ما هو الإدمان الرقمي الذي يعد أخطر من الكحول والمخدرات؟
24 نيسان (أبريل - أفريل)، 2017
قد تشعر في وقت ما أنك ربما تكون بحاجة إلى الخضوع لأساليب علاجية – قد تكون ذات طابع رقمي – وذلك إذا بدا لك أنه ليس بوسعك مقاومة إغواء تصفح ما يرد على حساباتك على مواقع مثل “فيس بوك” و”إنستغرام” خلال ساعات عملك، أو إذا شعرت بالقلق حينما لا تتسنى لك الفرصة للنظر بين الحين والآخر في شاشة هاتفك الذكي، أو عندما تكون في منطقة لا تتوافر فيها شبكة تغطية.
وشهدت السنوات الماضية محاولات مستمرة من جانب مستخدمين لمواقع التواصل الاجتماعي لتلقي علاج على يد متخصصين، بعدما وجدوا أنه من المستحيل الابتعاد عن الأجهزة الإلكترونية الخاصة بهم، حتى عندما يرغبون في ذلك.
الأمر الإيجابي هنا أنهم يستجيبون لما يخضعون له من علاج، فهناك معالجون يقدمون لهم المشورة، ومدربون مختصون بالصحة الذهنية يوفرون أماكن يقضي فيها من يعانون من هذا النوع من الإدمان فترة امتناع عن التعامل مع الأجهزة الإلكترونية، أو ما يُعرف بفترة لـ “التخلص من السموم الرقمية”.
كما توجد شركات ناشئة تعمل في هذا المضمار لتحسين الصحة الذهنية للعاملين في المؤسسات والشركات.
لكن الأمر ينطوي على أعباء مالية بطبيعة الحال، فمن يرغب منهم في حضور جلسة علاجية لمدة ساعة، سيتكبد رسوماً قد تصل إلى 150 دولار. أما من يريد الإقامة لفترة أطول في أماكن تُعد بهدف مساعدة المقيمين فيها على “التخلص من السموم الرقمية”، فسيدفع أكثر من 500 دولار، وذلك للبقاء عدة أيام في هذه الأماكن، التي تُجهز على غرار المعسكرات.
ويقول “ناثان دريسكِل”، وهو معالجٌ يعمل في مدينة هيوستن بولاية تكساس الأمريكية، إن عمله يلقى رواجاً في الوقت الحالي. وخلال السنوات القليلة الماضية، زاد عدد من يطلبون مساعدته لمواجهة ما يُعرف بـ”إدمان وسائل التواصل الاجتماعي” بنسبة 20 في المئة، إلى حد أن هؤلاء باتوا يمثلون – بحسب قوله – نصف عدد مرضاه تقريباً.
مرض غير مصنف
ولابد هنا من تأكيد أن “إدمان مواقع التواصل الاجتماعي” لم يُصنف بعد رسمياً كـ”خلل مرضي” من قِبل معدي كتب التصنيف الطبي، مثل الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية الذي تصدره الرابطة الأمريكية للطب النفسي، والذي يشكل المعيار المُعترف به على نطاق واسع لتصنيف مثل هذه الاضطرابات.
ورغم أن اعتبار ذلك النوع الفريد من الإدمان اضطراباً عقلياً لا يزال موضع جدل، فإن بعض المعالجين، ومن بينهم “دريسكِل”، يعالجون من يعانون منه بالطرق نفسها التي يلجأون إليها لمعالجة الأنواع الأخرى من الإدمان.
ويقول “دريسكِل” إن التأثير النفسي الذي تُخلّفه مواقع مثل “فيس بوك” و”سناب شات” وغيرهما من المنصات الرقمية، قد يكون في بعض جوانبه أكثر صعوبة في العلاج مُقارنةً بأنواع الإدمان الأخرى المُصنّفة والمعترف بها طبياً.
ويضيف أنه أسوأ من إدمان الكحول أو المخدرات لأنه يتضمن قدراً أكبر من التفاعل، ولا توجد وصمة عار تلحق بمن يعانون منه. ويتقاضى “دريسكِل” 150 دولار في الساعة، ويعالج مرضاه من خلال جلسات أسبوعية تستمر ستة أشهر على الأقل.
أما “توك سبيس”، وهي شركة ناشئة مقرها نيويورك، فتوفر خدمة تقديم الاستشارات على الإنترنت بحسب الطلب، من جانب شبكة معالجين تضم نحو ألف شخص.
