العميد أحمد بري: إيران تسعى لعرقلة اتفاق “مناطق تخفيف التوتر”


 

بعد أن وقّع ممثلو الدول الراعية لمحادثات أستانا4 (روسيا وتركيا وإيران) على مذكرة تفاهم لإقامة “مناطق لتخفيف التوتر” في سوريا، تعددت القراءات والتحليلات التي تناولت ما صدر عن المجتمعين في العاصمة الكازاخية، وإن كان المسعى الروسي للتفرد بالساحة السورية بات من المسلّمات، فإن الرؤى حيال تفاصيل الاتفاق وآلياته وسُبل تنفيذه بقيت متباينة، وإثر ذلك انسحب جزءٌ من وفد المعارضة من الاجتماع الختامي، احتجاجًا على  استمرار عمليات القصف من النظام وروسيا، ورفضاً لاعتبار إيران طرفاً ضامنًا للاتفاق.

من جانبه، اعتبر رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش السوري الحر، ورئيس اللجنة العسكرية في وفد المعارضة المشارك في أستانا، العميد الركن أحمد بري، أن هناك رغبة جدية لدى الأطراف الدولية ولا سيما واشنطن، للتوصل إلى تطبيق ما تم التوصل إليه في اتفاق “تخفيف التصعيد”.
وفيما أكد بري، في حوار مع صدى الشام، أن تطبيق الاتفاق من شأنه أن يسهم في تخليص المدنيين السوريين من معاناتهم المستمرة، فإنه لفت إلى رغبة إيران بعرقلة تطبيق بنوده على الأرض، لأن نجاحه سيكون كفيلاً بانسحابها وميليشياتها من الأراضي السورية، حسب قوله.

وفيما يلي نص الحوار الكامل:

– كوفد معارض أعلنتم عن تحفظاتكم على الاتفاق الذي وقع في الجولة الرابعة من محادثات أستانا، ومنها وجود الطرف الإيراني كضامن، اليوم وبعد الحديث عن خلافات في وجهات النظر بين الضامن التركي والروسي، وأقصد هنا الخلافات على رسم خرائط المناطق الأربع، هل ترون في الاتفاق حيلة روسية، أم أنكم لا تزالون تعولون عليه؟

أكدنا عدم رضانا على وجود الطرف الإيراني كطرف ضامن، وموقفنا ثابت من هذا التفصيل، لم ولن نقبل بوجود الميليشيات الشيعية على خطوط الفصل، ولا على المعابر، أما بشأن ما تم التوصل إليه في الاتفاق وببساطة شديدة؛ لقد وقع الضامنون، أي الروس كضامن للنظام والإيرانيون كضامن للميليشيات والأتراك للمعارضة، على وقف إطلاق نار شامل في كل الأراضي السورية، باستثناء الأراضي التي يتواجد فيها تنظيم الدولة، ومن ثم سيتم العمل على إيجاد قوات فصل من دول لم يتم الاتفاق عليها فيما بعد، ومن ثم فتح معابر والسماح بحركة الأهالي بحريّة بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام من دون أن يتم التعرض إليهم، مع عودة المهجرين والنازحين إلى مناطقهم، والمناطق هي إدلب وأجزاء من المناطق التي حولها أي في حماة والساحل وحلب، وريف حمص الشمالي والوعر والحولة، والغوطة الشرقية، وأخيراً المنطقة الجنوبية في درعا وما يتصل بها.

 

– على ذكر المناطق الأربع، أفادت بعض وسائل الإعلام التركية بأن الاتفاق تمّ مع 

روسيا على خمس مناطق، لكن ما تناقله الإعلام هو أنه يشمل أربع مناطق، ما تعليقكم على هذا، بما أنكم أنتم على رأس اللجنة العسكرية في الوفد المعارض؟

قد يكون المقصود بالمنطقة الخامسة، هي ريفي حلب الشمالي والشرقي، أو ما يعرف بمنطقة درع الفرات، ولا تفاصيل لدي أكثر.

– هل سيستمر هذا الاتفاق طويلاً، أم أنه سيكون شأنه شأن الاتفاقات السابقة التي وقعت من هدن وما شابه، وما هي آفاق تطبيقه على الأرض؟
على ما يبدو فإن هناك جدية من الروس بعد تواقفهم مع الولايات المتحدة، والاتفاق محدد بمدة من ثلاثة إلى ستة أشهر، وهناك بالمقابل تعجيل لمحادثات جنيف، وهذا دليل على أن هناك مستجدات جديدة يتم العمل عليها.

