العلو: واشنطن اختارت “الوحدات الكردية” شريكاً في معركة الرقة لسهولة تطويعهم وفق المصلحة الأمريكية


شكّل “مأزق توزيع الأدوار في معركة الرقة”، محوراً أساسياً للدراسة التي أنجزها مركز “عمران للدراسات الاستراتيجية” حديثاً، وقد تناولت الدراسة أربعة سيناريوهات متوقعة للمعركة التي ستبدأ مع بداية الصيف المقبل بحسب إعلان “قوات سوريا الديمقراطية”.

صحيفة “صدى الشام” حاورت مُعدّ الدراسة، الباحث في مركز عمران، ساشا العلو، الذي شرح أبعاد هذه السيناريوهات، والآفاق المحتملة للمعركة، وعناصر التشابه والاختلاف بينها وبين معركة الموصل، وفيما يلي نص الحوار:

 

– بداية، هل تجدون أوجه شبه بين معركة الرقة التي ستنطلق بداية الصيف المقبل وفقاً لإعلان “قسد”، وبين معركة الموصل، وما هي تلك الأوجه؟

حتى الآن، تبدو معركة الرقة بظروفها السياسية والعسكرية عملية استنساخ لمعركة الموصل، فمن الناحية السياسية تم إطلاق المعركة في مناخ متوتر محلياً وإقليمياً فيما يتعلق بالأطراف المشاركة فيها، في مقابل ضبابية تعتري مصير المدينة بعد التحرير، أما من الناحية العسكرية فقد استخدم التنظيم الاستراتيجية ذاتها التي استُخدمت في الموصل، والتي تقوم على استنزاف القوات المهاجمة عبر المفخخات وليس المواجهة المباشرة، والانسحاب من الأطراف للتمترس داخل المدينة في محاولة لفرض نمط حرب المدن على واقع المعركة.

 

 

– ذهَبتْ الدراسة إلى اعتبار أن معركة الرقة قد تكون أصعب من تلك التي ما زالت تدور في الموصل، حبذا لو بيّنتم لنا سبب رؤيتكم هذه؟

بداية، إن مأزق اختيار الشريك وتوزيع الأدوار يبدو بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أكثر صعوبة في معركة الرقة منه في الموصل، وذلك لأسباب سياسية وعسكرية مختلفة عن الوضع في العراق، فعلى الصعيد العسكري ستكون معركة الرقة أصعب كون المساحة الجغرافية لسيطرة التنظيم بدأت بالانحسار بعد خسارته مناطق واسعة في العراق، ما سيدفعه للتمسك أكثر بالمدن التي بحوزته في سوريا وبخاصة الرقة، ثم إن المراحل التي تم إنجازها في إطار عملية تطويق الرقة والتي خاضتها “قوات سورية الديمقراطية” أثبتت عدم قدرة تلك القوات على المضي في الحرب على التنظيم في سوريا منفردة، خاصة بالنظر إلى تعداد قواتها والتي تقارب الـ30 ألف مقاتل، وهي تقديرات مشكوك فيها، ولكن حتى لو سلّمنا بصحة تلك التقديرات فإن معركة الموصل والتي شارك فيها ما يقارب 120 ألف مقاتل لم تُحسم بعد، فكيف يمكن أن تحسم معارك سوريا مع التنظيم بــ30 ألف مقاتل؟

أما الناحية السياسية فهناك تشابك في المصالح الإقليمية والدولية وانعدام للفاعلية المحلية في الحالة السورية بشكل أكبر بكثير من الحالة العراقية، ففي العراق على الرغم من ارتباط حكومة بغداد بإيران؛ إلا أنها حكومة تتمتع بالشرعية الدولية، وتمتلك قوات حكومية وهوامش سيادية أكثر بكثير من حكومة الأسد، بالإضافة إلى أن إقليم كردستان هو كيان سياسي ناجز وغير إشكالي مع باقي القوى العراقية، وليس مليشيا تسعى لتحقيق مشروع كما هو الحال مع حزب الاتحاد الديمقراطي”PYD” في سوريا.

