خلافات روسية إيرانية حول مصير جنوب دمشق


جيرون

ينتظر جنوب دمشق الذي تتقاسم السيطرة على مناطقه مجموعةٌ من التشكيلات العسكرية المتناحرة، دورَه في سياق سياسة التهجير القسري التي ينفذها النظام وحلفاؤه، ضد معاقل الثورة في العاصمة ومحيطها، ويبدو ملف تهجير المنطقة في مسار تصاعدي، خاصةً بعد معلومات عن صفقة لتهجير (داعش) من الجنوب الدمشقي، تزامنًا مع اقتراب إخلاء مخيم اليرموك وحي القدم من عناصر (تحرير الشام) وفق اتفاق المدن الأربعة.

الخلافات تحكم مصير جنوب دمشق

تؤكد مصادر ميدانية من جنوب العاصمة وجودَ تضارب في المصالح، على أكثر من مستوى، بين عدة أطراف في ما يخص ترتيب ملف دمشق بشكلٍ عام، والجنوب الدمشقي أحد أكثر الملفات حساسية في هذه القضية، لاعتبارات عديدة، منها محاذاته من جهة الجنوب لمناطق تخضع بالمطلق لسيطرة ميليشيات “شيعية”، وشمالًا لمعاقل موالية للنظام على خلفية طائفية أيضًا.

في هذا السياق، قال الناشط أبو حسام الدمشقي لـ (جيرون): “تتضارب مصالح روسيا في جنوب دمشق، فالروس وبعض أقطاب النظام غير مرتاحين لتمدد ميليشيات إيران في العاصمة ومحيطها، وهناك معلومات تفيد بأن الروس يريدون طرفًا “سنّيًا” قويًا في المنطقة؛ للوقوف في وجه تلك الميليشيات، ومنعها من التمدد أكثر”. وأضاف أن “جنوب دمشق عقدة مواصلات مهمة بين غرب العاصمة وشرقها، وهو أقرب المناطق إلى وسط العاصمة دمشق عبر مخيم اليرموك والتضامن؛ بالتالي لن تقبل موسكو بهيمنة طهران على هذه المنطقة، ومن هنا فإن أي تسوية، بخصوص جنوب دمشق، ستأخذ بالحسبان المعطياتِ السابقة حُكمًا”.

من جهةٍ أخرى، يرى بعض ناشطي المنطقة أن خلافًا، داخل أقطاب النظام نفسه، يلعب دورًا في خلط الأوراق داخل جنوب دمشق، إذ إن هناك أطرافًا من النظام تجد في المشروع الإيراني ضمانة لمصالحها، بينما ترى أطراف أخرى أن الروس هم الطرف الأقوى، ولذلك تتبنى رؤيتهم حول سورية. في هذا السياق، قال الناشط باسل أبو عمر: “هناك خلاف واضح -وربّما صراع- داخل الأجهزة الأمنية للنظام، هناك أطراف موالية بالمطلق لطهران، وأخرى تدور في فلك موسكو، لدينا عدة أفرع أمنية تحاول الاستئثار بملف المنطقة (فرع فلسطين، فرع المنطقة، المخابرات الجوية)، ولدينا أيضًا صراع (الفرقة الرابعة، الحرس الجمهوري) ولكل طرف من تلك الأطراف ميليشيات على الأرض، تحت مسمى الدفاع الوطني أو اللجان الشعبية”.

تيارات (داعش) ودورها في ملف المنطقة

تشير عدة مصادر ميدانية داخل جنوب دمشق، من بينها اللجنة السياسية، إلى خلافات في قيادة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في المنطقة الجنوبية. خلافات ساعدت -وتساعد- إلى حد بعيد الأطراف الساعية للتحكم في المنطقة، ارتكازًا على الدور الذي وُجد التنظيم من أجله، كأداة لتفتيت المنطقة وإثارة الصراعات المناطقية بين أحيائها. في هذا المنحى، قال أبو عمر: “هناك تياران داخل التنظيم، الأول يناصر الأمير الحالي في جنوب دمشق (أبو هشام الخابوري)، والثاني تيارٌ ما زال يوالي الأمير السابق (أبو صياح فرامة) ولهذا التيار علاقات معروفة، مع رؤوس الميليشيات الشيعية في المناطق المجاورة”.

