معركة الرقة على الأبواب .. وسد الفرات في المرمى


دخلت “معركة الرقة” مرحلةً جديدة مع اقتراب القوات المناط بها مهاجمة المدينة من حدودها الإدارية ومن سدّ الفرات الذي أثيرت مخاوف من انهياره نتيجة تعرضه للقصف وانقطاع التيار الكهربائي عن مَعدّاته، في وقت تصاعدت حدة المعارك في الريف الشمالي لمدينة حماة بين قوات المعارضة والنظام الذي لجأ إلى سياسة الأرض المحروقة في مواجهة تقدم المعارضة سواء في حماة أو دمشق ودرعا إضافة إلى إدلب.

وبعد إعلان تنظيم الدولة خروج السدّ على نهر الفرات في ريف الرقة الغربي عن الخدمة بشكل كامل، محذرًا من انهياره في أية لحظة، شهدت المدينة حركة نزوح واسعة قبل أن تتدخّل سيارات “الحُسْبة” التابعة للتنظيم لتهدئة الناس وتقول لهم إن خطر انهيار السد زال، وتطالبهم التزام بيوتهم، وإن ثمّةَ جهوداً لتأمين هدنة من أجل إصلاح السد.

وكانت وكالة “أعماق” التابعة للتنظيم نقلت عن مصدر في “ديوان الخدمات” تأكيده “خروج سد الفرات عن الخدمة وانغلاق جميع البوابات، بفعل الغارات والضربات المدفعية الأمريكية المكثفة”، وأوضح المصدر أنّ تَوقُّفَ عمل سدِّ الفرات جاء نتيجة انقطاع التغذية الذاتية من التيار الكهربائي ما أدى إلى خروج جميع تجهيزات وأقسام السد عن الخدمة بشكل كامل محذرًا من انهياره في أية لحظة نتيجة “الضربات الأمريكية والارتفاع الكبير في منسوب المياه التي يحتجزها السد”. وأشار الديوان إلى أنه غيرُ قادر على إرسال ورشات الصيانة إلى سد الفرات بسبب القصف الأمريكي المكثف على المنطقة.

ويتعرض السد، وهو الأكبر في سوريا، لغاراتٍ جوية من طائرات التحالف منذ مطلع العام الجاري، بالتزامن مع تقدم بري لـ “قوات سوريا الديمقراطية” ( قسد) في محيطه.

وحسب الناشط الإعلامي “أبو شام الرقّة” فإن “أكثر من مليوني شخص مهدّدون بخسارة أرواحهم وممتلكاتهم وغرقِ قراهم بفعل خروج سد الفرات عن الخدمة واحتمال انهياره”، مضيفاً أنه في حال انهيار السد فإن مدينتي الرقة ودير الزور ستُغَمران بالمياه مع تدميرٍ كاملٍ للبنية التحتية حتى الحدود العراقية”، مُوضحاً أنه منذ حوالي الشهر يتعرّض السد للقصف بالمدفعية الأمريكية ومدفعية ميليشيا “قسد” التي تُصعّد حملتها العسكرية على منطقة السد وتستخدمُ جميع الوسائل المتاحة للسيطرة عليه.

وتبلغُ الطاقةُ الاستيعابية لسد الفرات نحو 11 مليار متر مكعب من المياه، ويوفر الكهرباء لمدينتي الرقة والطبقة وبعض بلدات دير الزور، وتؤكد تقديراتٌ متطابقة أن انهيار السد سيتسببُ بغرقٍ كاملٍ لمدينة الرقة، وغرقٍ جزئي في مدينة دير الزور، ومسحِ عشرات القرى في المحافظتين عن الخارطة.

وفي 15 شباط  الماضي أصدرت الأمم المتحدة تقريراً حذّرت فيه من احتمال انهيار سد الفرات وما يعنيه ذلك من كارثة إنسانية على سكان محافظتي الرقة ودير الزور، وقال التقرير إن منسوب مياه النهر ارتفع حوالي عشرة أمتار منذ 24 كانون الثاني الماضي، حيث إن القصف الجوي المستمر وإهمال إدارة السد أدّيا إلى أضرارٍ بالغة بجسم السد قد تؤدّي إلى انهياره، وأشار إلى أن أضراراً بالغة لحقت بمدخل السد بسبب الضربات الأمريكية الجوية، وبيّنت الأمم المتحدة أن الغارات الجوية على ريف الرقة الغربي بتاريخ 16 كانون الثاني استهدفت مَدخَل السد وهذا قد يؤدي بحال استهدافِهِ مرةً أخرى لانهياره.

ورغم هذه التحذيرات، بل بعدَها بحوالي عشرةِ أيام، استهدفت طائراتٌ أميركية مبنى المؤسسة العامة لسد الفرات المحاذية للسد بعدة غارات ما أدى لتدميرِ المبنى بالكامل.

