كيف تجعل طفلك مبدعًا ؟

إذا أردت تربية طفل مبدع ومستقل لا يتبع الحشود من حوله دون تفكير، فهي بالتأكيد مهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة. تحقيق هذا الهدف يبدو ممكناً من خلال تطبيق 3 نصائح عملية يقدمها أستاذ الإدارة بكلية وارتون بجامعة بنسلفانيا، ومؤلف كتاب “المبتكرون”، آدم جرانت.   يقول “جرانت” لموقع “بيزنس إنسايدر”: “يجب العمل على تشجيع الأطفال بأن تكون لهم هويتهم الخاصة وألا يكونوا أتباعاً للحشود الغفيرة”، وبحسب المؤلف فإن الآباء الذين لديهم أبناء مبدعون يفكرون بشكل مختلف حول كيفية تربية أبنائهم من خلال ثلاث نقاط مهمة:

يمدحون الطفل وليس الفعل الذي قام به

عندما تصنع ابنة “جرانت” عملاً فنياً جميلاً، بدلاً من أن يقول: “واو، هذا الرسم رائع حقاً”، يوجه لها حديثه قائلا: “رائع، أنتِ بالفعل شخص مبدع”، لأن هذا يساعدها على تطوير حسها الإبداعي بأفكار خلاقة. يوضح أنه “من المغري جداً تعزيز السلوك، وفي الحقيقة ما نريده هو مساعدة الأطفال لمعرفة أن هذا السلوك هو جزء من تكوينهم، وعندما يكبرون لا يفقدون إبداعهم”. تلك الفكرة من تحويل المدح إلى الطفل نفسه بدلاً من الفعل، جاءت من بحث وجد أن الأطفال باتوا أسخياء بعد مدح شخصياتهم، أكثر من مدح أفعالهم. ويقول “جرانت” في كتابه: “عندما يمدح أحد ما شخصياتنا، ندرك داخلياً أن هذا جزء من هويتنا”.

لا يضعون الكثير من القواعد

يشير “جرانت” إلى بحث أجرته كلية “بوسطن” يقارن بين عائلات الأطفال المبتكرين، وعائلات الأطفال أصحاب القدرات العادية، ووجد البحث أن عائلات النوع الثاني يضعون ما لا يقل عن 6 قواعد نظامية لأطفالهم، في حين آباء النوع الأول لا يضعون أكثر من قاعدة واحدة. يضيف “جرانت” لـ”بزنس إنسايدر” أنه “إذا كنت تريد أن يتبع ابنك القواعد، فمن المرجح جداً عندما يأتي الوقت لحل مشكلة ما، سينظر الطفل لطريقة حل المشكلة سابقاً دون التفكير في حل آخر”، ويؤكد أن هذا الكلام لا يعني ألا يكون هناك قواعد لكن “يجب أن يكون هناك حدود من أجل جعل الطفل يفكر بشكل خلاق”.

يستخدمون المنطق مع أطفالهم

يقول “جرانت” عندما أجرى الباحثون دراسة من أهم الدراسات خلال القرن الماضي، وتحديداً على هؤلاء الذين تحركوا لإنقاذ أشخاص من “الهولوكوست”، وجدوا أن الفارق الرئيسي بين هؤلاء الذين لم يحركوا ساكناً والآخرين الذين عرّضوا حياتهم للخطر من أجل إنقاذ آخرين، كان أهلهم يستعملون معهم المنطق أكثر من الآخرين، أي يشرحون لهم كل شيء. كما أن هناك دراسة أخرى أجريت عن المهندسين المعماريين الأمريكيين وجدت أن أكثر هؤلاء إبداعاً كان أهاليهم يستخدمون في تربيتهم أسلوب وضع معايير للسلوك مع شرح الأسباب وراء وضع تلك القواعد، مع تشجيع أبنائهم على التوصل إلى قيمهم الخاصة. في الدراسة الخاصة بـ”الهولوكوست” وجد الباحثون أن النقاشات التي شجعت الأطفال على النظر لأثر أعمالهم الجيدة على الآخرين، عززت رغبتهم في تقديم وفعل الأفضل. يتابع “جرانت”: “عندما تساعد الطفل على التفكير في عواقب أفعاله على الآخرين، فمن المرجح أنهم سيوجّهون إبداعهم في اتجاهات إبداعية وأخلاقية خلافاً لأفكار سيئة أخرى مثل سأقوم بفعل هذا الشيء لأنه ربما سيؤذي بعض الناس”.  

إصلاح التعليم باعتماد “اللعب” منهجاً.. هكذا نهضت فنلندا اقتصاديا

عام 1970، كان التعليم الفنلندي مترديا، نتيجة لوضع اقتصادي متدهور يعتمد على الغابات كمادة أولية لكثير من الصناعات السريعة. ووسط هذا المناخ من اليأس والإحباط، ولد حلم فنلندا القومي الحماسي بتوفير تعليم جيد في المدارس العامة لجميع الأطفال. تطلب هذا الهدف الواضح، ضرورة إصلاح سياسات التعليم بشكل جذري، وجذب وراءه مجموعات سياسية واجتماعية متباينة هدفها واحد وهو تحقيق حلم التعليم الجيد للجميع. وبعد مرور أقل من عقدين على مشروع الفنلنديين القومي، استطاعت فنلندا التربع على قمة الهرم التعليمي في العالم لأكثر من 15 عاما متصلة، ووصلت لمصاف دول العالم الأول اقتصاديا واجتماعيا، ليكن ما نراه الآن ليس سوى ثورة تعليمية حقيقية. وفي دستورها، تعهدت فنلندا بتوفير التعليم لكل طالب، ويشمل ذلك الالتزام بالتعلم مدى الحياة.

