جريدة الشؤون الدولية: حدود تدخّل أميركا منفردة في سورية


أنس عيسى

 

داليا داسا كاي، مديرة مركز السياسات العامة للشرق الأوسط، ومختصة أولى في العلوم السياسية في منظمة “RAND” غير الربحية وغير الحزبية.

 

 

الصورة: سفيرة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، تستعد للحديث خلال اجتماع مجلس الأمن لمناقشة الوضع في سورية. 12 نيسان/ أبريل 2017. ستيفاني كيث/ رويترز

 

باتت الضربات الصاروخية ضد القاعدة الجوية للحكومة السورية (شنّت ردًا على الهجوم المرعب بالأسلحة الكيماوية على المدنيين) بمنزلة آخر نسخة لاختبار “رورشاش”  في ما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة الإقليمية؛ فبالنسبة إلى داعمي تدخلٍ أميركي أقوى في سورية، أعطت تلك الهجمات الإشارة لبدء أكثر جهد أميركي جدية؛ للإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد من السلطة، سواء مباشرة أم بطريقة التفرقة بين روسيا والأسد؛ بينما يرى آخرون أن في تلك الضربات ردعًا ضد أي استخدام مستقبلي للأسلحة الكيماوية من جانب الأسد، وإضافة إلى إمكانية كونها ردعًا لفاعلين إقليميين آخرين كإيران.

شجعت الرسائل المختلطة التي أدلى بها مسؤولون مختلفون من إدارة ترامب المراقبين على فهم ما يودون فهمه فحسب، معززة بذلك التوقعات اللاواقعية عما تستطيع ضربة عسكرية محدودة فعله. في الحقيقة، لم يتغير إلا الشيء القليل جدًا، سواء على الأرض في سورية، في أعقاب تلك الضربات الصاروخية، أم فيما يبدو موقفًا جديدًا عدائيًا، بعد الهجمة، لإدارة ترامب تجاه كل من الأسد وداعميه الروس.

دعونا نبدأ مع الهدف الأساسي الأصلي للهجمات، وهو ردع الأسد عن القيام بهجمات مستقبلية بالأسلحة الكيماوية، لا أحد يعرف، بالتأكيد، كيف يفكر الأسد، ولكن باستطاعتنا أن نكون متأكدين من أن هدفه الرئيس يتجلى في البقاء. لم تهدد تلك الهجمة استمراريته، إذ برهن الأسد على ذلك بسرعة عندما شنت الحكومة السورية هجمات، تقريبًا فورية، ضد مناطق الثوار من الموقع ذاته الذي استهدفته الصواريخ الأميركية. من دون تهديد ذي صدقية لبقاء النظام، ليس من الواضح إن كانت تلك الضربات كافية لردع الأسد عن قيامه بهجمات كيماوية مستقبلية، في حال وجدها مفيدة في ترهيب السكان في الوقت الذي يحاول فيه استعادة السيطرة على البلاد.

ولدى الأسد الثقة بأنه سيكون على إدارة ترامب، بالضبط كحال الرئيس السابق باراك أوباما، الأخذ في الحسبان الدخول في مواجهة أوسع مع روسيا، إن كان هدفها النهائي إزالته من السلطة، وعلى الرغم من آمال بعض الأميركيين وغيرهم من المسؤولين الغربيين، بأن تعود روسيا إلى رشدها وتقوم، أخيرًا، باستبعاد الأسد، إلا أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، لم يبد إلا العلامات القليلة للقيام بذلك، واستمر في زيادة دفاعه عن الأسد في الأمم المتحدة، وفي معارضة الأدلة المتزايدة على مسؤولية الأسد عن الهجوم الكيماوي. وسار داعم الأسد الآخر، إيران، وراء قيادة روسيا، حتى إنها قد ترى مصالح أكبر في المحافظة على الأسد من أجل طموحاتها الإقليمية.

وعلى الرغم من تصريحات بعض مسؤولي الإدارة الأميركية، بصفتها سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، نيكي هيلي، التي تقترح أن أيام الأسد باتت معدودة، أكد مسؤولون آخرون ثبات سياسة الولايات المتحدة حيال سورية، وأن العمل ما يزال منصبًا على تفكيك جماعة الدولة الإسلامية، وليس على إزالة الأسد. لم يكن الروس سعداء بالهجوم، ولكن لا يبدو أن غايتهم الأخيرة في حماية النظام السوري قد تعرضت للتهديد.

في هذه الأثناء، لم تبدل تلك الضربات رغبة وقدرة الأسد على الاستمرار في ارتكاب المجازر بحق المدنيين، باستخدام الوسائل التقليدية –يحصل كل هذا في الصراع الذي قد قتل مسبقًا أكثر من 400.000 سوري، وأجبر أكثر من نصف سكان البلاد على النزوح. وبغض النظر عن الرضا عن كون تلك الضربات؛ بغرض تحميل الأسد المسؤولية عن الفظاعات التي ارتكبها، إلا أنها لم تؤدّ إلى تغيير جوهري في دينامية ست سنوات من “الحرب الأهلية” السورية الطاحنة، وقد تجعل زيادة التوتر الناجم مع روسيا من التوصل إلى اتفاقات وقف إطلاق نار، ومن إيجاد حل سياسي لإنهاء الحرب في نهاية المطاف، أكثر صعوبة.

