الباحث في الجماعات الجهادية خليل المقداد لـ “صدى الشام”: فقدان تنظيم “داعش” للمدن الكبرى لن يُنهيه


فتحَ انحسار مناطق سيطرة تنظيم الدولة “داعش” في الأراضي السورية باب التساؤلات على مصراعيه حول أسباب هذه الخسائر المتتالية التي تكبدها التنظيم، إذ خسر في غضون شهر واحد ما يربو على 100 قرية وبلدة في ريف حلب الشرقي لصالح قوات النظام وفصائل الجيش الحر المنضوية تحت راية “درع الفرات”، بالمقابل تجري التحضيرات الأخيرة من قبل قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية، لمعركة الرقة المعقل الرئيس للتنظيم في سوريا.

فما هي البدائل العسكرية التي يمتلكها التنظيم، وما هي الخيارات التي قد يلجأ إليها تعويضاً عن خسائره خصوصاً وأن التركيز الدولي على محاربته وصل إلى مراحل تبدو حاسمة ولا يمكن التنبؤ بمآلاتها.

صحيفة “صدى الشام” حاورت الكاتب والباحث المتخصص بشؤون الجماعات الجهادية خليل المقداد الذي ألقى الضوء على عوامل عدة، من داخل وخارج التنظيم، سيكون لها دور في تحديد مصيره.

 

 إلى أي عوامل تعزو أسباب انحسار مناطق سيطرة تنظيم الدولة في الأراضي السورية عموماً؟ إلى محاربته بجدّية من قبل الأطراف التي تقاتله، أم إلى أسباب أخرى في بنية التنظيم داخلياً؟

فيما يتعلق بما جرى في حلب، لا بد من الإشارة إلى أن تنظيم الدولة من الأساس خارج الحدود الإدارية لمدينة حلب، وعلى ذلك فإن التنظيم كان يركز على المدن الرئيسة التابعة للمدينة، أي منبج وجرابلس والباب، لكن ما جرى فيما بعد من خلال إشراك أطراف جديدة والتنسيق فيما بينها ضد التنظيم كنظام الأسد ودرع الفرات والقوات الكردية في القتال في وقت واحد، بالإضافة إلى تكثيف التحالف الدولي وروسيا لغاراتهم على مناطق التنظيم، كل ذلك عزّز من الحرب على التنظيم، وبالتالي أصبح يجد نفسه أمام وتيرة قتال لم يعهدها من قبل، حيث كان في السابق يقاتل على جبهات منفردة، أي ضدّ كل طرف على حده، لكن ما يجري اليوم هو تنسيق بين جميع هذه الأطراف ضده، ونذكر هنا أن تركيا مارست الضغوط على الإدارة الأمريكية السابقة، وصرحت علناً بأن الولايات المتحدة تدعم التنظيم، وأنها لا تقدم الدعم المطلوب لتركيا في معركة الباب، التي بقيت تراوح مكانها لشهور، وبعد أيام فقط من تلك التصريحات بدأ تقديم وتكثيف دعم التحالف الدولي الجوي لمعارك الباب.

 

– هذا عن الأسباب العسكرية المرتبطة بالأطراف التي تقاتل التنظيم، ماذا عن الأسباب المتعلقة ببينة التنظيم داخلياً؟

هناك حقيقة يجهلها كثيرٌ من المتابعين هي أن التنظيم يعتمد على تقسيم مناطق سيطرته إلى ولايات، ولهذه الولايات الحرية في تسيير أمورها لكن وفق الخطوط العريضة له، ولذلك قد تختلف القوانين المحلية وطريقة القتال وإدارة المناطق وقوة عناصرها من ولاية لأخرى، وقد يكون لما جرى في حلب من تحالف للقوى ضد التنظيم، دور في اتخاذ قرارات مصيرية كما يبدو بالانسحاب من بعض المناطق في ريف حلب، وبالإضافة إلى ذلك لا يجب التقليل من شأن عمليات الاغتيال التي استهدفت قادة التنظيم، ومن أهمهم “أبو محمد العدناني” الذي كان مخطط السياسات في حلب وسوريا، فهو ابن المنطقة ولديه الكثير من العلاقات الواسعة، لكن بالمجمل لا يمكن القول إن هناك أسباب تنظيمية داخلية في بنية التنظيم تقف وراء خسائر التنظيم لكل هذه المناطق.

