الغارديان: لماذا يصبح بعض الشباب جهاديين؟ يقدم الطب النفسي إجابات


أحمد عيشة

يتعين على المسلمين الذين ينشؤون في البلدان الغربية أن يتعاملوا بالتأثيرات الثقافية المتنافسة. وقد تقبض هذه العملية على مفتاح هزيمة التطرف

يقف الزعماء الدينيون احتجاجًا على ضحايا الهجوم الإرهابي في أرينا، مانشستر. تصوير: جيف ميتشل/ صور جيتي

ما إن يهدأ النقاش، حول الهجوم الصادم في مانشستر، حتى نترك حزننا جانبًا، ونبدأ البحث عن تفسيرٍ مقنع لهذا العنف الذي لا معنى له؛ يعتقد البعض أنَّ الذنب يقع على الإسلام، لأن ثمة آياتٍ في القرآن تضفي الشرعية على هذا العنف، في حين يشير خصومهم إلى أنَّ الأيديولوجية التي تغذي هذه الأعمال الإرهابية، ليست من الدين، وإنما هي تحريف ملتوٍ لنصوصه.

الحقيقة أنّ هناك ما يقرب من 1.6 مليار مسلمٍ في العالم، والأغلبية الساحقة منهم تمقت (داعش) والشر الذي تمثله؛ فما الذي يدفع حفنةً من المتطرفين إلى ارتكاب أعمالٍ مروعة من القتل الجماعي، باسم الإسلام؟

كثيرًا ما يُستشهد بالسياسة الخارجية الغربية كدافعٍ مهم لهذه الأفعال المقيتة، ولكن هناك عددًا لا يُحصى من المواطنين البريطانيين الملتزمين بالقانون من جميع الأديان، ويختلفون مع السياسة الخارجية لبريطانيا، لكنهم لا يشعرون بأنهم مضطرون لإثارة فوضى دموية بسبب ذلك.

يمكن أن يكون أحد العوامل التي تسهم في هذا مفهومًا مستمدًا من عالَم الطب النفسي الثقافي: التثاقف، وهو عملية الموازنة بين نفوذين ثقافيين متنافسين. على سبيل المثال، كوني من الجيل الثاني من الباكستانيين البريطانيين، فأنا متأثرٌ بالثقافة الباكستانية عن طريق والدي، ومتأثر بالثقافة البريطانية البيضاء من خلال الدولة المضيفة، وكلتا الثقافتين تتصارع داخلي؛ يمكن أن يكون هناك عدد من النتائج المحتملة لهذه العملية: يكون الانتزاع أو الاغتراب الثقافي، عندما يفقد المهاجرون كلّ اتصالٍ مع ثقافتهم الأصلية؛ ويكون الاستيعاب، عندما يحتفظون ببعض الروابط الفضفاضة مع ثقافة بلدانهم الأصلية، ولكنهم يعتمدون تمامًا ثقافة الدولة المضيفة؛ ويكون الاندماج، عندما يحتفظون بعلاقاتٍ قوية مع ثقافتهم الأصلية، ولكنهم يعملون بكامل طاقتهم في المجتمع؛ ويكون الرفض، عندما يرفضون ثقافة الدولة المضيفة، تأييدًا تامًا لثقافتهم الأصلية.

يمكن أن تتأثر نتائج عملية التثاقف بمجموعة من العوامل، من بينها مجموعات الرفاق/الأقران، والعلاقات الأسرية، والشخصية، والاقتصاد الاجتماعي، ودرجة القبول، أو غيرها من الأغلبية العرقية. يمكن أن تكون هذه العملية مرهقةً، محاولة تلبية التوقعات والآمال الثقافية للآباء والأمهات في أثناء محاولتهم الاندماج مع أقرانهم، والتعامل مع تجارب العنصرية، وتحقيق التوازن بين القيم الدينية والغربية؛ ما يشكّل تحديًا لكثير من الشباب المسلمين الذين يعيشون في البلدان الغربية اليوم.

بالنسبة إلى أولئك الذين يجدون أنفسهم على خلافٍ مع ثقافة والديهم، ومع ذلك يُقابَلون بعداءٍ من ثقافة المجتمع الذي يعيشون فيه؛ فالخروج عن نموذج التثاقف نحو تبني ثقافةٍ ثالثة، توّفر لهم شعورًا بالانتماء، قد يكون خيارًا جذابًا؛ وفي هذه الحالة تصبح عقولهم أرضًا خصبة للتطرف.