– ما يجري على الأرض قد يخالف توقعاتكم، النظام يواصل حملته العسكرية على مناطق ريف حماه وغيرها، كما سُجّلت انتهاكات عديدة للتهدئة خلال الأيام القليلة التي أعقبت سريان الاتفاق؟
جميع المراقبين يعلمون أن النظام لن يلتزم، لأن الاتفاق ضده وضد إيران، الاتفاق ينص على تحقيق وقف إطلاق نار في الفترة المحددة، ومن ثم ستجبر الميليشيات الشيعية على الانسحاب تدريجياً، إيران لم تدخل إلى سوريا ولم تدفع كل هذه الفاتورة من أجل الخروج، لذلك فإن إيران اليوم تسعى لعرقلة الاتفاق، وحتى في الجولة الأخيرة من المباحثات، لم يحضر الوفد الإيراني الجلسات إلا قبل وقت قصير من التوقيع، الاتفاق سيفضح حليفهم النظام وخصوصاً البند الذي سوف يبحث في إطلاق سراح المعتقلين، لأن غالبيتهم اليوم في عداد الشهداء، بالتالي سيتسبب ذلك بأزمة كبيرة للنظام، وسوف يحاسب دولياً، وإذا طبق هذا الاتفاق فإن ذلك يعني نهاية لحقبة الأسد، قولاً واحداً.



– هل لديكم مخاوف من وجود ثغرات في الاتفاق، قد تؤدي إلى تحويل هذه المناطق إلى ما يشبه البؤر المحاصرة، لاسيما وأن الاتفاق، في حال تم تطبيقه، سينهي حالة الصراع المفتوح بين النظام والمعارضة؟

دعني أقول إن الاتفاق إذا طُبّق بشكله الصحيح والحَرفي، فهو خلاص للمدنيين السوريين من القصف والموت والقتال، أما في حال الإخلال من جانب النظام أو من جانب إيران ببنوده، فقد يتحول إلى كارثة على الجميع، على سبيل المثال قد يغلق النظام المعابر وبالتالي ستتحول هذه المناطق إلى سجون كبيرة، أو قد لا تلتزم إيران وميليشياتها أيضاً، لكن وكما نرى فإن الدول الفاعلة ستلتزم بتنفيذ هذا الاتفاق، وخصوصاً مع دخول الولايات المتحدة على الخط، اليوم رأينا تصريحات إيجابية من وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف من واشنطن.

 
– تبدو الولايات المتحدة غير موافقة وغير رافضة أيضاً للاتفاق، وهي الأقدر كما يبدو على فرض تنفيذه، كيف تنظرون إلى الموقف الأمريكي حيال اتفاق أستانا؟

في جولات أستانا الأولى كانت الولايات المتحدة تميل إلى عدم الموافقة، لكن في الجولة الأخيرة التي تم التوصل فيها إلى اتفاق، رفعت الولايات المتحدة من تمثيلها، عبر حضور نائب وزير الخارجية، واليوم كذلك قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إنه يريد النجاح لاتفاق أستانا، وهذا دليل تقدم.

بالأساس إنّ ما تم التوصل إليه في أستانا هو عبارة عن وقف إطلاق النار، والبحث في الإفراج عن المعتقلين، وإدخال المساعدات إلى المناطق المحتاجة، واليوم الخميس دخلت المساعدات الإنسانية إلى الغوطة الشرقية، إذاً هنالك جدية من الأطراف الدولية، وخصوصاً الولايات المتحدة، تحضيراً لجنيف.
– في حال فشل الاتفاق، ماهي الاستراتيجيات المطلوبة من المعارضة عسكرياً، وبعض المراقبين يحمّل ممارساتها السابقة مسؤولية الوصول إلى الوضع الحالي الذي يوصف بأنه “طريق مسدود” ؟
على الفصائل أن تُعِدّ نفسها جيداً خلال فترة وقف إطلاق النار، أي أن عليها أن تغتنم هذه المدة لتجهيز نفسها والتأهب لأي تطورات سيئة قد تحدث على الأرض، بالتالي يجب على المعارضة أن تحضر نفسها للتعامل مع كلتا الحالتين، الهدوء أو عودة القتال.

 
– عودة القتال بالطريقة السابقة ذاتها في ظل تفرق الفصائل، يعني بالضرورة إنتاج للفشل السابق، وخصوصاً أن جوهر الاتفاق كما يبدو موجه لتجفيف الدعم عن الفصائل العسكرية؟

الأمور العسكرية تتجه في الوقت الراهن للأفضل، اليوم الغرف العسكرية تحولت إلى غرفة عمليات واحدة للجميع.