وشدد أبو عمر على أن “النظام وإيران وروسيا يسعى كلّ منهم، من خلال علاقات أمنية مع التيارات المتصارعة في التنظيم، لتحقيق مصالحة توافق مشروعه، من هنا يمكن التنبؤ بأن الأيام القادمة ربما تحمل معطيات أمنية أكبر”.

اتفاق المدن الأربعة مدخل آخر للصراع

فيما ينتظر مخيم اليرموك استكمال تنفيذ بنود اتفاق المدن الأربعة، وإخلاء عناصر تحرير الشام، بات الجنوب الدمشقي بأكمله ينتظر إن كانت صفقة إخراج (داعش) ستتم، أو أنها ستنتهي إلى الفشل، الأمر الذي سيحدد مصير المنطقة ومستقبلها، وقال فارس عبد الله لـ (جيرون): “دون أدنى شك هناك خلاف روسي إيراني، ليس فقط في جنوب دمشق، وإنما في عموم القضية السورية. في ما يتعلق بجنوب دمشق، أعتقد أن أبرز معالم الخلاف عبّر عنها تضمين مناطق جنوب العاصمة في اتفاق المدن الأربعة، حيث يريد الروس أن يقتصر على أماكن تواجد (تحرير الشام) في المخيم، في حين سعت طهران أن يشمل الاتفاق جنوب دمشق كاملًا (بلدات يلدا/ ببيلا/ بيت سحم) لتضمن أرضًا موالية، تبدأ من أطراف دمشق الجنوبية وتنتهي في منطقة السيدة زينب. وخلال الأيام المقبلة سنعرف إرادة من ستتفوق”.

وأضاف عبد الله “عندما خرج مؤخرًا وفدٌ محسوب على اللجنة السياسية وعلى رأسها (جيش الأبابيل) للقاء وفد روسي في العاصمة دمشق، دار الحديث حول مصير المنطقة ودور الفصائل في المرحلة القادمة، سواء فيما يخص الجوار الخاضع لسيطرة الميليشيات الموالية لطهران، أو باتجاه المناطق الخاضعة لسيطرة (داعش)، في مسعى لتجميد اتفاق المدن الأربعة في حدود المناطق الخاضعة لسيطرة (تحرير الشام) وهو ما لا تريده طهران، وحتى اللحظة لا نملك معلومات دقيقة عما انتهى إليه اللقاء، إلا أن هذا الاجتماع أغضب الأجهزة الأمنية للنظام، تحديدًا فرع فلسطين، لأنه شعر بأن لا دور له في رسم مستقبل العاصمة”.

ولفت عبد الله إلى أنه “في حال خرجت (تحرير الشام) من مخيم اليرموك -حسب ما ينصّ الاتفاق- سنكون أمام خيارين: الأول صراع بين فصائل المعارضة و(داعش) بدعم من الميليشيات الموالية التي ستحل محل (تحرير الشام). والثاني إبرام صفقة لإخراج التنظيم من المنطقة؛ وبالتالي لا يبقى لوجود فصائل المعارضة مبرر، وهو ما يعني تطبيق الاتفاق على كامل المنطقة. أي أنْ تجري عملية مبادلة بين مناطق جنوب دمشق، ومن تبقى من كفريا والفوعة، ولذلك من الصعب التكهن الآن كيف سيكون شكل جنوب العاصمة، وعلينا انتظار ما ستتمخض عنه المواجهة -إن صح التعبير- بين الروس والإيرانيين”.




المصدر