 

 

– تراجع التنظيم عن حلب بالمجمل، وقرع طبول الحرب في مدينة الرقة المعقل الرئيس للتنظيم في سوريا، ومعارك محتدمة في ريف دير الزور، وأخرى مستمرة في الموصل، هل هذا سيمهد إلى خسارة التنظيم لسيطرته مراكز المدن الرئيسية؟

مهما كانت الخسائر كبيرة بالنسبة للتنظيم، وحتى لو حُرِم من مراكز قيادته المركزية التي تعتمد على المدن الكبرى، فهذا الأمر لن ينهي التنظيم البتة، بل على العكس، ومع أن الحديث عن انتهاء سيطرة التنظيم على المدن الرئيسة ما زال باكراً، فنحن في النهاية لا نعلم ما يخفيه التنظيم من مفاجآت، ولا نعلم حتى أين سيضرب في المرة القادمة، ولنا فيما حدث لمدينة تدمر عِبرة، حيث اقتحم المدينة بعدد لا يزيد عن 400 مقاتل.

إن التنظيم يحاول استنزاف الجميع، وهذا الأمر تحديداً يربك القوات والأطراف التي تقاتله، وعلى ذكر مدينة الموصل، فالمعارك ما زالت على أشدها، وإلا لماذا تستخدم الولايات المتحدة القاذفات الاستراتيجية من طراز “بي-52” لضرب أهداف فردية وتحصينات صغيرة داخل مدينة مكتظة بالسكان؟

 

– الأسبوع الماضي نفّذت الولايات المتحدة بالتعاون مع مقاتلين أكراد إنزالاً جوياً غربي مدينة الطبقة، ورأى بعض المراقبين في هذه الخطوة استعجالاً من الولايات المتحدة على حسم معركة الرقة، من منظورك ما هي دلالة هذه الخطوة عسكرياً؟

 

ينسى بعضُ المتابعين تصريحاتِ ترامب في حملته الانتخابية، عندما قال إنه سيفعل ما بوسعه للقضاء على التنظيم، وإنه مستعد لإرسال قوات أمريكية على الأرض، بالتالي فإن الإنزال الجوي يعني ترجمة لتصريحاته بالدرجة الأولى، ويعني ثانياً أن الولايات المتحدة جادة في تأسيس منطقة نفوذ لها في سوريا تسمح بالتواصل مع المنطقة المشابهة لها في الشمال العراقي، من جانب آخر يبدو أن الإنزال فشل في تحقيق أهدافه، وهناك كما يبدو خسائر كبيرة للقوات الأمريكية لم يتم الإعلان عنها، ومن هنا يمكننا تفسير هذه الهجمات الانتقامية التي يشنها التحالف على المدنيين في الرقة والتي خلفت مجازر.
الولايات المتحدة تسعى لتعزيز قوتها في هذه المنطقة الغنية بالنفط، كما هو حال منطقة الساحل التي أصبحت منطقة نفوذ روسية.

 

 

 

– والحال كذلك، هل يمكننا الحديث عن تزاحم روسي أمريكي في سوريا، أم العكس على اعتبار أن الطرفين اختارا حليفاً واحداً أي قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي؟

وجود اتفاق شراكة بين روسيا والولايات المتحدة لا يلغي وجود صراع خفي بين الجانبين، ونحن نعلم أن ترامب براغماتي تماماً، هو رجل مال وأعمال وتصريحاته تدل على ذلك سواء تجاه الخليج العربي أوالعراق، ولذلك فإن كان هدف تدخله المعلن هو القضاء على التنظيمات الإرهابية، فإن المال يبقى هو المحرك الأول للإدارة الأمريكية.

