‘يو.بي.آي: ثلاثة “ثقوب سوداء” تواجه الناتو: الاستراتيجية، روسيا، الأسلحة’

7 مايو، 2017

مروان زكريا

في الصورة: الأمين العام لحلف الناتو جينز ستولتنبرغ، يقدم ملاحظات في مؤتمر صحفي مع الرئيس دونالد ترامب في الغرفة الشرقية من البيت الأبيض، 12 نيسان/ أبريل، 2017، في واشنطن. ترامب شكك بضرورة الالتزام الأميركي بحلف الناتو إبان حملته، لكنه وافق على دخول مونتيميغرو إلى التحالف وسط توترات متصاعدة مع الروس.

Photo by Mike Theiler/ UPI | License Photo

موسكو: ليست الثقوب السوداء مجرد مسألة فيزيائية، فالثقوب السوداء الاستراتيجية قد تكون أكثر إرباكًا حتى من تلك الموجودة في أعماق الفضاء؛ إذ يتعين على حلف الناتو الذي أثبت أنه أكثر التحالفات العسكرية نجاحًا، عبر التاريخ، أن يتعامل مع ثلاثة من تلك الثقوب. واحتمال أن يتمكن هذا الحلف المهيب من التعامل معها بعيد من أن يكون مؤكدًا.

يتعلق الثقب الأسود الأول بالاستراتيجية؛ فقد كان التدخل الروسي في أوكرانيا، والاستيلاء على شبه جزيرة القرم مربكًا ومرعبًا. لذا، تعكر “الإجراءات النشطة” لروسيا صفو التفاعلات السياسية على طرفي الأطلسي. وحافظ التدخل الروسي في سورية على نظام بشار الأسد الشيطاني. وأصبحت روسيا حاضرة حضورًا أكبر بكثير مما مضى في كل من ليبيا، والخليج العربي.

وبينما أحدث حلف الناتو مفاهيم استراتيجية جديدة تعنى بالتعامل مع نهاية الحرب الباردة، وزوال الاتحاد السوفياتي، فقد كان آخر تحديث لآلياته، عند تقرير هارمل عام 1967. وقد اتهمت لجنته التي قادها وزير الخارجية البلجيكي بيير هارمل، بمواجهة تهديد زيادة عتاد الجيش السوفياتي في المجالين النووي والتقليدي، إلى جانب قرار شارل ديغول بإخراج الناتو من باريس، تاركًا الجانب العسكري من الحلف. وأدى ذلك إلى الانتقال من الاعتماد بشكل كلي على الردع النووي، إلى استراتيجية تعتمد على ردود مرنة، لمنع موسكو من الحصول على أي أفضلية في أي مستوى من الصراع. وكان من ألمعية استراتيجية الرد المرن أن حلت اللغز السياسي لعزل طرفي الأطلسي عن بعضهما. ولم يكن الأميركان متحمسين لاستبدال بوسطن بـ بون إن أصبحت الحرب نووية. وبالتالي، أصبح خيار واشنطن زيادة القدرات العسكرية التقليدية لمنع هجوم على “ميثاق وارسو” من جهة الغرب. بينما نظر الأوروبيون إلى الردع النووي كطريقة لتخفيف النفقات العسكرية إلى أدنى حد ممكن، ومكنت استراتيجية الرد المرن كلًا من واشنطن وأوروبا من تحقيق الدفاع أو الردع من دون كسر التحالف.

واليوم، تعكس ردود حلف الناتو على الأفعال الروسية مفاهيمَ وأسلوب تفكير القرنين العشرين والحادي والعشرين. وليس لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي نية في الشروع في حرب مع حلف الناتو. وبدلًا من ذلك، ترتكز سياساته على أكثر من مجرد القوة العسكرية الصرفة. وبينما يمكن لتموضع أربع فرق مقاتلة في البلطيق، وتشغيل “لواء فريق القتال” في بولندا قد يشعر الحلفاء بالاطمئنان، إلا أن موسكو غير متأثرة بذلك.