وكان تنظيمُ الدولة سيطرَ على السدّ وعلى مدينتي الرقة والطبقة في نهاية عام 2013، واستمر الفريق الفني العامل في صيانة السد في عمله ولكن عدداً كبيراً من الفنيين غادروا مما عرّضَ السد للإهمال ونقص أعمال الصيانة خاصةً مع افتقاد التنظيم لقطع الغيار.

ومع بدء التحضير  لمعركة الرقة توالت تحذيراتٌ من انهيار السد حتى قبلَ وصولِ المعارك إلى منطقته حيث ادّعت الولايات المتحدة أنّ تنظيمَ الدولة قام بتفخيخِ السد، على غرار تحذيراتٍ مشابهة أُطلقت في العراق من أن التنظيم قد يُفجِّرُ السد هناك الأمرُ الذي ثبَتَ عدَمُ صحّتِهِ حيث تمكّن التحالف من السيطرة على سد الموصل.

وحسب صحيفة “ازفيستيا” الروسية فان التنظيم لا يحتاج لتفجير السد إذا أرادَ إعاقة الهجوم عليه، ويكفي فتحُ بواباتِ السد الثمانية لتقطَعَ المياهُ الطريق، وبالتالي يبقى السؤال عمن لديه المصلحة بانهيار السد لا سيما أنَّ الأطرافَ التي استهدفت السد عملياً حتى الآن هي قواتُ النظام وطائراتُ التحالف والميليشيات الكردية.

ووفقَ تقديراتٍ مختلفة، فإنّ انهيارَ السد خلال أقلَّ من عشرِ دقائق سوفَ يُؤدّي إلى تدفقِ المياهِ إلى سدّ البعث الذي يبتعد عن سد الفرات نحو 30 كيلومتراً، ويحجِزُ في بحيرته 90 مليون متر مكعب من المياه، وستجرفه السيول لينضم إلى الكارثة متجهاً إلى الرقة بسرعة تتجاوزُ 120 كيلومتراً/ساعة، وخلال أقل من نصف ساعة ستصل المياه إلى الرقة، وتغمرها بارتفاع قد يتجاوز 20 متراً، وخلال ساعتين ستصل إلى دير الزور ومنها إلى البوكمال والعراق.

ووفقاً للمهندس المدني منير سويد فقد رأى أن أكثر من 300 بلدة وقرية ومدينة ستُزال عن بكرة أبيها في حال حدوث تصدّع في سد الفرات وطوفان مياهه إلى اليابسة، ويضيف سويد أن الارتجاج الذي يصيب السد نتيجة القصف، والحمل الزائد عليه من المياه نتيجة الأمطار، إضافة للتصدّع والخروقات في بنيته مهما كانت بسيطة، قد تؤدّي إلى انهيار السد وفيضان المياه.

في غضون ذلك تُواصِلُ ميليشيا ” سورية الديمقراطية” تقدُمَها باتجاه الرقة، وأعلنت الميليشيا سيطرتَها على قريتي “عجل” الغربي والشرقي الواقعتين غربي مدينة الطبقة،  قبل أن تُعلن سيطرتها على مطار الطبقة العسكري جنوبي مدينة الطبقة بريف الرقة الغربي، بعد انسحاب قوات تنظيم الدولة منه، وقالت المعلومات إن قوات التنظيم فجّرت عدة أبنية داخل المطار وخربت مواقع عسكرية فيه قبل الانسحاب منه بعد معارك عنيفة دارت بين الطرفين.

 

 

معارك حماة

في غضون ذلك تواصلت حملة القصف العنيفة التي تقوم بها قوات النظام على مناطق مختلفة في البلاد، وخاصة في محافظات حماة وإدلب ودرعا، واستهدفت الغارات للمرة الثالثة خلال يومين مدينة اللطامنة في ريف حماة الشمالي ببراميل متفجرة تحوي غاز الكلور السام ما أوقع عشرات حالات اختناق، فيما أعلن “جيش العزة” عن استهداف مروحيات النظام أحد مقراته العسكرية في بلدة اللطامنة ببرميل متفجر يحتوي غاز الكلور ما أوقع أكثر من 20 حالة اختناق في صفوف المقاتلين والمدنيين.

وكان النظام استهدف مستشفى مدينة اللطامنة في ريف حماة الشمالي بالكلور، ما تسبب بوفاة طبيب وإصابة عشرات المدنيين بحالات اختناق، لتعلن مديرية صحة حماة خروج المشفى عن الخدمة بشكل كامل، وبسبب ضراوة القصف الذي يقوم به طيران النظام والطيران الروسي طالب “المجلس الثوري” لمدينة حلفايا الواقعة في الريف الشمالي لمحافظة حماة سكان المدينة بإخلائها ومغادرتها.

