ما الذي تقوله صفقة الأسلحة الأمريكية مع السعودية عن إدارة ترامب؟


أعلن الرئيس ترامب عن عملية بيع ضخمة للمملكة العربية السعودية بقيمة 110 مليار دولار أمريكي ، وقد تضمنت “دبابات ومروحيات هليكوبتر لأمن الحدود وسفن للأمن الساحلي وطائرات مخابراتية ونظم رادار للدفاع الصاروخي وأدوات أمن سيبراني”، هذا حسب ما ذكرته وكالة ABC للأنباء. وتذكر صحيفة واشنطن بوست أن هذه العملية تشكّل جزءاً من اتفاقية مدتها 10 أعوام بقيمة 350 مليار دولار أمريكي في “رؤية استراتيجية” بين البلدين.
وكانت العملية قد بدأت منذ بعض الوقت، لكن من الواضح أن البيت الأبيض سعى جاهداً لوضع اللمسات الأخيرة على الصفقة في الوقت المناسب ليعلِن عنها أثناء رحلة الرئيس إلى المملكة العربية السعودية. وكان المقصود من ذلك توجيه رسالة واضحة مفادها: لن يقوم ترامب بالتصرف وفق الطريقة ذاتها التي اتبعها سلفه.

وفي سبتمبر/ أيلول وافقت إدارة أوباما على صفقة أسلحة بقيمة تزيد عن 115 مليار دولار أبرمتها مع السعوديين، لكن مع الزيادة الكبيرة في حصيلة القتلى وظهور عدد كبير من التقارير عن انتهاكات لحقوق الإنسان في الحرب التي تقودها السعودية على اليمن، قامت إدارة أوباما بإلغاء عملية بيع الذخائر الموجّهة بدقة والتي كانت قد وافقت عليها في الأصل، وذلك لاستغلال الصفقة في محاولة لإكراه السعوديين على التوقف عن ارتكاب هذه الممارسات الوحشية.
أما الآن فتعود تلك الذخائر لتكون ضمن حزمة أسلحة ترامب، وهذا يقول الكثير عن هذه الإدارة.
في الواقع، ترسم الصفقة بأكملها صورة واضحة المعالم لإدارة ترامب، وهي إدارة على استعداد لبذل أي جهد مقابل إتمام صفقات مع أصدقاء مهمّين، كما أنها إدارة لا تدع المخاوف حول حقوق الإنسان تقف في وجه إنجاز الأعمال التجارية التي تسعى إلى تحقيقها. وفي هذه الإدارة، فإن العلاقات الشخصية مع أولئك المقربين من الرئيس قد تكون مربحة للغاية.

“جاريد كوشنير” كانت له يد في إبرام الصفقة
يبدو أن “جاريد كوشنير”، كبير مستشاري الرئيس وزوج ابنته، يبدو أنه قد أدّى دوراً محورياً في الصفقة المذكورة؛ إذ هبّ شخصياً لدفع السعوديين لإتمام الصفقة في الوقت المناسب لرحلة ترامب إلى السعودية.
وكما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز، فإن جزءاً كبيراً من الاتفاقية كان قيد التطبيق في الأصل عندما اشترك كوشنير فيها. إلا أن مسؤولاً أمريكياً أثار، أثناء الاجتماع الأخير، إمكان إضافة “نظام رادار متطور مصمَّم لإسقاط الصواريخ الباليستية” لقائمة البضائع السعودية. وبما أن إيران، الخصم الأول للملكة العربية السعودية، تمتلك نظاماً صاروخياً ممتازاً، من البديهي أن يهتم السعوديون بذلك النوع من الأنظمة.
لكن كانت هناك مشكلة واحدة فقط: وهي السعر. وقد أشارت التايمز إلى أن كوشنير قد تدخّل هنا، إذ التقط هاتفه بوضوح وسط الاجتماع واتصل بـ “مارلين هيوسن”، الرئيس التنفيذي لشركة “لوكهيد مارتن” (الشركة المصنّعة لهذا النظام)، وسألها مباشرة ما إذا كانت تستطيع أن تمنح السعوديين خصماً، ويبدو أن هيوسن ردت كالتالي “سأنظر في الأمر”.
وهناك بعض الأمور من الممكن ملاحظتها في هذه المقالة القصيرة، وأولها؛ أنها تُظهر إلى أي مدى من الممكن لهذه الإدارة أن تذهب من أجل عقد صفقة عندما يستحق الأمر فعلاً. والمملكة العربية السعودية تستحق كثيراً؛ إذ يريد ترامب، ويحتاج كذلك، إلى مساعدة هذه الدولة في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية والفكر المتطرف الذي يقوده.
لكن يوجد أيضاً سبب آخر يجعل من المملكة العربية السعودية مهمة بالنسبة لترامب؛ فقد ذكرت بلومبرغ أن المملكة تدرس موضوع استثمار حوالي 40 مليار دولار في البنية التحتية الأمريكية. كما يعتزم ترامب إنفاق مبلغ ترليون دولار في تحسين البنية التحتية الأمريكية، وستساعد الأموال السعودية بكل تأكيد في تحقيق ذلك الهدف.

