هل يُنهي ترامب الحقبة الأسدية


عبد الرحمن مطر

أضحت الضربة الأميركية لمطار الشعيرات خلفنا، تبعًا للتطورات المتلاحقة. لكن قد تبدو وكأنها فاتحة لعصر جديد، ليس بالنسبة إلى القضية السورية فحسب، وإنما على صعيدي العلاقات الدولية، وفي توجهات الإدارة الأميركية وسياساتها تجاه عدد من القضايا الدولية المعقدة. خصوصًا تلك التي لم تستطع إدارة أوباما مقاربتها بالصورة الملائمة، وتتيح إنتاج حلول لها. ولا سيما أن سياسات واشنطن اتسمت خلال حكم الديمقراطيين بإدارة الملفات الساخنة بآليات باردة، في أدنى درجات التعاطي الممكن، تقديمًا للمساعي الديبلوماسية، دون أن تتخذ إجراءات تحول دون انحدار الصراعات الى درجة الصفر في الالتزام بالقوانين والأعراف الدولية، ولا سيما في ما يتصل بجرائم الإبادة، وبانتهاكات الحقوق والحريات، واستخدام “مفرط للعنف”، بما في ذلك أسلحة محرمة دوليًا، على نطاق واسع ومكرر، كما يحدث في سورية.

في تطورات الموقف الأميركي، نلحظ التغيرات التي طرأت على مجمل السياسات المتصلة بالملف السوري، وبالطبع العلاقات مع الدول الأطراف الحليفة لدمشق، وانعكاس ذلك -من جهة ثانية- على مواقف الدول الحليفة لواشنطن التي صعّدت خطابها المناوئ للنظام الأسدي.

مع تولي ترامب إدارة البيت الأبيض، كانت التوقعات تشير إلى أن تعاونًا واسعًا، ستشهده العلاقات الروسية – الأميركية، في مسألتين أساسيتين هما سورية، ومحاربة الإرهاب، وبدا أن هناك تفهمًا لأولوية محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، مع احتمال التنسيق مع نظام الأسد عبر غرفة عمليات مشتركة، تضم موسكو وتل أبيب وعمّان، إضافة إلى واشنطن.

وفي خضم المدّ والجزر ما بين موسكو وواشنطن، ذهب الكرملين بعيدًا في تسيّده المشهد السوري، سياسيًا وعسكريًا، مستغلًا انغماس إدارة ترامب في معركة الرقة، وهي تواجه المصاعب والتحديات الجمّة على الأرض، مضافًا إليها تطورات معركة الموصل. تقييمات واشنطن، قادت إلى إجراء تغيّر في التعاطي مع المسألة السورية، عبر نيكي هالي، سفيرة الولايات المتحدة في مجلس الأمن، وما أثارته تصريحاتها، لجهة حقيقة الموقف الأميركي من نظام الأسد، تبع ذلك قصف جوي مركّز على قاعدة الشعيرات عقابًا مباشرًا لاستخدامه الكيماوي.

في مجملها، تركزت التصريحات الصادرة من ممثلي إدارة ترامب بأن الولايات المتحدة “لن تقف مكتوفة الأيدي أمام استخدام أسلحة كيماوية، ومن مصلحة الأمن القومي الأميركي منع انتشار واستخدام الأسلحة الكيماوية”.

ولكن استخدام الكيماوي، بأشكال متعددة، ضد المدنيين في سورية، تكرر عدّة مرات، بدءًا بحمص، في كانون الأول/ ديسمبر 2012، ولم تتوقف في خان شيخون. في اليوم التالي للضربة الأميركية، أعاد النظام استخدام الغازات السامة في ريف دمشق، وفي دير الزور قبل يومين، دون أن تعير واشنطن ذلك أي اهتمام. ما يجري في الواجهة، أمام الإعلام، مختلف عما يجري تداوله على طاولات صنع القرار، فالتقلُّب يبدو ظاهرة ستلازم حكم ترامب. لقد تمكنت روسيا من إعادة قاعدة الشعيرات إلى الاستخدام بعد يوم واحد، واستهدفت الغازات السامة المدنيين مرة تالية. وموسكو أجهضت مشروع قرار إدانة النظام، بحجة معروفة ثابتة وممجوجة، جوهرها أن المعارضة المسلحة، هي من استخدمت تلك الأسلحة التي حازتها بصورة غير مشروعة.

