لكلّ حيوان تاريخ صلاحيّة


نجم الدين سمان

سأل مصطفى صديقَهُ آرام السوري:

– كيف حَكَم آلُ الوحش بلدَنا سورية 47 عامًا؟!

ردّ آرام: – بولائهم للمافيا الدولية!

– هذه تحتاج إلى شرحٍ مُفَصَّل يا آرام.

– خُذ مثلًا.. الوحش الجَدّ، حين أراد الانضمام إلى نادي الكبار في قريته، ولم يُعِرهُ كِبَارً قريته أيَّ اهتمام.

– فماذا فعل؟!

– ذهب إلى الأقوى منهم.. خارجَ قريته ليقدّم لهم فروض الطاعة.

– تقصد إلى الفرنسيين حين احتلّوا ساحلنا السوريّ آنذاك؟

– بلى.. طالب ببقائهم مُستَعمِرين لنا إلى الأبد، فأجازوا له أن يُوقِّع مع الكبار على إعلانِ دُوَيلةٍ طائفيّة!

ضحك اصطيف:

– وتحوَّلت كُنيَتُهُ من الوَحش إلى الأسد؛ تَيَمُّنًا بشعار سيارة البيجو الفرنسية.

علّق آرام:

– يُقال.. والعُهدة على مَن رَوَى، بأن جمال عبد الناصر حين زار اللاذقية والتقى وجهاءَهَا؛ اندسَّ الجَدُّ الوَحشُ بينهم مُقدِّمًا نفسه للزعيم الأكبر آنذاك، فانصدَم الزعيم: – “إيه كُنية الوَحش دِي، ما تخلِّيك أسَد مَرَّة واحدة!”

ضحِكَ اصطيف: – فَصَدَّق بأنّه.. أسد!!

– كمَا يُصدِّق مَن كانت قَدَمُهُ نُمرَة 38 بأنّ حذاءً نُمرَتُه 44 يَلِيقُ به!

– فكيف بدأت رحلةُ الوَحشِ الأبِ إلى نادي الكبار؟

– من الجيش.. كلَّما تمكَّنَ ضابطٌ بثلاثِ نجومٍ أن يقوم بانقلابٍ، ليغدوا رئيسًا بالعافية، أو.. بِصَمت الرعيّة عن انقلابه!

– أقصِد يا آرام.. مِن إعدامِ الجاسوس الإسرائيلي كوهين، أم.. مِن قَرَارِه بالانسحاب الكيفيّ من الجولان؛ عندما كان وزيرًا لدفاع النكسة في حزيران، أم.. مِن انقلابِهِ على رِفَاقِهِ في حِزبِه، مُحمِّلًا إيَّاهُم وِزرَ الهزيمة؟!

– من الثلاثة معًا.. حتى يُقبَلَ طَلَبُ انتسابِهِ لنادي الكِبَار في العالم.

فسأله اصطيف:

– سمعتُ كثيرًا بأنّ تشاوشيسكو كان إشبينَ الوَحشِ الأب في مَحفَلِ المافيا.

– تشاوشيسكو.. كان إشبينَ كُلِّ قادةِ الانقلابات العسكرية في العالم الثالث، سواءَ أكانوا في فَلَكِ الغرب الإمبريالي، أم في فَلَكِ الشرق السوفياتي.

– فمَن عَمَّد الوحشَ الأبَ قبلَ دخولِهِ دهاليزَ المافيا؟

– هنري كيسنجر حين وَقَّعا “كامب ديفيد” السورية بعد حرب 1973.

عَلّقَ اصطيف: – تلك التي ضمِنَت أمنَ إسرائيل 40 عامًا؛ مقابلَ رفعٍ عَلَمٍ في سماء القنيطرة المُدَمَّرة؟!

– وما تزال مضمونةً حتى الآن؟!

– فكيف انتقلت بطاقةُ “الماستر مافيا” من الوحش الأب، إلى الوحش الابن؟!

– في سُرادِق عَزَاءِ أبيهِ، شحنتها له السِتّ مادلين أولبرايت.

قال اصطيف: – كأنَّنا نغوصُ في رمالِ نظريةِ المؤامرة!

فابتسم آرام: – لا شيء يفرِضُهُ الخارجُ على الداخل، ما لَم تَكُن له استجابةٌ في الداخل، وبهذا تنتفي نظريةُ المؤامرة.

– حتى المؤامرة الكونية يا آرام؟!

– حتى هذه يا اصطيف، فلوا أراد المَرِّيخِيُّون إسقاطَ كلَّ رؤساءِ كوكب الأرض، وطنّشت شعوبهم عن ذلك، فلن يحصل أيُّ تغيير: حتى لو استباحتهم الأطباقُ المرِّيخيَّةُ الطائرة.

– لكنهم.. أزاحوا صدّام حسين بالقوة؟!

– كان ثُلثا العراقيين، وثُلثا دولِ العالم، مع إزاحته!

– فماذا عن ثُلثيّ السوريين الذين صرخوا: “يلّا.. إرحل يا بشار”، فلم يُرَحِّلُوه حتى الآن؛ بل عَوَّمُوهُ فوقَ دمائِنَا؟!

– لم تنتهِ بَعدُ.. مُدَّةُ صلاحيّته.

– ومتى تنتهي؟!

– حين يجدون له بديلًا يُناسبِهُم، وليس بالضرورة أن يُناسِبنَا، أقصد: كرزاي مُعَولَم.. بنكهةٍ سورية!

حَكَّ اصطيف أنفَهُ:

– عجيب.. كيف لا يعرِفُ الطغاةُ تاريخَ انتهاءِ صلاحيّتهم؟!

فابتسم آرام:

– هل سمعتَ بِعُلبةِ سردينٍ عرفت انتهاءَ صلاحيّتها؟!

أجابه اصطيف:

– كيف لها؛ وتاريخ صلاحيّتها مطبوعٌ على قَفَاها؟!

قال آرام: – ما أصعب أن يقرأ طاغيةٌ.. قَفَاه!

*- من مقامات آرام السوري




المصدر