع بشكل مباشر أو غير مباشر من شأنه أن يثير الغضب المحلي ويكون مصدراً لعدم الاستقرار والتخريب، طبعاً ما لم يحدث تغيير جذري في المواقف الإقليمية. ومن المرجح أن تقوم قوة تثبيت أجنبية برصد انتهاكات وقف إطلاق النار، وتيسير المعونات الإنسانية، بمشاركة فقط من تلك الدول التي لم تتدخل في الصراع قط.
قد تواجه هذه القوة الدولية عناصر مسلحة، ويمكن في هذه الحال أن تتوسع مهمتها إلى مكافحة التمرد ومكافحة الإرهاب. يتوقف العدد النهائي لعناصر القوة الدولية على الأراضي الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية في وقت نشرها. يمكن أن يكون تعزيز سيادة القانون أصعب من تصميم الدساتير وإجراء الانتخابات. قد يكون هناك تساؤلات حول ما إذا كان ينبغي أن يقود المجتمع الدولي العدالة الانتقالية في سوريا أم تفعل الحكومة الجديدة ذلك. في النهاية ستحتاج قوة دولية لحفظ الأمن إلى موافقة إيران وروسيا وسوريا. وبدون دعم روسي، لا يمكن أن يكون هناك أي قرار من مجلس الأمن الدولي لمثل هذه القوة. إذا كان الأسد ومؤيدوه عازمون على استعادة ” كل شبر” من الأراضي السورية وقد حققوا نجاحاً مستمراً في الحملات الهجومية في الشمال السوري، فمن المرجح أن يرفضوا نشر قوات دولية على الأراضي السورية تلك القوات التي يمكن لأعداء النظام أن تؤثر وتتلاعب بها. وقد يكون ميزان القوى على الأرض في نهاية المطاف هو الحكم النهائي لتوقيت المفاوضات السياسية ووقف إطلاق النار وشروطه وقابليته للاستمرار.

