واشنطن بوست: توترت العلاقات الأميركية التركية بشدة قبل زيارة أردوغان البيت الأبيض


أحمد عيشة

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يصرح قبل رحلته إلى الصين، ومن بعدها إلى واشنطن، في أنقرة، تركيا، الجمعة 12 أيار/ مايو 2017. (أسوشيتد برس)

قبل شهرين تقريبًا، كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من أهم مشجعي الرئيس ترامب؛ بسبب ضجره مما رأى من سياسة إدارة أوباما المترددة تجاه سورية، وتحالفها غير الحكيم مع “الإرهابيين” الأكراد، أملَ أردوغان بفجرٍ جديدٍ في العلاقات التركية الأميركية.

ولكن بينما كان يستعد للاجتماع بترامب، يوم الثلاثاء 16 أيار/ مايو، في واشنطن، لم يكن أردوغان مرتاحًا؛ ففي الأسبوع الماضي، سافر كبار مسؤوليه العسكريين والاستخباراتيين إلى واشنطن، في مسعى نهائي لثني الإدارة عن تسليح المقاتلين الأكراد السوريين، من أجل هجومٍ مقبل على الرقة ضد الدولة الإسلامية، إلا أن نظراءهم الأميركيين قالوا: إنَّ قرارًا بذلك كان قد اتُّخذ.

وفي الوقت نفسه، قدم وزير العدل التركي الجديد دليلًا جديدًا لدعم طلب تركيا طويل الأمد، بتسليم فتح الله غولن، وهو رجل الدين التركي المقيم في ولاية بنسلفانيا، ويحمّله أردوغان المسؤوليةَ عن محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز/ يوليو الماضي، ولكن وزارة العدل الأميركية شكرته، وأبعدته من دون أي أخبار عن تقدم في الموضوع.

وكان الغرض من تلك الزيارات “تمهيد الطريق لإجراء مناقشاتٍ مثمرة بين الرئيسين؛ إذ قال مسؤولٌ تركي رفيع المستوى بعد ذلك: “كنا نأمل”، وأضاف: “الآن نواجه فترة أزمة”.

وفى تصريحاتٍ للصحفيين، يوم الجمعة 12 أيار/ مايو، ظهر أردوغان في الوقت نفسه بأنه يأمل في أنْ يتمكن من إقناع ترامب بتغيير رأيه، وبدا أنه كان مستعدًا للفشل، وقال أردوغان، قبل توجهه إلى الصين في طريقه إلى واشنطن: “لقد أرسلنا وفدًا إلى الولايات المتحدة، وعقدوا اجتماعاتٍ مع المسؤولين”. وأضاف: “المستوى العالي من المناقشات ستُعقد بين الرئيس ترامب وبيني” وقال: إنَّ أولَّ لقاء مباشر وجهًا لوجه سيكون “مَعلمًا” في العلاقات الأميركية التركية.

وكانت صحيفة (ديلي صباح) التركية الموالية للحكومة قد أشارت إلى أن الموظفين السابقين من إدارة أوباما قد خدعوا بطريقة ما موظفي إدارة ترامب، دافعين إياهم نحو قرار تسليح الأكراد، قبل وصول أردوغان إلى هنا (واشنطن).

وقال أردوغان: “إنَّ أميركا تمر بفترةٍ انتقالية حاليًا، ويجب أنْ تكون تركيا أكثر حذرًا، ودقة”. إلا أنَّ وزير الدفاع، جيم ماتيس، الذي التقى رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، الأسبوع الماضي في لندن، بعد إعلان قرار التسلح، وصف القرار بأنّه نهائي، وقال ماتيس: “ليس لدي أيّ شكٍّ في أن تركيا، والولايات المتحدة، ستعملان على هذا النحو، مع إيلاء الاهتمام الواجب لأمن تركيا”. وقال إنّ الشيء المهم هو أنهما يمثلان “جبهة موحدة” ضد الإرهاب. وتحدث ماتيس عن ضرورة إبقاء تركيز الحلفاء على هذا الهدف: “في كثير من الأحيان، يمكن أنْ يكون غير ملائم.”

وقال مسؤول تركي كبير، طلب عدم الكشف عن هويته، بسبب حساسيات الزيارة المقبلة: ما بعد الأزمة، ستبحث تركيا والولايات المتحدة عن عناصر من أجل “أجندة إيجابية”. التجارة بين البلدين قليلة هي فقط 17 مليار دولار سنويًا، ويوّد كلا الجانبين توسيعها.