وتلجأ قوات النظام إلى هذا القصف المكثف بالطيران والمدفعية في إطار مساعيها لاسترجاع ما خسرته في الأيام الماضية أمام المعارضة والتي استطاعت خلال أيام السيطرة على مساحات واسعة من الريف الشمالي لحماة تصل إلى 20 قرية وبلدة ونقطة عسكرية، ورغم عدم نجاح مقاتلي المعارضة في السيطرة على بلدة قمحانة الموالية للنظام حتى الآن، إلا أنهم تمكنوا من صد مجمل الهجمات التي قامت بها قوات النظام، ولم ينسحبوا سوى من بلدة كوكب إضافة إلى حاجز في الريف الشمالي الغربي.

ويَطال القصف أيضاً محافظة إدلب بعشرات الغارات الجوية والتي استهدفت إحداها مبنى كلية التربية ما أدى إلى وقوع جرحى في صفوف المدنيين، وقال ناشطون إن الطيران الحربي شلّ الحركة في مدينة إدلب، بينما دوّت صفارات الإنذار محذرة من القصف الجوي، وقد أغلقت الدوائر الرسمية أبوابها في في إدلب إضافةً إلى إغلاق الجامعات والمشافي والمدارس تخوفاً من الغارات.

 

معركة دمشق

وفي العاصمة دمشق تجددت الاشتباكات بين قوات النظام وفصائل المعارضة على محاور حي جوبر، بالترافق مع قصف لقوات النظام على مناطق الاشتباك ومنطقة تشرين في الأطراف الشرقية للعاصمة بعددٍ من صواريخ أرض – أرض، وذلك بعد تمكن قوات النظام من استرجاع المناطق التي سيطرت عليها قوات المعارضة في إطار معركة “يا عباد الله اثبتوا” التي أطلقتها الفصائل وسيطرت خلالها على مواقع هامة في المنطقة الصناعية الفاصلة بين حيي جوبر والقابون، إضافة إلى كراجات العباسيين التي تصل العاصمة دمشق ببقية المحافظات السورية.

وقد وثّق الدفاع المدني في ريف دمشق مقتل 63 مدنياً وجرح 214 آخرين، بينهم نساء وأطفال ومتطوعون في فِرَقه، جراءَ قصفِ النظام على مدن وبلدات منطقة الغوطة الشرقية خلال أسبوعٍ واحد، وجاء أعنف تلك الهجمات في القصف الجوي على بلدة حمورية بالغوطة الشرقية والذي تسبب في مقتل وإصابة عشرات المدنيين.

 

المنطقة الجنوبية

وفي محافظة درعا، أعلنت “غرفة عمليات البنيان المرصوص” التي تدير معركة “الموت ولا المذلة” ضد قوات النظام في درعا البلد مَقتَلَ العديد من ضباط قوات النظام خلال محاولة الأخيرة استرجاع المناطق التي خسرتها في حي المنشية بدرعا البلد، حيث دارات اشتباكات بين الجانبين، وردّت قوات النظام بحملة قصف عنيفة طالت مناطق مختلفة في محافظة درعا.

يأتي ذلك في وقت أعلنت فصائل المعارضة السورية سيطرتها على منطقتي “الكراع” و”المشرفة” شمال غربي محافظة السويداء، بعد طرد قوات تنظيم الدولة منها ضمن معركة “سرجنا الجياد”.

وقالت ناشطون إن تنظيم الدولة انسحب من نقاط يسيطر عليها شرقي السويداء،  بينما تقدمت فصائل المعارضة إلى مناطق أرض الكراع، الدياثة، والمشرفة، شرقي السويداء، وأشار الناشطون إلى أن مقاتلي التنظيم اتجهوا نحو “بئر قصب” الخاضعة لسيطرتهم في ريف دمشق، والمحاذية لريف محافظة السويداء الشرقي.  ويشارك في المعارك ضدّ التنظيم في هذه المنطقة فصائل معارضة، أبرزها “جيش العشائر” و”ألوية العمري”  و”جيش الإسلام”.

وتقول الفصائل إنها ستُلاحِق التنظيم إلى المناطق التي انسحب إليها في شنوان وتل أصفر وبير القصب وذلك بهدف تطهير منطقة الحماد في البادية السورية بالكامل، والوصول إلى مناطق المعارضة في القلمون، وذلك بالتزامن مع معارك تخوضها الفصائل ضد التنظيم في القلمون الشرقي والبادية السورية في ريفي حمص ودمشق، وكان التنظيم انسحب من منطقة  حوش حماد التابعة لمنطقة اللجاة في ريف درعا الشمالي الشرقي.



صدى الشام