تتطلب ترجمة التحرك العسكري الأميركي إلى مكاسب سياسية ممكنة ضرورة متابعة الضربة الصاروخية، بزيادة التنسيق الدبلوماسي مع الشركاء والمنظمات الدولية، وسيكون من المهم الاعتراف بحقيقة أن منافسين، كروسيا وإيران، لن ينحنيا لمطالب الولايات المتحدة؛ بسبب ضربة جوية، وسيبقيان حاسمان في عملية التوصل إلى حل سياسي لإنهاء الحرب السورية، سواء أحببنا ذلك أم لا.

في ميدان منع انتشار الأسلحة، تقترح تجارب الماضي في مجال مكافحة الأسلحة غير التقليدية وجود مقاربة من أطراف عدة، وأن مزيجًا من الأدوات العسكرية، وغير العسكرية، هو الأكثر فاعلية للتقليل، ومن ثم؛ إزالة تلك القدرات الخطِرة. فعلى سبيل المثال، أدى إنشاء المفوضية الخاصة للأمم المتحدة، بعد نهاية حرب “الخليج الفارسي”، المقدار ذاته الذي أدته الضربات العسكرية خلال الحرب في سبيل الكشف عن، وإزالة، أسلحة العراق الكيماوية والبيولوجية، وأثبتت ترسانة الأسلحة الكبيرة التي كُشف وجودها بعد نهاية الحرب، الحاجة الدائمة إلى وجود محققين دوليين على الأرض؛ لمواجهة ذلك التهديد مواجهة كاملة، وعلى الرغم من محاولات صدام حسين المتكررة التشويش على جهد مفتشي الأسلحة الدوليين، فقد نجحت المفوضية الخاصة، إضافة إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تدمير قدرة العراق على انتاج الأسلحة الكيماوية، ومعظم ترسانته من الأسلحة غير التقليدية في تسعينيات القرن الماضي. أظهرت تلك الحالة، وغيرها، محدودية الخيارات العسكرية لتدمير أسلحة كريهة كتلك.

سيكون لاتباع الضربات العسكرية بجهد دولي متضافر ومستديم إمكانية أعلى بكثير للنجاح، من دون أن نذكر أثر ذلك في إضفاء مزيد من الشرعية والموارد على جهد الحد من انتشار الأسلحة؛ لذلك، إن لم تُتلَ الضربات العسكرية الأميركية، أحادية الجانب، بجهد مستمر كذلك، سيكون من المرجح أن تستمر التهديدات بالأسلحة غير التقليدية الآتية من سورية.

يعدّ الجزء الأكبر من العمل الواجب إنجازه -مستقبلًا- عملًا دبلوماسيًا، وهو ذو صعوبة خاصة في ظل النقص الدراماتيكي في أطُر (كادرات) وزارة الخارجية. إضافة إلى ا أنه من الواجب تدعيم معاهدة حظر الأسلحة الكيماوية التي أجبِرت سورية على الانضمام إليها بعد اتفاق عام 2013 لإزالة ترسانتها من الأسلحة الكيماوية، ويجب على الولايات المتحدة، وغيرها، استثمار الموارد في منظمة حظر الأسلحة الكيماوية التي اتفاقات كتلك.

إضافة إلى ما سبق، باستطاعة الولايات المتحدة العمل مع حلفائها لوضع مزيد من الضغط على روسيا؛ لمحاسبة الأسد على خروجه عن اتفاقية عام 2013 التي توسطت في التوصل إليها.

إن دعم روسيا بقاء نظام الأسد شيء، وتواطؤها في دعم الخرق الفاضح لاتفاقيات التحكم بالأسلحة الدولية شيء آخر مختلف. لطالما بقيت الأسلحة الكيماوية المحرمة في سورية، لا يمكن استبعاد إمكانية أن يلجأ الأسد إلى استخدامها مرة أخرى.

ستحتاج الولايات المتحدة، إلى جانب مخاوفها المتعلقة بالحد من انتشار الأسلحة، إلى استراتيجية تتضمن شركاء دوليين، إضافة إلى اشتراك روسيا فيها؛ لإنهاء النزاع في سورية. من المرجح أن تظل المصالح الأميركية والروسية في تضاد، ولكن اكتشاف مصالح مشتركة؛ حتى ولو في التوصل إلى اتفاق وقف نار محدود، قد يهيئ الساحة لخطط أوسع لإنهاء الحرب. لا يوجد إلا مقدار ضئيل من المؤشرات، يوحي بأن الضربة على سورية قد جرت في سياق استراتيجية أعم، ولسوء الحظ؛ فإن الضربة وحدها قد لا تفضي إلا إلى تعقيد، عوضًا عن تسريع، قتال التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

لذلك؛ نعم من الواجب الابتهاج بحقيقة أن ارتكاب جرائم حرب سيستدعي جوابًا، ولكن علينا أن نخفف من توقعاتنا من أن تؤدي ضربة عسكرية أميركية محدودة إلى حل مشكلة سورية.

*ملاحظة: لقد نُشرت هذه المقالة في U.S. News & World Report في 14 نيسان/ أبريل 2017.

 

اسم المقالة الأصليThe Limits of Going It Alone in Syria
الكاتبداليا داسا كاي

Dalia Kassa Kaye

مكان وتاريخ النشرجريدة الشؤون الدولية

World’s Affaire Journal

18 نيسان/ أبريل 2017

رابط المقالةhttp://www.worldaffairsjournal.org

/content/limits-going-it-alone-syria

ترجمةأنس عيسى



المصدر