لا كتب دراسية.. لا نقاشات ضيقة

في تقريرها عن أهمية التعليم في السنوات الأولى من حياة الطفل، استعرضت صحيفة “جارديان” البريطانية، تجربة بناء فنلندا لنظام التعليم الأكثر إثارة للإعجاب في العالم. في فنلندا، التي اعتلى نظام تعليمها الشامل عرش أفضل نظم أوروبا التعليمية طوال العقدين الماضيين، لا تدور نقاشات ضيقة وساخنة حول إدارة المدارس وهيكلتها، وتضمن المدارس في نهاية المطاف النجاح والتميز الأكاديمي لكافة الطلاب، رغم عدم وجود قواعد نحوية أو كتب دراسية. ويصف التقرير مراكز رعاية الأطفال أو “الحضانة” في فنلندا بأنها ليس لها مثيل في أي مكان بالعالم. إذ تكون مجهزة بمختلف وسائل الترفيه والألعاب، ولا يفعل الأطفال شيئا سوى اللعب في ساحة الحضانة، ويتجول بينهم العاملون، يتحدثون ويراقبون ويكتبون ملاحظات. ويوافق الفنلنديون على هذا النظام، ويقولون إن أساس النجاح في المدارس بُني قبل دخول التلاميذ المدارس، والبعض قد يقول حتى إنه بدأ عندما كان تلاميذ المستقبل مجرد رضع يرتدون الحفاضات.  

الصحة والرفاهية قبل التعليم

الهدف الأساسي من التعليم في السنوات الأولى، ليس التعليم في صورته الرسمية، لكن تعزيز صحة ورفاهية كل طفل. وتساعد مراكز الرعاية الأطفال في تطوير عادات اجتماعية جيدة، مثل تكوين أصدقاء واحترام الآخرين أو حتى كيفية إرتداء ملابسهم بأنفسهم. ويعزز التوجيه الرسمي أهمية مرحلة ما قبل الدراسة في متعة التعلم وإثراء اللغة والتواصل. كما يكون هناك تركيزا على النشاط البدني، إذ تخصص المراكز 90 دقيقة على الأقل للعب في الهواء الطلق يوميًا. ويقول خبير التعليم الفنلندي، باسي سالبيرج لـ”جارديان”: “لا تركز الحضانات في فنلندا على إعداد الأطفال للمدارس أكاديميًا، لكن الهدف الرئيسي منها هو التأكد أن الأطفال هم أفراد مسؤولين وسعداء”. والمثير في الأمر، أن المدرسين أنفسهم يعتبرون اللعب هو عمل جاد، لأنه يعطي للأطفال مهارات حيوية للتعلم. وعلى سبيل المثال، لدى “فرانزينيا”، أحد مراكز رعاية الأطفال بفنلندا، 44 موظفا يعملون مع الأطفال، 16 منهم مدرس رياض أطفال، أكمل كل منهم دراسة 3 أعوام في هذا التخصص. كما يعمل 28 ممرض حضانة، حاصلين على عامين من التأهيل المهني. وتبلغ نسبة العاملين إلى الأطفال في “فرانزينيا” 1:4 لمن هم دون الثلاث أعوام، و1:7 لمن هم أكبر. يقول مدير مركز بحوث اللعب في التعليم والتنمية في جامعة كامبريدج البريطانية، ديفيد وايتبريد، إن اللعب في هذه المرحلة من تطور الطفل يساعد على إشراكه بنجاح في عملية التعلم، فبمجرد مشاركة الطفل في مهمة يستمتع بها، سواء كان تمثيل قصة أو تشييد مبنى، يتحمس الأطفال لصقل وتحسين مهاراتهم في تنفيذ المهمة لزيادة التحدي. ويضيف “وايتبريد” أن من وجهة النظر النفسية، يمكن رؤية كيف يساعد اللعب الأطفال في أن يكونوا متعلمين أقوياء، فالألعاب التي يتم تنظيمها بعناية تساعد في تطوير صفات عدة مثل التركيز، والانتباه، والمثابرة ومهارات حل المشاكل. وهذه الصفات إذا اكتسبها الطفل في عمر الرابعة تكون مؤشرًا قويًا على نجاحه الأكاديمي في المستقبل، مقارنة باكتسابها عندما يتعلم الطفل القراءة. ووفقا لـ”وايتبريد”، هناك أدلة على أن التعليم المبني على اللعب، لا يُثري تطور التعليم فقط، بل يقوي من تحصيل الأطفال ذوي الخلفية “غير المحظوظة”، الذين لا يتمتعون بنفس رأس المال الثقافي الذي يتمتع به أقرانهم الأغنياء.

الدولة تمول اللعب

سنوات التعليم الأولى في فنلندا مصممة وممولة لضمان استمرارها وارتفاع جودتها، فكل طفل لديه حق قانوني في رعاية ما قبل المدرسة ذات جودة عالية. وفي “فرانزينيا”، كغيرها من دور رعاية الأطفال المنتشرة في فنلندا، يوجد أطفال من خلفيات مختلفة بفضل الرسوم المدعومة من قبل الدولة، لأن  فنلندا، الدولة الأوروبية الصغيرة والمسالمة، تؤمن بأهمية الإبداع والتضامن والبراعة للمنافسة في الاقتصاد العالمي، وبالتالي لا يمكنها تحمل كلفة عدم المساواة أو التفرقة في التعليم أو الصحة. ووراء تصنيف فنلندا الرائد في التعليم، يوجد نظام أمان اجتماعي وصحي شامل لضمان أدنى معدلات فقر الأطفال في أوروبا، وتحقيق أعلى مستويات الرفاهية الإجتماعية. ويقول أستاذ التربية في جامعة هلسنكي،غونيلا هولم، إن الهدف من مثل هذا النظام هو أن نرتقي معًا.