أما عن عدد الفاعلين الإقليميين والدوليين فهو أقل في الحالة العراقية منها في السورية، الأمر الذي يحصرها في إطار الأزمة الإقليمية بين تركيا وإيران تقريباً، ويلغي العامل الدولي بين روسيا وأمريكا، والذي يضيف مزيداً من التعقيدات في الحالة السورية.

 

– من منظوركم، لماذا اعتمدت الولايات المتحدة على جهة وحيدة في سوريا؛ “قسد” التي تسيطر عليها وحدات الحماية الكردية “YPG“، مقابل اعتمادها على أكثر من طرف في الموصل؟ وهل يدل ذلك على وجود قرار أمريكي بتحجيم الدور الإيراني هنا، على اعتبار أن الحشد الشعبي المدعوم إيرانياً هو الطرف الأبرز هناك؟

يبدو أن اختيار “وحدات الحماية الكردية” في سوريا، جاء لسهولة تطويعهم ضمن المصلحة الأمريكية بالقياس مع تركيا وروسيا، وتبقى مشاركتهما في معركة الرقة الحقيقية -والتي لم تبدأ بعد- رهناً بمرونتهما وقدرتهما على تنسيق مصالحهما مع الرؤية الأمريكية لحرب التنظيم وشكل الحل السياسي في سوريا إجمالاً، بمعنى آخر فإن تطويع ميليشيا أسهل بكثير من تطويع دول لها مصالحها وسياساتها الندية، خاصة وأن اعتماد الولايات المتحدة على وحدات الحماية يأتي وفق أهداف مركبة لواشنطن، سواء لسهولة التطويع في حرب التنظيم أو كورقة ضاغطة على تركيا.

أما بالنسبة لتحجيم الدور الإيراني، فيبدو أن العودة الأمريكية الجديدة إلى ملفات الشرق الأوسط، وما فرضته من تحالفات وتفاهمات جديدة، ستساهم بشكل أو بآخر بتقويض هذا النفوذ سواء في سوريا أو العراق، خصوصاً مع دخول إسرائيل كمتغير مهم وضاغط، سواء على الولايات المتحدة أو وروسيا باتجاه إنهاء نفوذ المليشيات الإيرانية في سوريا، وسط المسعى ذاته من تركيا والسعودية، أي أن إنهاء النفوذ الإيراني بات محل إجماع للحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة، وبالتالي ضاغط باتجاه ذلك.

 

 

– يذهب بعض المتابعين إلى النظر لمعركة الرقة على أنها ستكون جزءاً من معركة شاملة على مناطق التنظيم في دير الزور وغيرها، ما هي رؤيتكم لذلك؟ وبعض المحللين يشير إلى مسعى أمريكي لفصل مناطق التنظيم السوريّة عن العراقية قبل بداية المعركة؟

من الطبيعي؛ فمعركة الرقة خطوة في استراتيجية مكافحة الإرهاب والتي تهدف بشكل رئيسٍ للقضاء على تنظيم الدولة، أما عن فصل مناطق التنظيم في سوريا عن العراق، فهذا ما تم فعلاً في المراحل الأولى للمعركة، إذ حققت معركة الرقة في مراحلها الأولى والثانية والثالثة الأهداف المطلوبة منها، والمتمثلة في قطع اتصال فرعَي تنظيم الدولة “الإسلامية” في سوريا والعراق، وعزل وتطويق مدينة الرقة، تمهيداً للهجوم عليها، وهو هدف المرحلة الرابعة الجارية حالياً، بالمقابل فإن كل مرحلة من مراحل قتال التنظيم وما يرافقها من مناخات إقليمية ودولية، سينعكس بالضرورة على ما يليها من مراحل، فمعركة الرقة ومآلاتها ستساهم بتحديد طبيعة معركة دير الزور والقوى المشاركة فيها.