وتقول “ليندا ساكو”، نائبة رئيس الشركة لشؤون الخدمات الصحية المتعلقة بتقويم السلوك، إن “توك سبيس” بدأت منذ عام 2016 في تصميم أساليب علاجية خاصة للتعامل مع المشكلات المتعلقة باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي هذا الإطار، أطلقت الشركة – بحسب “ساكو” – برنامجاً متخصصاً في مشكلات التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي يستمر 12 أسبوعاً. ويهدف البرنامج إلى مساعدة من يعانون من إدمان الإنترنت، وذلك في إطار خطة علاجية أوسع نطاقاً.
ومن بين الأساليب العلاجية التي تقدمها الشركة، أسلوبٌ يقوم على إرسال رسائل نصية للمرضى، برسوم تبدأ من 138 دولاراً في الشهر. أما الجلسات التي تتضمن حواراً مباشراً بين المرضى والمعالجين، فتصل قيمة رسومها إلى 396 دولاراً.
وفي عام 2014، أسست “أوريانا فيلدينغ” شركة “ديجيتال ديتوكس” في العاصمة البريطانية لندن، وذلك بعدما أجرت بحثا بشأن كتاب يتناول مسألة الاسترخاء من خلال الابتعاد عن نمط الحياة المعتاد، بما يتضمنه من تواصل مستمر عبر التكنولوجيا.
وتتعاون “فيلدينغ” في الوقت الراهن مع بعض الشركات لمساعدة موظفيها على استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بحكمة، بدلاً من تركهم ليديروا أمورهم في هذا الشأن بأنفسهم.
وتقول “فيلدينغ” – التي يبلغ ما تتقاضاه من رسوم 748 دولاراً يومياً في المتوسط – إن شركتها تعمل على “إعادة صياغة علاقتنا بالتكنولوجيا”. وتشير إلى أنه بوسع المسؤولين التنفيذيين في الشركة المشاركة في ورش عمل إضافية تركز على مسألة زيادة الإنتاجية.
جدوى العلاج
ويحذر الخبراء من الإفراط في الاعتماد على أساليب علاج تقوم على تدريب من يعانون من “الإدمان الرقمي” على الاستخدام الواعي لمواقع التواصل الاجتماعي، أو تلك التي تعتمد على دفع هؤلاء للإقامة في أماكن لـ”التخلص من السموم الرقمية”، دون أن يهتم المعالجون بمتابعة حالات مرضاهم بعد ذلك.
ويرى “دريكسِل” أن سعي المرء للتخلص من تلك “السموم” خلال فترة العطلة الأسبوعية أو حتى لأسبوع كامل يقضيه في مكان منعزل- غالباً ما يكون في ربوع الطبيعة لبعض الوقت لمساعدته على الابتعاد عن الأجهزة الإلكترونية – يشكل خطوة أولى جيدة.
وأضاف أنه، على غرار ما يجري لعلاج المدمنين التقليديين، يواصل المريض عادة التردد على معالجه لمدة ستة أشهر أو سنة على الأقل، حتى يتحقق من أنه أدرك بشكل كامل كيفية التحكم في سلوكه، حتى بعد انتهاء فترة خضوعه لبرنامج العلاج المخصص له.
ويشير “دريكسل” إلى أنه رغم الفوائد التي تعود على المرء من خضوعه لهذه البرامج العلاجية التي تنقي ذهنه وتصفيه من كل ما يتصل بالإدمان الرقمي، فإن الإنسان يعود بعدها إلى حياته العادية، وهو ما قد يعرقل إحراز تقدم.
وهناك بعض الشركات التي تتطلع لاجتذاب مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، ممن يريدون الابتعاد عنها، لكنهم لم يتقبلوا بشكل كامل بعد فكرة الخضوع لجلسات علاج تجمعهم بالخبراء في هذا الشأن.
وفي هذا الإطار، تركز شركة “أوف تايم”، وهي مؤسسة تصف نفسها كأول شركة ناشئة في عصر ما بعد التكنولوجيا ومقرها برلين، على تحقيق هدف إعادة التوازن الرقمي.
وتعمل هذه الشركة على مساعدة عملائها على التحكم في نمط استخدامهم لمواقع التواصل الاجتماعي، عبر تطبيقات إلكترونية أعدتها في هذا الشأن. كما توفر لهم ورش عمل متنوعة، يلتقون فيها بخبراء يساعدونهم على تخليص أنفسهم من “السموم الرقمية”.
[sociallocker] [/sociallocker]