وثانياً، فإن أعضاء الحزب الجمهوري الأكثر ميلاً للتحرر، والذين كانوا قد اشتكوا من أن معظم توجهات السياسة التي يتبعها ترامب إنما تخالف مبادئ السوق الحرة التقليدية والمحافظة، أصبح لديهم الآن نقطة مرجعية لإثبات صحة وجهة نظرهم. وفي النهاية، هذا دليل واضح على تدخل الحكومة المباشر في السوق الحرة عن طريق محاولة دفع إحدى الشركات لتغيير ثمن سلعة ما.
والأسوأ من ذلك، هو أن أحد كبار مستشاري الرئيس جاهد بكل حزم ليجعل شركة أمريكية تقوم بتخفيض سعر مادة ما من أجل تقديم المساعدة إلى دولة أخرى. وإني لأشك كثيراً في أن ذلك هو الشكل الذي توقع معظم من صوتوا لترامب أن تكون عليه سياسته “أمريكا أولاً”.
وأخيراً، فإن وجود كوشنير في صلب العملية كلها كان واضحاً وجلياً. وفي حين أن المبيعات العسكرية الأجنبية في الماضي كان يتم التفاوض عليها من قبل مكاتب أمريكية حكومية متعددة، باستطاعة الدول الآن على ما يبدو أن تتجاوز كل ذلك الروتين وأن تتجه إلى المصدر مباشرة طالما أنها تستطيع إقامة علاقة طيبة مع كوشنير.
ومن الأفضل لك أن تعتقد بأن هناك دولاً أخرى تولي ذلك اهتماماً بالغاً.

أوباما قدّم للسعوديين صفقة كبيرة، إلا أن ترامب منحهم ما يريدون حقاً
أشاد ترامب بالصفقة المذكورة على أنها انتصار، قائلاً “لقد كان يوماً عظيماً” بسبب “الاستثمارات الهائلة في الولايات المتحدة، والكثير من الأعمال والوظائف” كما ذكرت صحيفة واشنطن بوست. وأضاف أنه لا يمكن أن يكون أكثر فخراً.
ومع أنها صفقة كبيرة بالفعل، غير أن إدارة أوباما قد وافقت على صفقة أكبر تضمنت مبيعات أسلحة بقيمة 115 مليار دولار أمريكي للسعوديين في سبتمبر/ أيلول اشتملت على “أسلحة وغيرها من المعدات العسكرية وبرامج التدريب”, حسب رويترز.
وعلى الرغم من توتر العلاقات بين البلدين أثناء حكم أوباما، والذي يعود في جزء كبير منه إلى انفتاح الإدارة الأمريكية على إيران، إلا أنها كانت أكبر صفقة قُدِّمت في تاريخ التحالف الأمريكي السعودي، لكنها جاءت بسعر آخر.
وقاد السعوديون، بدعم من الولايات المتحدة والعديد من الحلفاء الإقليميين الآخرين، حملة لمدة عامين ضد الحوثيين، وهم مجموعة مسلحة تدعمها إيران تحاول الإطاحة بالحكومة اليمنية التي تدعمها السعودية. إلا أن تلك الحرب أصبحت وحشية وتسببت بكارثة إنسانية على نطاق مذهل: فقد قُتِل ما لا يقل عن 10 آلاف شخص، وتشرّد ما يربو على 3 ملايين منذ بدء الحرب في مارس/ آذار عام 2015. والآن هناك ملايين الأشخاص يواجهون خطر المجاعة.
فقد استهدفت الطائرات الحربية السعودية المستشفيات والمدارس والطرق والجسور والمزارع والثروة الحيوانية وغيرها من الأهداف المدنية دون مراعاة لأي من القوانين التي تحظر مثل هذه الأساليب زمن الحرب ودون أي اهتمام بالمعاناة الرهيبة التي تُلحقها بالمدنيين.

علاوةً على ذلك، حاولت إدارة ترامب على نحو متزايد – على الرغم من أن ذلك لم يكن كافياً لتحقيق أي فرق ملحوظ – حاولت استخدام نفوذها على السعوديين، لا سيما من خلال الدعم العسكري الأمريكي ومبيعات الأسلحة، لإرغامهم على التوقف عن ارتكاب هذه الأنواع من الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان.
ومن جهة أخرى، فإن ترامب لا يعطي أولوية لحقوق الإنسان أو حتى القيم الإنسانية في سياسته الخارجية، إذ يزعم أن سياسته الخارجية إنما تستند إلى المصلحة الوطنية لا غير. وكما صرّح خلال حملته، فالولايات المتحدة “ستحظى في نهاية الأمر بسياسة خارجية متماسكة تعتمد على المصالح الأمريكية والمصالح المشتركة لحلفائنا” في حال تولى الرئاسة.
ويبدو أن ترامب أكثر من مستعد لتجاهل الأدلة المتزايدة على الأعمال الوحشية التي ترتكبها المملكة العربية السعودية في اليمن بغية عقد الصفقة، لا سيما إذا كان يعتقد أنه سيستطيع الاستفادة منها في المقابل.
ولهذا السبب بالتحديد تجد أن المملكة العربية السعودية، والعديد من الدول الأخرى التي تلقّت محاضرات عن حقوق الإنسان من إدارة أوباما على مدى الأعوام الثماني المنصرمة، تجد أنهم سعداء للغاية لوجود ترامب في المكتب البيضاوي الآن. ذلك أنه من الأسهل بكثير أن ترتكب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان عندما يكون الأشخاص الذين يبيعونك الأسلحة لا يكترثون للطريقة التي تستخدم فيها تلك الأسلحة طالما أنك تدفع لهم.

رابط المادة الأصلي : هنا.



صدى الشام