 

– الخميس الماضي، وجّهت قوات التحالف ضربات جوية لأرتال من قوات النظام في البادية السورية بالقرب من معبر التنف، هل يعني هذا أن الولايات المتحدة غير راغبة بمشاركة النظام في قتال التنظيم؟

تأتي هذه الضربات وسط سعي محموم من الفاعلين المحليين وعلى رأسهم النظام في السباق إلى جبهات تنظيم الدولة ومحاولة احتكارها، فمن يمتلك جبهة مع تنظيم الدولة يفرض نفسه كطرف في المعركة، وبالنسبة للنظام فإن”مكافحة الإرهاب” مجال أساسي لإعادة تعويمه على المستوى الدولي، لذا فإن تلك الضربات جاءت في سياق تحذيري من التقدم باتجاه مناطق التنظيم في دير الزور، وبالتالي رسالة للإيرانيين بالدرجة الأولى، أي أنها تأتي في ظل تنظيم الجبهات وإعادة ترتيب الفاعلين فيها، فالولايات المتحدة تدرك تماماً أن النظام يمتلك نقاط استراتيجية في دير الزور (المطار العسكري، وجزء من المدينة) والتي قد تفرضه كجزء أساسي من المعركة المرتقبة، إلا أنها على ما يبدو تريد تحجيم تلك الفاعلية المحتملة عبر منعه من الوصول إلى جبهات أخرى تشغلها قوات معارضة مدعومة من الولايات المتحدة، إضافة لتشكيل المليشيات الإيرانية في البادية تهديداً مباشراً للأردن.

 

– من جانب آخر هل ترى أن الهدف الأمريكي هو القضاء على تنظيم الدولة بغض النظر عن القوى المشاركة، أم أنها تختار الطرف الذي يناسبها لتحديد الشكل المستقبلي للمناطق التي يتم استرجاعها؟

إن السلوك الأمريكي في إدارة معركة الرقة تحديداً يعكس أمرين؛ الأول: حاجة التحالف الدولي الملحّة لفتح معركة في سوريا دعماً لمعركة الموصل، والثاني: هو رغبة واشنطن بأن تكون المعركة موجّهة لحرب التنظيم فقط دون أن توظَّف في صالح أي طرف من الأطراف المشاركة فيها، ولذلك يبدو أن اختيار “وحدات الحماية الكردية” في سوريا جاء لسهولة تطويعهم ضمن المصلحة الأمريكية، قياساً بالدول (روسيا، تركيا). حيث إن اختيار الحليف من الطبيعي أن يترتب عليه التزامات مختلفة مستقبلاً، وهنا أيضاً يمكن أن نفهم بأن تنصل الولايات المتحدة من وعود والتزامات تجاه مليشيا “PYD” أسهل بكثير من التنصل من التزامات تجاه دول.

 

– وضعتم أربعة سيناريوهات لمعركة الرقة، ماهي المعايير أو العوامل التي استندتم إليها في ذلك؟

على الرغم من أن “قوات سوريا الديمقراطية” إلى الآن تتصدر المشهد، ويبدو أنها القوة المرشحة لتحرير مدينة الرقة؛ إلا أن جملة من العوامل تُظهر أن هذا ليس هو السيناريو الوحيد المرجح لمعركة تحرير الرقة، فالأمر ليس منوطاً بالقوة التي تنفذ الهجوم وحسب، وإنما بإدارة المدينة بعد التحرير، وملاحقة فلول “داعش”، ومعركة دير الزور اللاحقة والحاسمة كآخر معقل للتنظيم في سوريا، ويمكن إجمال العوامل المؤثرة في رسم ملامح السيناريوهات الممكنة للمعركة بما يلي:

عدم قدرة “قوات سوريا الديمقراطية” على خوض المعركة منفردة، الأمر الذي رتّب على قوات التحالف الانخراط بشكل مباشر في تحرير بعض النقاط الهامة، وزيادات متلاحقة في أعداد القوات الأمريكية في سوريا، هذا بالإضافة إلى الأخطاء في تحديد الأهداف التي ارتكبتها “سوريا الديمقراطية”، والتي تسببت بخسائر بشرية كبيرة بين المدنيين.