– هاجمت هيئة تحرير الشام اتفاق أستانا، واعتبرته اتفاق خيانة، وأبعد من ذلك أكدت أنها ستقاتل من وصفتهم بـ”الفلول المفسدة”، هنا كيف سيتم التعامل معها في حال طُبّق هذا الاتفاق، وإلى أين تتجه الهيئة بنظركم؟
نحن نهدف بالدرجة الأولى إلى تخفيف المعاناة عن شعبنا السوري المظلوم والمكلوم، ونسعى لتخليصه من عمليات الإجرام التي يتعرض لها من قصف النظام وما شابه، فإذا كانت الهيئة لا ترغب بذلك فهذا شأنها، نحن تجنبنا في الاتفاق أن نكون إلى جانب الدول الضامنة ضد هيئة تحرير الشام، ولن نرفع السلاح في وجه الهيئة، أما إذا كانوا هم يريدون الدخول في مواجهة مع الآخرين فهذا شأنهم.

– من تقصد بالآخرين؟
أقصد روسيا والولايات المتحدة ودول التحالف؛ الدول تلك تصنِف هيئة تحرير الشام على قائمة الإرهاب بسبب مرجعيتها السابقة أي جبهة النصرة، التي تنتمي للقاعدة، والدول تطالبها اليوم بحل نفسها والذوبان بالمجتمع السوري، وفي حال فعلت ذلك فستكون قد جنبت نفسها والمدنيين المزيد من الدماء، أما في حال لم تفعل ذلك فنحن كمعارضة لا نستطيع أن ندافع عنهم، وأصلاً هذا خارج قدرتنا، لأننا لا نستطيع أن نمنع الدول من استهدافهم.
– هل لديكم مخاوف من تصعيد قد يدفع فاتورته المدنيون في إدلب وغيرها من المناطق التي تتواجد بها هيئة تحرير الشام في في حال لم تُبدِ الأخيرة ليونة؟
نأمل أن يلتزم الجميع، لأن أي تصعيد سيدفع  ضريبته الأهالي من المدنيين، ومن لا يريد الخير للأهالي، بالتأكيد لديه مصالح أخرى.
– هناك حديث عن تحركات تركية لهذا الغرض، وأقصد هنا البحث في سبل التوصل إلى صيغة مقبولة مع هيئة تحرير الشام، ما هي معلوماتكم بهذا الشأن؟
ليست لدي معلومات.


-على ذكر تركيا ودورها، يشاع بأن مشاركتكم في أستانا كانت تلبية لرغبة تركية، أو لحفظ ماء وجه تركيا، ما هو ردكم؟

هذا الكلام غير دقيق بالمطلق، الأتراك كانوا إلى جانب قرارنا في المفاوضات، ولمسنا منهم التأييد لتعليقنا للمشاركة في بداية الجولة الأخيرة من المحادثات في أستانا.
– شاهدنا انسحاب بعض أعضاء الوفد المعارض، من بينهم الرائد ياسر عبد الرحيم وكذلك المتحدث الرسمي باسم الوفد أسامة أبو زيد، بالمقابل لم نشاهد انسحاب بقية الأعضاء، وأنت منهم، على ماذا يدل ذلك؟

إن تصرف الرائد ياسر لم يكن مخططاً له، والرائد تصرف بتلقائية فقط، والوفد لا يعاني من حالة عدم انسجام بالمطلق كما تحدثت بعض وسائل الإعلام.
– أشرتم مسبقاً إلى تقريب موعد انعقاد محادثات جنيف، ما هي الأجندات التي ستجعلونها على رأس أولوياتكم؟
إن محادثات جنيف وأستانا هي محادثات واحدة تبحث في قضية واحدة، لكن لدينا نحن في المعارضة فريقان، وسيشارك الوفد المخصص لجنيف بأجندات معروفة على رأسها البحث في الانتقال السياسي.
– رغم التفاؤل الذي أظهرته، وبناءً على كل ما سبق، هل ما زلتم تنظرون إلى المباحثات السياسية سواء في جنيف أو في أستانا على أنها نقظة ارتكاز لحل عادل للقضية السورية، أم ماذا؟
نحن دائماً ننظر بتفاؤل للتوصل إلى حل قريب للمعضلة السورية، والآن بدأنا نلمس تعاملاً جدياً من الدول الفاعلة، وخصوصاً الأوروبية منها.



صدى الشام