«النهاية» معرض فوتوغرافي يرصد غياب السينما عن الهوية الثقافية للأردن


تساهم الصورة، بوصفها مادةً بصرية، في منح المعنى قوة مضاعفة، لما يمكن أن تشتمل عليه من صدق وهي تنقل اللقطة «بكاملها» من غير نقصان ومن دون أي تأثير شخصي للناقل، بخلاف ما يحدث في بقية الفنون البصرية التي يستطيع الناقل اتخاذ موقف منحاز من خلالها أو التلاعب بالمعنى الذي تحمله.

هذه الحقيقة تبدو واضحة في معرض رائد عصفور «النهاية» المقام حالياً ضمن مهرجان الصورة السادس في عمّان. وتتناول المشاهد التي ترصدها الصور غياب قسمات الهوية الثقافية للمكان بمرور الزمن، من خلال تتبّع المكان المتمثل في دور السينما في عمّان، والذي أصابته التبدلات منذ سبعينات القرن الماضي، بتأثير الزمان.

رصدت كاميرا عصفور 16 دار سينما كانت تتوزع على جبال عمّان السبعة المكوِّنة لتضاريسها آنذاك، وهي: الفيومي، دنيا، غرناطة، البتراء، الحمراء، زهران، بسمان، رغدان، فرساي، الأردن، الخيّام، الحسين، الأمير، فلسطين، عمّان والكواكب.

كما رصدت جريان الزمن الذي عصف بهوية المكان وأحدث شرخاً فيها بالنظر إلى ما حلّ بدور السينما من إهمال، فقد كان لها حضور قويّ في الخطاب الثقافي منذ الخمسينات حتى الثمانينات، ثم بدأ حضورها يتراجع ويتوارى بالتدريج إلى أن غابت تماماً عن المشهد مطلع الألفية الثالثة. وكانت الصورة الأكثر تعبيريةً في المعرض لما حدث لهذه الدور، أنها أصبحت مهجورة، إذ أظهرت الصور اصطباغ بيوت العنكبوت باللون الأسود على باب إحدى دور العرض بسبب ما تطلقه عوادم المركبات.

وفي حديث إلى «الحياة» قال عصفور إن السينما ساهمت في تكوين ثقافة الناس وتنمية الحس الجمالي لديهم، مضيفاً أن تاريخها في عمّان يمتدّ منذ نشأة المدينة، فهي «شاهدة على عصر جميل مضى، لعبت فيه دوراً في تشكيل هوية المدينة وتكوين ملامحها الثقافية».

وأوضح أن هذا المعرض يمكن النظر إليه بوصفه لافتة تذكّر المجتمع بالخلل الذي أصاب الهوية الثقافية للمدينة على إثر غياب دور السينما، مشيراً إلى أن وسط عمّان كان فيه أكثر من 15 دار سينما في السبعينات والثمانينات، تعرض أفلاماً متنوعة يومياً.

وتوقف عند الأثر الذي كانت تتركه برامج عرض الأفلام، مبيناً أن الصحف اليومية كانت تتصدى لمواضيع الأفلام المعروضة، وأن الجمهور من جميع الأعمار والطبقات كان يذهب دورياً لحضور الأفلام في صالات السينما.

ولفت إلى أن المعرض يمثل دعوة للفئة التي تهتم بالهوية الثقافية للمدينة التي تشكلها المسارح ودور السينما والمكتبات والمتاحف، فهؤلاء «يعملون بجد من أجل ثقافة حية متنوعة، تعيد إلى المدينة ألقها، وتعمل جاهدة على ألّا يصبح وجهها أحادياً أو فقيراً في بناه الفوقية».

وأكد أن الثقافة والفنون وحدها قادرة على «إشعال الحياة في المدينة ومنحها الأنفاس المتجدّدة»، فيما المعرض من شأنه أن يحفز صانعي القرار للحفاظ على هذا الإرث الحضاري المهم لعمّان، ويساند مواقفهم في وجه من يريد تحويل المدينة إلى مساحة استهلاكية تقتصر على المحالّ التجارية.



صدى الشام