هذا مشابهٌ للطريق نحو ثقافة العصابات للشباب في جميع أنحاء العالم، شعورٌ بالاغتراب عن الأسرة والمجتمع ككل؛ يقودهم إلى أيدي كبار قادة العصابات. فالثقافة المضادة للشباب المسلمين على خلافٍ مع المجتمع في الوقت الحاضر، ليست ثقافة العصابات، وإنما ثقافة فصائل راديكاليةٍ متطرفة تقدّم تقديرًا واحترامًا للذات، والهوية، في مقابل الولاء لبيانٍ عنيف، ومفلسٍ أخلاقيًا. وبمجرّد أن يصبحوا أعضاءً في مجموعة النظراء الهدامة، يمكن أنْ تصبح الأفكار والسلوكيات المقلقة طبيعيةً واعتيادية، بسرعةٍ كبيرة حقًا.

العوامل الاجتماعية والاقتصادية ضمن عملية التطرف (الفقر، وقلة الفرص، والبطالة، وسوء التعليم)، وعلى الرغم من أنّ ذلك يمكن تصوره، إلا أنّ الأدلة عليه محدودة. ولعل انخفاض الثقة بالنفس الناجم عن التهميش هو الوسيط الذي يتاجر به بسهولة بعض الشباب المسلمين الساخطين من أجل الشعور بهدفٍ محسوس، والحالة المرتبطة بأنهم جهاديون.

بالإضافة إلى جذب المجندين إلى الحظيرة، يقوم دعاة الكراهية المتطرفون، وآلة دعاية (داعش) الماكرة، بلعب دورٍ مهمّ في تحويل الإرهابيين المتشددين إلى إرهابيين فعليين. ولعلَّ أولئك الذين يرجح أن ينتقلوا من راديكاليين إلى إرهابيين، هم الأكثر تعرضًا للخطر، والذين هم أكثر عرضةً للبلاغة الجهادية، والمرضى النفسيين النرجسيين الذين قد يستمتعون بسمعة أنهم إرهابيون. وعلى الرغم من أنَّ العوامل التي تؤدي إلى التطرف لا تزال غير مفهومةً، وهي معقدةٌ بقدر ما تكون أعمال الإرهاب مدمرةً، لكن بعض الأفكار العامة المشتركة واضحة، وينبغي لنا أن نرّد على لذلك.

كان العمل المجتمعي الجماعي سمةً بارزة في استراتيجيات مكافحة العصابات في جميع أنحاء العالم، وقد يثبت فاعليته في معارضة هذا النوع الجديد من العنف، بدءًا من توثيق العلاقات والتعاون، بين المجتمعات المسلمة وغير المسلمة، وبذل جهدٍ متضافر لفتح حوار مع الأفراد المعرضين للخطر.

يحتاج العلماء المسلمون المعتدلون إلى تقديم الأدلة اللاهوتية لمعارضة الأفكار الخبيثة التي يقوم بها المجندون المتطرفون، في حين تتخذ قوات الأمن إجراءات ضدهم. ويجب على وسائل الإعلام تقديم سرديةٍ مضادة لدعاية (داعش) التي تظهر أنَّ الشباب المسلمون مقبولون في الغرب، ويمكن أن يجدوا معنى لانتمائهم إليه. ومن شأن الحكومة المقبلة أنْ تقوم بدورٍ جيد في تحويل اهتمام استراتيجية الوقاية من الأمن المجتمعي (الذي تسبب عدم الثقة) إلى مشاركة المجتمع المحلي، فضلًا عن اتباع مقاربةٍ جديدة في السياسة الخارجية، وبذل الجهد للحدِّ من عدم المساواة الاجتماعية لمجموعات الأقليات بدلًا من تركها تتزايد.

وأخيرًا، يجب على الآباء المسلمين أن يكونوا مرنين في مطالبهم بأنْ يتبع أطفالهم قيمَهم، وتقاليدهم الثقافية، حيث من غير المحتمل أن تؤدي هذه المطالبات إلى نتائج إيجابية في مجال التثاقف. وفي النهاية، لا شيء يمكن أن يكون أسوأ، بالنسبة إلى الوالدين المسلمين المهاجرين الذين يبنون بيتًا جديدًا في الغرب بآمالٍ وأحلامٍ لأسرهم، من أن يروا طفلهم يصبح انتحاريًا قاتلًا.

من حقنا أن نستمر بحياتنا بتحدٍّ بعد أي هجوم، على الرغم من فقدان الكثير من الأرواح البريئة، ويجب أن نتخذ إجراءاتٍ لمعالجة العوامل التي تكمن وراء هذه المشكلة، إذا أردنا أن نمنع المزيد من المعاناة. الإرهابيون يسعون إلى تقسيمنا؛ لكنَّ الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها هزيمة هذا الشر هي العمل معًا.

اسم المقالة الأصليWhy do some young people become jihadis? Psychiatry offers answers
الكاتبكاميران أحمد، Kamran Ahmed
مكان النشر وتاريخهالغارديان، The guardian، 26/05/2017
رابط المقالةhttps://www.theguardian.com/commentisfree/2017/may/26/jihadis-muslims-radicalisation-manchester
ترجمةأحمد عيشة



المصدر