التحرك الأميركي الواسع، يعطي مؤشرًا رئيسًا إلى أن إدارة ترامب تستعيد المكانة التي أهدرها أوباما، عبر حشد القوة السياسي الذي تمظهر في المواقف الأوروبية –بخاصة– على أداء واشنطن في قاعدة الشعيرات. ثمة فارق كبير في أن تتطور المواقف إلى سياسات ضد النظام بكامل هيكلته، كما يفترض أن تقود اليه التصريحات، بعدم شرعية استمرار الأسد في السلطة. سبق أن قال ذلك أوباما، لكنه آثر تعزيز التعاون الأمني على اتخاذ إجراء جذري، يزيح عقبات الحل السياسي في سورية. وقاد ذلك -بشكل أو بآخر- إلى تراجع المجموعة الأوروبية عن التزاماتها تجاه ما يقترفه النظام وحلفاؤه من جرائم كبرى. لكن ترامب يعيد تلك الروح مجددًا، وهذا مؤشر إلى احتمال ولادة الحلف الذي قال ترامب انه يريد إقامته لإزاحة الأسد.

في اعتقادنا أن الولايات المتحدة، ليست في حاجة لحلف جديد، التفاهمات السياسية بين واشنطن وحلفائها، تبدو أنها سرعان ما تأطرت بتأثير القرار الأميركي المفاجئ بتنفيذ عمل عسكري، لا شك في أنه صادم، لكن معظم حكومات ودول العالم أيدت ترامب، على الرغم من مواقفها الصريحة من صعوده الذي يوفر بيئة ملائمة لتنامي تيارات اليمين في أوروبا، بتأثير مباشر من صعود ترامب.

بلا شك ثمة إشكاليات داخلية تواجه ترامب، منها عرقلة مشروعات قرارت وسياسات، كان قد عدّها من أولويات أدائه خلال المئة يوم الأولى، لتأتي تغيرات الأداء في السياسة الخارجية جزءًا من الاستعانة بما يعزز سياساته الداخلية، ويمنحه القوة لفرض برامجه الانتخابية، وبالطبع محو آثار سياسات أوباما؛ الهمّ الأكبر لترامب الذي ما فتئت لغة حراكه تصرخ: أنا هنا.

في عملية التشابك بين ترامب وبوتين، ليست هناك مؤشرات -حتى اليوم- تدل على أن واشنطن ستدفع موسكو إلى الانصياع لها، على الرغم من التقارب في كثير من المسائل، لكن علاقة البلدين مركبة وشديدة التعقيد، لإيران دور بارز في المشهد، وحلفاء إقليميين لكليهما.

اتضح من زيارة ريكس تيلرسون إلى موسكو، الأربعاء الماضية، أن الدرب طويل، شائك وشاق. وقد لا يكون فعليًا بمقدور الإدارة الأميركية القيام مجددًا بعمل عسكري، يستهدف نظام الأسد استهدافًا مباشرًا.

ولكن ترامب بغرائبيته، وتقلباته ومزاجيته، وميله إلى ممارسة العنف، بما فيه اللفظي، قادر على تشكيل جبهة دولية عريضة، تعمل على إزاحة الأسد، والإبقاء على النظام في سياق التعاطي مع مصالح موسكو، ومتطلبات الحرب على الإرهاب. امتناع الصين عن مؤازرة الفيتو الروسي الأخير، والتعاطي مع حلف الناتو، مؤشران مهمان في هذا السياق.

التعويل على دعم الولايات المتحدة خلال السنوات الماضية، لم يؤد الى نتائج ملموسة، فهل يمكن الوثوق بمرامي ترامب المعلنة؟ بمعنى هل أضحت أيام الأسد في السلطة معدودة؟

لقد شكلت “الحقبة الأسدية” حلقة مهمة في سياسات الولايات المتحدة، في الشرق الأوسط لنصف قرن. ومن الصعب تصوّر التغيير المؤمّل، في ضوء تبادل المصالح في العلاقات الدولية، وتغييب العدالة الدولية، وفي ظل غياب مشروع وطني، يعتدّ به السوريون، ينبثق عنهم، ويؤمنون به، ويعملون لتطبيقه.




المصدر