وهناك جغرافية محافظة الرقة المفتوحة على محافظات الحسكة ودير الزور وعلى العراق في الجنوب الشرقي، وغرباً على محافظتي حماة وحمص، وشمالاً باتجاه تركيا، الأمر الذي يعقِّد المعركة من خلال تعدد القوى المحلية والإقليمية المتطلعة للمشاركة في المعركة، والتي تملك نقاط اشتباك مع المحافظة.

بالإضافة لذلك هناك الصراع على ترِكة التنظيم والتي تشكل مساحات جغرافية هامة؛ ترتبط بشكل مباشر بمآلات الحل السياسي في سوريا، الأمر الذي أخضع المعركة للمصالح المتضاربة بين الأطراف المحلية والإقليمية الدولية المنخرطة في الأزمة السورية.

يضاف إلى هذه العوامل، مأزق إدارة ترامب، والتي وجدت نفسها أمام خطة مليئة بالثغرات بحسب تعبيرهم، وضعتها الإدارة السابقة لتحرير الرقة؛ تقوم على الاعتماد على الأكراد وتسليحهم، ولكنها تتعارض مع توجه الإدارة الجديدة نحو تحسين العلاقة مع تركيا وزيادة التنسيق مع روسيا لصياغة حل سياسي في سوريا.

 

– حتى اليوم المؤشرات ترجح كفة السيناريو الأول الذي وضعته الدراسة، والسؤال هنا هل يمكن تفعيل دور الفصائل العربية التي تحدثتم عنها في هذا السيناريو، خاصة في ظل الهيمنة الكردية؟

في حال توفرت إراداة أمريكية مدعومة بتفاهمات إقليمية؛ فإن تفعيل دور الفصائل العربية ممكن ووارد، أما عن كيفية ذلك؛ فإما أن يتم عبر تسليمهم جبهات معينة في المعركة أو تسليمهم أو إشراكهم في إدارة المدينة بعد تحريرها.

 

– لربّما يكون ما جرى في البادية من ضربات أمريكية لقوات النظام الخميس الماضي، كان بمثابة قطع الطريق على السيناريو الثالث الذي يفترِض مشاركة النظام، بالتالي هل تعتقدون –بعد هذه الضربة- بوجود مؤشرات تشير إلى احتمال مشاركة النظام بمعارك الرقة وغيرها من معارك التنظيم المرتقبة؟

إلى الآن لا يوجد شيء محسوم، خصوصاً في الحالة السورية القابلة للتغير وفق صفقات وتفاهمات دولية، فالنظام يتحرّك بسياسة الرهان على الهوامش، أي أنه يراهن على مشاركته بما بعد المعارك أكثر من المشاركة في المعركة ذاتها، بمعنى أنه يراهن على احتدام جبهات وأطراف متعددة ومصالح دولية متشابكة، وبالتالي احتمالية طرحه عبر الدبلوماسية الروسية كشريك في ملء الفراغ، وهذا ما حدث في أكثر من جبهة.

 

– في السيناريو الأخير أشرتم إلى احتمالية قتال الأطراف السورية لتنظيم الدولة جنباً إلى جنب، والسؤال هنا من هي هذه الأطراف، وكيف سيتم تحقيق ذلك، وهل يمكن التعويل على المحادثات السياسية؟

ليس جنباً إلى جنب بالضبط، وإنما وفقاً لتوزيع جبهات، وهذا قد يحدث، فالأطراف سواء المعارضة أو “قسد”؛ كلاهما يمتلك جبهات مع تنظيم الدولة في مناطق مختلفة، مقابل محاولات النظام للتقدم في ريف حلب الشرقي والبادية، وجاء اتفاق “خفض التوتر” ليوفّر لكل منهم مجالاً لتدعيم قواته، عبر سحب بعضها من جبهات أخرى، ونقلها إلى جبهات التنظيم. المقصود أن هذه الأطراف تمتلك جبهات مع التنظيم ولكلٍّ منها سيناريو خاص للمشاركة في المعارك ضدّه، ولكن توزيع الأدوار وتنسيق الجبهات يبقى خاضعاً لتفاهمات دولية إقليمية وصفقات سياسية قد تعيد رسم الخارطة العسكرية من جديد وبشكل غير متوقع.



صدى الشام