وقال ترامب: إنَّه سيكون “محترمًا” للقرارات المحلية التي اتخذتها إدارات أخرى، إنّه من غير المرجح أنْ يتطرق إلى عمليات الاعتقال الجماعية، والقيود المفروضة على حرية التعبير، منذ محاولة الانقلاب التي عبرت عنها وزارة الخارجية الأميركية. وفي الشهر الماضي، اتصل مهنئًا أردوغان بمناسبة الفوز في الاستفتاء الذي انتقده على نطاقٍ واسع حلفاءُ أميركيون آخرون، وهو الاستفتاء الذي وسَّع بشكلٍ كبير من سلطة الرئاسة في تركيا.

فيما يتعلق بمسألة غولن، من المتوقع أنْ يبحث أردوغان بعض الخطوات المؤقتة التي طلبتها حكومته بالفعل، مثل استجواب وزارة العدل لرجل الدين، والقيود المفروضة على تحركاته الأميركية، حيث ما يزال طلب تسليمه معلقًا، أو على الأقل محاولة الحد من رسائل الفيديو الأسبوعية التي يرسلها إلى أتباعه في تركيا. لكن الموضوع الرئيس المهم لتركيا هو (وحدات حماية الشعب) الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي هو الوكيل الأميركي الرئيس في الحرب ضد (الدولة الإسلامية) في سورية. وتعتبر تركيا القوة المعروفة باسم (وحدات حماية الشعب) حليفًا إرهابيًا لحزب العمال الكردستاني، وهو منظمةٌ تركية انفصالية، وصفتها كلّ من أنقرة، وواشنطن بالإرهابية.

يعتقد أردوغان أنَّ حكومة الولايات المتحدة -إدارة أوباما وإدارة ترامب- على ما يبدو، ساذجةٌ في ما يتعلق بوحدات حماية الشعب، وطموحاتها الإقليمية، وأنَّ دعم الجماعة هو لإقامة نزاع إثني في سورية، ومساعدة إرهاب حزب العمال الكردستاني في تركيا نفسها.

اتخذ الرئيس باراك أوباما قرارًا بتسليح وحدات حماية الشعب مباشرةً قبل أنْ يغادر منصبه، وفقًا لما ذكره كولين كاهل -وهو كبير مساعدي الأمن القومي السابق- لنائب الرئيس جو بايدن. لكن كاهل، خلال الفترة الانتقالية، كتب مقالًا، نُشر الأسبوع الماضي في صحيفة (فورين بوليسي)، قال فيه: إنَّ مايكل فلين، مستشار ترامب لشؤون الامن القومي “طلب من الإدارة أن تتروى” حتى يتمكن ترامب من مراجعة الوضع، وأشار كاهل إلى أن فلين وجد فيما بعد أنه مستشار مدفوع لتأييد المصالح التركية الموالية للحكومة. في نهاية المطاف، قال كاهل: توصل ترامب إلى النتيجة نفسها التي توصل إليها أوباما، ولكن فقط بعد أن فاز أردوغان باستفتائه من دون امتعاض من خرق مفتوح مع واشنطن.

وتصرُّ تركيا، منذ فترةٍ طويلة، على أنَّ الأسلحة الأميركية كانت تصل بالفعل الى المجموعة الكردية السورية. وكدليلٍ على ذلك، تشير إلى الأسلحة الأميركية التي تم الاستيلاء عليها من حزب العمال الكردستاني وإلى حقيقة أنَّ الولايات المتحدة كانت غيرَ قادرةٍ على طرد المقاتلين الأكراد من المناطق العربية التي يسيطرون عليها في شمال سورية، وكانوا قد استولوا عليها، بمساعدةٍ أميركية أيام أوباما، على طول الحدود التركية.