خاتمة
من المرجح أن تكون سوريا ما بعد الحرب دولة ضعيفة في محيط متقلب. وفي وقت لا يوجد فيه حل بسيط للمشاكل التي يطرحها الصراع الحالي، فإن خمس سياسات ممكنة تستطيع أن تحمي مصالح الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب ومنع انهيار الدولة في سوريا. أولاً : هناك أهمية كبرى لاحتفاظ الولايات المتحدة وروسيا بدورهما كقائمين على العملية الدبلوماسية. وحيث لا تملك الولايات المتحدة سوى القليل من النفوذ السياسي مع سوريا وإيران فإن روسيا تملك مثل هذا النفوذ. ويمكن للشراكة بين الولايات المتحدة وروسيا، خاصة إذا كانت عبر أروقة مجلس الأمن، أن تحدد الآليات والقيود المفروضة على الأطراف الإقليمية في سوريا، وأن تضفي الشرعية على خطة لتحقيق الاستقرار وإعادة الهيكلة في مرحلة ما بعد الحرب. وقد ساهم التنسيق بين الولايات المتحدة وروسيا في أواخر عام 2015 في تسهيل قرار مجلس الأمن 2254 وتشكيل مجموعة العمل من أجل سوريا وتجديد المحادثات بين السوريين وإصدار قرار بوقف إطلاق النار وتجديد المساعدات الإنسانية. لا تكفي أي من هذه الأمور لإنهاء الحرب وحل النزاع إلا أنها تؤكد على أهمية هذا النهج مقارنة بالبدائل الأخرى. ثانياً : يجب أن تعمل الولايات المتحدة على زيادة تعاونها العسكري والاستخباراتي مع روسيا ضد الدولة الإسلامية “داعش” والنصرة كما اقترحت إدارة أوباما عام 2016 وقد تأخذ إدارة ترامب هذا الأمر بعين الإعتبار، وتحذير روسيا وحلفائها – حزب الله وإيران وسوريا – وتحميلهم مسؤولية أي قصف عشوائي أو إساءة معاملة للمدنيين. لم يكن بوسع الولايات المتحدة أن تكون طرفاً ولو بشكل غير مباشر في الفظائع الجماعية التي وقع خلال حصار واجتياح حلب برغم أن الهدف كان هزيمة الدولة الإسلامية “داعش” والنصرة. كما يوفر التنسيق الأمريكي الروسي تصريحاً لمجلس الأمن لمواصلة تعزيز وإنفاذ القرارات التي تعاقب الكيانات والأشخاص الذين يقدمون أي دعم للقاعدة أو للدولة الإسلامية. ثالثاً : يجب على الولايات المتحدة أن تعالج مسألة المخاوف التركية بشأن دور الأحزاب الكردية السورية. وقد سعت الولايات المتحدة حتى الآن إلى القيام بذلك من خلال توضيح أنها لا تدعم “كياناً مستقلاً على الحدود التركية”، مشيرة بذلك إلى إي جهد يسعى لربط الجيوب الكردية شرق وغرب نهر الفرات. ولتيسير الدعم التركي لتسوية ما بعد الصراع يمكن للولايات المتحدة أن تشجع على استئناف المحادثات مع حزب العمال الكردستاني وتشجع روسيا وإيران على خفض دعمهما لحزب العمال الكردستاني وتوضح لجميع الأطراف أن الولايات المتحدة تدعم سلامة الأراضي الإقليمية لسوريا ولن تقبل بأي تقسيم رسمي لجيب كردي سوري يتجاوز شكلاً من أشكال الحكم الذاتي المحدود، وتوضح لحزب الاتحاد الديمقراطي أن عليه أن لا يدعم أي قواعد عمل لحزب العمال الكردستاني شمال سوريا. رابعاً : يجب على الولايات المتحدة أن تقاوم أي خطط لتقسيم أو تجزئة سوريا. إن “الحكم المحلي” بعد انتهاء الصراع على حساب الدولة السورية يمكن أن يقوض آفاق تحقيق الاستقرار على المدى الطويل. لقد اتخذ الصراع الحالي اتجاهاً أكبر على أساس الهوية منذ بدء تدفق المقاتلين الأجانب. هذا الاتجاه الطائفي، الصادر عن الحرب ونزاعاتها، يجب أن لا يكون له وجود في سوريا ما بعد الحرب. هذه النتيجة ستكون غير ضرورية ومؤسفة وهزيمة ذاتية في نهاية المطاف نظراً للمفاهيم القومية السورية. خامساً وأخيراً : الأسد ليس الدولة السورية. بل إن الدولة السورية تعتمد على إرث المؤسسات المركزية والهوية الوطنية. إن اتباع نهج لإعادة الإعمار وهيكلة الأمن في سوريا بعد الحرب معتمداً على إيجاد طريق للالتفاف على الحكومة المركزية ستؤدي بسهولة إلى خلق منافذ تستفيد منها الدولة الإسلامية “داعش” والنصرة أو أي من التنظيمات الإرهابية في المستقبل. على الرغم من أن الولايات المتحدة قد تؤجل بحث مصير الأسد في الوقت الراهن وذلك لتعزيز التعاون مع روسيا لهزيمة الجماعات الإرهابية والسعي لإنهاء الحرب إلا أنه من غير المرجح أن ترعى واشنطن جهوداً دولية لتحقيق الاستقرار في سوريا ما بعد الحرب بوجود الأسد. بالتالي فإن رحيل الأسد يمكن أن يكون ثمرة توافق إقليمي في الآراء وضغط من الولايات المتحدة لتوفير القيادة والمساعدة اللازمة لتحقيق الاستقرار الدولي في مرحلة ما بعد الصراع من أجل منع انهيار الدولة السورية الأمر الذي سيكون في صالح جميع الأطراف.

رابط المادة الأصلي: هنا.



صدى الشام