“مزاج” السوري: أغنياتي تعتبر جريمة في نظام الأسد


اقترنت الثورة السورية بالإبداع الفني، حيث لجأ عدد كبير من السوريين لابتكار أساليبهم الخاصة ليعبروا بشكل فني عن موقفهم مما يحدث في محيطهم، فأفرزت الثورة آلاف المواهب الشابة، وشكلت نقطة الانطلاق للفنانين الجدد؛ وقد لجأ عدد كبير من الشباب السوريين إلى أسلوب “أغاني الراب” للتعبير عن أنفسهم، ومنهم “مزاج”، الذي التقت به “العربي الجديد”، وأخبرنا عن حكايته مع أغاني الراب:

“بدأت حكايتي مع الراب من خلال استماعي لأغاني فرقة “دام” الفلسطينية، والتي تعتبر أول فرقة راب عربية، لم أفهم حينها الأغاني بشكل جيد، ولكنني أعجبت بالإيقاع السريع واستسغته، فعندما استمعت لأغنية “خذيني إليك” للفرقة ذاتها، عملت على نشرها، وأسمعتها لأصدقائي، فاستغربوا من النمط الجديد، وزاد ذلك من تعلقي بهذا النمط من الغناء؛ وبعد فترة، أصبحت أكتب الأغاني التي أسمعها، وأعيد غناءها؛ واستمرت هذه الحالة قرابة 7 سنوات، كنت مستمعاً نهماً فقط، أتابع كل إصدارات الراب العربية، فأنا تعرفت على نمط الراب من خلال العرب، وليس من خلال الأغاني الأجنبية؛ وفي سنة 2008 حاولت أن أكتب أغنية راب لأول مرة، وحاولت أن أبحث عن الطريقة التي من الممكن أن تؤدي بي لصناعة “الرتم”، كما بحثت بالـ”سيموتيكس” وبجماليات الحرف، فالراب لم يكن مجرد هواية بالنسبة لي”، ويضيف “مزاج”: “وأما أول “تراك” أنتجته كان بعنوان “طبشور لحيتك”، وتزامن ذلك مع بداية الثورة، فكتبته سنة 2011، ونشرته سنة 2012، ضمن فرقة “بعدني قاش”، وهي الفرقة الأولى التي اشتركت بها”.

وأما عن دور الثورة بمسيرة “مزاج”، فيقول: “بالطبع، للثورة دور كبير، فهي التي خلقت المشهدية التي أنقلها بأغنياتي، رغم أنني لا أستطيع أن أدعي بأن ما قدمته هو أغان ثورية، ولكن الثورة هي التي خلقت الظروف والموضوعات التي تناولتها؛ فأنا كفنان، من غير الممكن أن أنفصل عن الواقع، ومن غير المنطقي أن أكتب أغانيَ عن عيد الأم مثلاً، وأنا تحت القصف وفي خضم المعركة، فموضوع الثورة موجود في أغنياتي بحكم الظرف الإنساني الذي عشت فيه، ولكن ما قدمته لم يمثل رأياً سياسياً، وإنما يمثل هموم وأفكار الضحايا الذين خلفتهم الحرب”.
وعن نشاط “مزاج” الفني في سورية، يقول: “عندما كنت أسجل أغنية في سورية، كنت أحاول أن أخفض صوتي، كي لا يسمعني من هم في الخارج، فكنت أخاف من الجيران والغرباء، فارتديت قناعاً واتخذت اسماً مستعاراً لأتمكن من ممارسة نشاطي الفني؛ فما كنت أقدمه في سورية كان يعتبر جريمة بالنسبة للأجهزة الأمنية، وحتى بالنسبة للكثيرين من الناس العاديين؛ كما أنني اضطررت لأن أحذف أول “تراك” نشرته على “يوتيوب” بسبب التهديدات التي تعرضت لها عندما قمت بنشره، فنحن كنا محاصرين فنياً؛ وأما عن الجمهور في سورية، فكنت أقابل في بعض الأحيان أشخاص يعرفون “مزاج” ولكنني لم أكن أجرؤ على إخبارهم بأنني أنا “مزاج”، فأنا أخفيت شخصيتي الفنية حتى عن جيراني بنفس الحارة ونفس البناء، فعملي الفني كان محصوراً بين أربعة جدران، وكان ملاذي الوحيد هو قناة “يوتيوب” الخاصة بي”.

وعن دور المنصات الإلكترونية، يقول “مزاج”: “منصات الإنترنت كانت البوابة، التي أدركت من خلالها كيف أتمكن من الخروج من العزلة إلى الشارع لأقول ما لدي، ولم يكن لدي أي طريق آخر غيرها؛ وكذلك فإن لهذه المنصات الدور الأكبر بوصول صوتي للناس، فقبل “يوتيوب” و”فيسبوك”، لم يكن لدي متابعون.
لا يزال “مزاج” متمسكاً بعد الإعلان عن اسمه الحقيقي حتى بعد أن خرج من سورية، وبرر لنا تمسكه بالاسم/ القناع: “إن الظروف التي عشتها داخل سورية جعلتني أتعلم بأن أكون حريصاً، وما زلت أحسب تحركاتي وتصرفاتي، ولا سيما أنني خرجت من سورية منذ شهرين فقط، بعد أن تخفيت وانعزلت في منزلي منذ ما يقارب أربعة أعوام، بسبب مشاكل أخرى لا تتعلق بالفن، وهي عدم التحاقي بخدمة الجيش السوري؛ فأنا لم أشعر بأن الجرح النفسي قد التأم بعد، فأنا حتى اليوم أتوجس من وجود دركي في المكان، حتى بعد أن أصبحت في بلد مختلف كلياً”.

وعن علاقة “مزاج” بخشبة المسرح، وبالحفلات الحية، يقول: “لم أقف على خشبة مسرح للغناء سوى مرة واحدة، عندما كنت في سورية، وكان ذلك قبيل خروجي بأسابيع قليلة؛ حيث اتفقت مع أصدقائي الذين يملكون مقهى في دمشق، بأن أقوم بتنظيم حفلة “آندرغراوند” لا ندعو إليها سوى الأشخاص المقربين والموثوقين، من دون أن نطبع “بوسترات” أو حتى نقيم دعوة على “فيسبوك”؛ ومع ذلك، فإن الأمن ذهب للمقهى بعد الحفلة بيومين، ليستفسر عن “المسخرة” التي كانت، على حد تعبيرهم. كان شعوري عندما وقفت على خشبة المسرح الصغيرة، الموجودة في المقهى، خليطاً من الفرح والخوف وعدم الارتياح، ربما لأنني كنت أشعر بأنني أخاطر بحياتي، ولم أتمكن من الوقوف على خشبة المسرح بعدها، إلا بعد أن وصلت إلى بيروت، حيث شاركت بحفلة صغيرة في البداية، ثم شاركت بحفلة “عالغيمة” التي كانت أول حفلة كبيرة أقيمها بحياتي”، وأضاف “مزاج”: “لكن حلمي كان أن أقدم ما لدي بحرية على مسارح دمشق، ولايزال هذا الحلم مستمراً وعصياً على التحقيق”.
وعن مشاريع “مزاج” في الأيام المقبلة، يقول: “أشعر بأنني بحاجة إلى وقت؛ نعم، هناك خطط ومشاريع لصناعة ألبوم، ولكنني أشعر بأنني بحاجة لوقت كاف لأتأقلم مع عالمي الجديد، بعد العزلة التي رافقتني أعواماً”.



صدى الشام