  

– بالعودة إلى التنظيم، وبناءً على كل ما سبق هل يتجه “داعش” إلى تركيز قواته في سوريا، أم أنه سيواصل حشدها في العراق؟

في بداية الحرب على الموصل أشيع أن التنظيم كان يسحب قواته من العراق باتجاه الأراضي السورية، بينما وعلى العكس من ذلك كان يرسل التعزيزات من سوريا باتجاه الموصل في العراق، لكن الوضع الآن قد يختلف، وقد يدفع التنظيم نحو خلق حواضن جديدة له في سوريا، مثل دير الزور، وقد نجده في حماه أو حمص، ثم لا نعلم عن مكان تواجد أفراد “لواء جند الأقصى” القوي الذي لجأ إلى مناطق التنظيم مؤخراً.

 

-على هذا الأساس، هل ترجّح انتقال التنظيم إلى مرحلة جديدة من الصراع، أي إلى حرب العصابات؟

أعتقد أنه في حال خسر التنظيم سيطرته على مراكز المدن الكبرى، فسيكون حينها الأمر وبالاً على الجميع، حيث نعلم أن مجموعات المقاومة العراقية والقاعدة قاتلت الجيش الأمريكي دون أن تكون مسيطرة على المدن، إلى أن جاء التنظيم الذي استقطب الجميع، وأعلن عن دولته التي سيطرت على المدن فيما بعد، بالتالي فإن الأمر يتوقف على نقطة واحدة وهي إرادة القتال لدى عناصر التنظيم.

 

– ماذا عن مصير المدنيين في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم هناك، كما الحال في مدينة الرقة؟

للأسف هم يقتلوننا بالعشرات وبالآلاف، ثم يقولون لنا بأنهم يحاربون الإرهاب، وهذا يبثت زيف ادعاءات الغرب، وبكل تأكيد فإن هناك مجازر قادمة كبيرة، ونسأل الله السلامة وأن يحفظ أهلنا في كل مكان، وأقول هنا أن الأسوء لمّا يحدثْ بعد.

 

– في بيانه الأخير أكد مايكل راتني مبعوث الولايات المتحدة إلى سوريا أن “فتح الشام” هي من ضمن اللوائح الأمريكية للإرهاب، وأنت تحدثت فيما سبق خلال ظهورك على وسائل الإعلام عن احتمال اتحاد بين ” فتح الشام” وبين تنظيم الدولة، هل ما زال هذا الاحتمال مطروحاً اليوم؟

لقد استخدم البيان عبارات غير دبلوماسية، والأصح أن الجهة التي تولت صياغته، هي جهة تتبع إحدى الفصائل السورية، وهذا يدلل على حجم التنسيق الكبير بين بعض الفصائل والولايات المتحدة.

أما عن احتمال الاتحاد بين التنظيم والنصرة، فأنا كنت من المراهنين على ذلك، لكن اتضح فيما بعد أن صراع الأجنحة داخل هذه الحركات كبير جداً. التنظيم لم ينسَ أن أبو محمد الجولاني هو من شق عصا الطاعة، وكذلك الجولاني لديه حلفاء عانوا من تنظيم الدولة، وبالتالي هؤلاء سيدعمونه إلى النهاية لأنهم لا يملكون غير ذلك، لذا فإنني أستبعد هذا الأمر في الوقت الراهن وخاصة في ظل وجود القيادات الحالية في التنظيمين.

 

 

– هل من المتوقع أن تزاداد العمليات التي تعرف بـ “الذئاب المنفردة” في عواصم أوروبية في حال سقوط التنظيم، أي بمعنى استهداف مراكز حيوية أو حتى تجمعات بعمليات لها دلالات رمزية كما حدث في لندن مؤخراً؟

هذا الأمر مرتبط بقدرة التنظيم على اختراق هذه العواصم، التنظيم لم ولن يفوّت فرصة للضرب بالعمق في كل مكان من العالم، ونحن نذكر وصية المتحدث السابق للتنظيم “العدناني” بهذا الشأن.

 

 



صدى الشام