ستة أعوام من الحرب: هل ما زال الأسد صالحاً للحكم؟!


منذ 6 سنوات، خان الرئيس السوري بشار الأسد بلاده من خلال السماح باستخدام الأسلحة القاتلة ضد المتظاهرين السلميين. ومع دخول الحرب في سوريا عامها السابع، كان ثمن الحفاظ السياسي على رجل واحد وعائلة واحدة وثلة واحدة مذهلاً، في سوريا وخارجها. ويتعرض المراقبون، المصدومون بضخامة الكارثة الإنسانية، بصورة دورية إلى تجليات جديدة؛ مثل تفجير النظام الذي أدى إلى حرمان 5.5 ملايين إنسان في دمشق من المياه الجارية: وهذه حريمة حرب محتملة وفقاً للجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة. فما مدى صلة هذه المجموعة القاتلة بمستقبل سوريا؟

 

وتشير وجهة النظر هنا إلى أن سوريا لا مستقبل لها إذا بقيت جماعة الأسد في موقع يسمح لها القيام بما هو أسوأ، وهذا لا يعني عدم وجود متواطئين إلى جانب النظام ممن أسهموا في مسيرة الدولة نحو فشلها. ذلك أن تنظيم الدولة الإسلامية (ISIL أوISIS أو داعش)، يمثّل الفحش الذي طال انتظار القضاء عليه، وجبهة فتح الشام – جبهة النصرة سابقاً التابعة للقاعدة- تحارب الأسد مع سعيها للقضاء على البدائل الوطنية للمدمر الأساسي لسوريا. أما الانتحاريين في دمشق، فهم الأكثر وضاعة والأجبن، لكن النظام الذي أفرغ سجونه من المتطرفين الإسلاميين العنيفين بغية تشويه سمعة معارضته وتلويثها في اتباعه استراتيجية من عمليات القتال الجماعي كي يبقى على قيد الحياة، فقد كان في فئة خاصة تختلف عن الباقين.

 

وبعض السوريين الذين يعارضون الأسد لم يعودوا يتوقعون أو يطالبوا برحيله المباشر من سوريا؛ إذ إنهم مدركون أن روسيا وإيران، لتحقيق أهداف مستقلة إنما متوافقة، قامتا بحماية الأسد عسكرياً وتأمينه سياسياً. ولدى تفحصهم للقوى التي أُطلقت على السوريين نتيجة استعداد الأسد للقيام بأي شيء، أي شيء للنجاة، تجاوزت أفكارهم وضع الرئيس الفاقد للشرعية وركزوا بدلاً من ذلك على إنقاذ سوريا. والنتيجة التي توصل إليها البعض تتلخص في ضرورة إيجاد سبل لتناول الطعام مع الشخص المسؤول عن دمار سوريا بصورة أساسية، لمنعه من تناول كل شيء وقتل من يشاركونه المائدة.

 

أما شخصيات المعارضة التي تندرج في ظل هذه المجموعة، فهي التي تتفاوض مع روسيا، ولا يملكون أية فكرة حتى الآن عن كيفية تعامل إدارة ترامب مع سوريا. لقد راقبوا في ذهول إتمام إدارة أوباما لجولة دبلوماسية مدمرة ذاتياً؛ تلك الجولة التي تركت المدنيين السوريين بلا حماية ومكّنت الأطراف السيئة وهمشت دور الولايات المتحدة. وقد توصلوا، مثل تركيا، إلى أمرين: أن روسيا في سوريا مريض يُحتَمل شفاؤه، وأن إيران في سوريا موت محتّم. وقد اختار كلا الطرفين التعامل مع روسيا لمعرفة ما إذا كان إنقاذ المريض ممكناً.

وبالنسبة لموسكو، فقد خدمها الأسد في تحقيق هدف سياسي محلي ذي أهمية؛ ذلك أنه كان واجهة “دولة” نجحت روسيا في “حمايتها” من حملة باراك أوباما المزعومة في تغيير النظام. وفي زمن “الأخبار الوهمية”، يُعد اتهام السيد أوباما بمحاولته الإطاحة بالأسد عن طريق العنف إبداعاً من نوع خاص. والواقع، وهو أن معرفة موسكو بالفجوة المحيطية بين خطابات الإدارة النظرية والإجراءات الحقيقية هي التي مكنتها من التدخل عسكرياً دون التوجّس من العواقب السلبية.

 

ولكن الأسد بالنسبة لطهران، أكثر من مجرد ممثل للحفاظ على الدولة؛ فهو شريان الحياة لما يهم الجمهورية الإسلامية فعلاً: أي حزب الله في لبنان. وعلى غرار روسيا، فليس يخفى على إيران حقيقة جماعة الأسد؛ فسادها وعدم كفاءتها ووحشيتها المعروفة. لكن طهران تدرك وجهاً آخر للوضع؛ فمن بعد الأسد لا وجود لرغبة سورية في إخضاع البلاد لحكم المرشد الأعلى أو سيطرة الأمين العام لحزب الله.

ومع ذلك، تود روسيا أن ترى الأسد يتحوّل إلى معالج يوحد بلاده وقادر على قيادة عملية المصالحة وإعادة الإعمار، إلا أنها تعلم عميلها جيداً. وتعلم ايضاً أنه كي تنجو سوريا كدولة موحدة، وتخرج من هذا الدمار الهائل، وكي تكون منصة إقليمية مفيدة لعرض النفوذ الروسي، فلا بد للآخرين، ومن بينهم الكثير ممن يناهضون النظام، لا بد وأن يصعدوا على متن القارب ويشاركوا بالتجذيف. غير أن موسكو تدرك استحالة حصول هذا بوجود تنظيم الأسد الذي يتمتع بمطلق الحرية في ممارسة القتل والتعذيب والتجويع والترويع.

 

لكن إيران ليس يهمها إن تعرضت منهجية الأسد للخطر. ففي حال ظل رجل مصالحها يحكم “سوريا المفيدة”؛ وهو قسم من البلاد يضم المدن الكبرى مقابل البحر المتوسط ويقع على الحدود مع لبنان، فستظل سوريا ساحة التدخين بالنسبة لها على قدر اهتمام طهران. وانطلاقاً من معرفتها بأن عميلها لن يحيا إلى الأبد، تقوم إيران ببناء تنظيمات مسلحة على نمط حزب الله للسيطرة على ما تبقى من سوريا، كما تفعل في لبنان. كما إن المقاتلين الأجانب الذين تقودهم إيران، والقادمين من بعيد، فإنهم يشكلون في الواقع تحدياً لجميع المحاولات الرامية إلى وقف شامل لإطلاق النار.

منذ 6 أعوام، تورط بشار الأسد في عملية قوّضت قدرته بالكامل على حكم سوريا بالطريقة التي اتبعها ووالده على امتداد ال 40 عام الماضية. ومع ذلك، ما يزال وعائلته وعصابته على صلة بوضع سوريا. ونظراً لأنه عميل لإيران، فهو يمثل العائق الرئيس أمام إعادة إحياء سوريا، وموسكو تعلم حقيقة الوضع. لكن، هل ستتصرف موسكو؟ هل هي قادرة على التصرف؟ هذه أسئلة يسعى السوريون القوميون والوطنيون بإلحاح للحصول على إجابات لها. وإن قيامهم بهذا هو النتيجة الحتمية للغياب الذي فرضته أمريكا على نفسها.

 

رابط المادة الأصلي: هنا.



صدى الشام