ما يحتاجه حلف الناتو هو استراتيجية جديدة تتعامل مع هذه الحقائق، وكذلك تتعامل مع الثقب الأسود الثاني، وعلى وجه التحديد: مواجهة “الإجراءات النشطة” لروسيا، أو ما يطلق عليه البعض اسم “الحرب غير المتماثلة”. على الحلف أن يتحول إلى استراتيجية “دفاع القنفذ”، خاصة من أجل أعضائه الشرقيين. يمكن اختصار ذلك المفهوم باستنزاف وتمويت أي هجوم بشكل مكثف، بحيث لا يمكن لموسكو في أي ظرف أن تفكر –مجرد تفكير- في استخدام القوة.

وسوف يتطلب ذلك نشر أنظمة صواريخ مثل “جافيلين” المضاد للدبابات والمركبات، وصواريخ أرض جو مثل “ستينغر” و”باتريوت” وبأعداد كبيرة. وسيجعل استخدام الطائرات المسيّرة (من دون طيار) ربما بالآلاف، أي هجوم محتمل -مهما كان احتماله صغيرًا- مكلفًا جدًا لدرجة الامتناع عن فعله. وكذلك سيتطلب جنودًا من البلاد المستهدفة لتنفيذ حرب العصابات. ومع أعضاء من الناتو، بقوات أرضية وجوية وبحرية أكبر، ستكون التعزيزات أمرًا حتميًا. لكن ذلك الأمر اللازم، ليس كافيًا.

تتضمن “الإجراءات النشطة” لروسيا: الهجمات عبر الإنترنت، الحملات الدعائية، حملات التضليل، وطمس الحقائق، والترهيب، والتدخل السياسي، وغيرها. وليس لدى حلف الناتو ما يمكنه من مواجهة هذه الإجراءات. وعلى الحلف أن يبدأ مساعي فورية لملء هذا الثقب الأسود.

ويتمثل الثقب الأسود الأخير في اكتساب أنظمة الأسلحة. وتلك مهمة شاقة، وتتطلب زمنًا طويلًا، ولا يمكن اللحاق بركب التطور التكنولوجي السريع. وعلى حلف الناتو وأعضائه التحرك سريعًا نحو التعامل مع هذا الثقب الأسود.

إنه من المبكر تحديد آثار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والشعبوية والانتخابات الجارية في فرنسا، وبعدها في ألمانيا، على الحلف، وكذلك مدى التزام البيت الأبيض، برئاسة ترامب بحلف الناتو. ولكن بغض النظر عن ذلك، يجب تشكيل لجنة “هارمل” جديدة للقرن الحادي والعشرين. ولكن هل يستمع أعضاء التحالف أم لا؟ وهل سيقوم أحد بالقيادة أم لا؟ تبقى تلك الأسئلة الحيوية التي سوف يعتمد مستقبل الحلف عليها.

  • – –

عن الكاتب:

خدم هارلان أولمان في الفريق الاستشاري الأعلى للقائد الأعلى للقوات المتحالفة في أوروبا، في الفترة (2014 – 2016)، وهو الآن مستشار رفيع في الـ Atlantic Council and Business Executives for National Security   في واشنطن، وهو رئيس لشركتين خاصتين، والمؤسس الرئيس لمذهب “اصدم وروع”. ويناقش كتابه المقبل، “Anatomy of Failure: Why America Loses Wars It Starts,” قضية الفشل في معرفة وفهم الظروف التي يكون عندها استخدام القوة مؤكد الفشل.

اسم المقالة الأصلي  Three ‘black holes’ facing NATO: strategy, Russia, weapons اسم الكاتب هارلان أولمان Harlan Ullman مكان النشر UPI تاريخ النشر 1 أيار/ مايو 2017 رابط المقالة http://www.upi.com/Top_News/Voices/2017/05/01/Three-black-holes-facing-NATO-strategy-Russia-weapons/7931493044987 ترجمة مروان زكريا

[sociallocker]

المصدر

[/sociallocker]