وفي الوقت الذي يستعدون فيه للهجوم على الرقة، وهي العاصمة السورية بحكم الأمر الواقع، لتنظيم “الدولة الإسلامية”، قال الأميركيون لتركيا: لن يُسمح لوحدات حماية الشعب بالبقاء في المدينة، بل سيسلمون الحكمَ إلى العناصر العربية التي تشكل جزءًا من “قوات سورية الديمقراطية” المدعومة من الولايات المتحدة. ويقول الأتراك إنهم سمعوا تلك القصة من قبل؛ ففي المدن الشمالية المحررة، مثل منبج، ما تزال “وحدات حماية الشعب” هي المسيطر. وأضاف المسؤولُ التركي: “إنهم يقولون بأنَّه قرارٌ صعب للغاية. ليس لديهم أيُّ بدائل أخرى، وهكذا دواليك، إنها القصة نفسها، نحن في حلقةٍ مفرغة، ودائمًا نشرح بأنّها ليست البديلَ الوحيد، وهم يقولون إنّها البديلُ الوحيد”. وأضاف: “ضعوا أنفسكم في موقع الرئيس التركي، هل يمكن أنْ تقبلوا هذا النوع من القرارات؟ تركيا حليف، منذ 60 عامًا -حتى قبل الناتو- قاتلنا جنبًا إلى جنب في كوريا، لقد قاتلنا في الصومال، وفي كوسوفو، وفي مقدونيا، وفي البوسنة والهرسك، جنبًا إلى جنب. الآن، بدلًا من الانحياز إلى حليفكم -الذي لديه 800 ألف جندي- تختارون أنْ تكونوا جنبًا إلى جنب مع منظمةٍ إرهابية”.

لقد عرضت تركيا قواتها الخاصة، وعزلت القوات العربية السورية تحت جناحها، عن هجوم الرقة، لكن الأميركيين يؤكّدون أنَّ الأكراد برهنوا عن شجاعتهم، وهم على استعدادٍ للتحرك. وعلى الرغم من أنَّ القادة الأميركيين امتنعوا حتى الآن عن تسليح وحدات حماية الشعب بشكلٍ مباشر، إلا أنهم يقولون: إنَّ إلحاح وأهمية هجوم الرقة لا يعطيهما أيّ خيار.

وقال بيانٌ صادر عن البنتاغون الذي أعلن القرار: إن “قوات سورية الديموقراطية” التي تسيطر عليها (وحدات حماية الشعب)، هي “القوة الوحيدة على الأرض التي يمكنها الاستيلاء بنجاحٍ على الرقة في المستقبل القريب”. وقال المسؤول التركي: “إنهم يستمرون بالقول إنَّ الوقت هو جوهر تحرير الرقة، وإنَّ كلَّ التخطيط قد أُنجز. منذ عامٍ يرددون ذلك”.

وقال المسؤولون الأميركيون: إنَّهم واثقون من أنهم يستطيعون إبقاء وحدات حماية الشعب بعيدة عن السيطرة على الرقة، ولكن تركيا تشك في الأمر؛ إذ قال المسؤول التركي: “إذا قالوا لا. كيف ستجبرهم على الخروج”، وأضاف: “إنَّ الولايات المتحدة تحاول أن تستبدلَ تهديدًا، هو ضد مصالح الغرب، بتهديدٍ ضد تركيا”. وقال المسؤول: إنَّ تركيا ستبقي خياراتها مفتوحةً لمهاجمة وحدات حماية الشعب نفسها، كما فعلت عندما ضربت الطائرات الحربية التركية الشهر الماضي، مواقع (وحدات حماية الشعب)، وحزب العمال الكردستاني، على الحدود؛ ما أسفر عن مقتل 20 مقاتلًا من وحدات حماية الشعب، على بعد أميالٍ فقط من قوات المهام الخاصة الأميركية؛ ما أدى إلى حدوث ثغرة مفتوحة مع البنتاغون.

كما تحتفظ تركيا بخيار إلغاء اتفاقٍ يسمح للطائرات الحربية الأميركية، وطائرات التحالف المناهض لتنظيم “الدولة الإسلامية” باستخدام قاعدتها الجوية في إنجرليك.

اسم المقال الأصليU.S.-Turkish relations deeply strained ahead of Erdogan’s visit to White House
الكاتبكارين دو يونغ، Karen DeYoung
مكان النشر وتاريخهواشنطن بوست، The Washington Post، 14/05/2017
رابط المقالةhttps://www.washingtonpost.com/world/national-security/us-turkish-relations-deeply-strained-ahead-of-erdogans-visit-to-white-house/2017/05/14/40797a5c-3736-11e7-b412-62beef8121f7_story.html?utm_term=.690dc7bfe835
ترجمةأحمد عيشة



المصدر