مهجّرو حي الوعر بلا سكن


مؤخّراً، أُجبر عشرات الآلاف من السوريّين على الخروج من منازلهم قسراً، وذلك في حلب ودمشق وريفها وحمص. المجموعة الأخيرة كانت من آخر معاقل المعارضة في مدينة حمص (حي الوعر)، وتوجّه جزء كبير منها إلى ريف حلب، الخاضعة لسيطرة الفصائل المسلّحة المعارضة، ليواجهوا أزمة سكن كبيرة في ظلّ غلاء يطاول مختلف جوانب الحياة المعيشيّة.

ويقول المتحدّث بإسم “مركز حمص الإعلامي” محمد السباعي، المهجر مؤخراً من حي الوعر، لـ “العربي الجديد”: “يبدو أنّ المعاناة هي رفيقتنا أينما حللنا، وأشد ما نعاني منه منذ وصولنا إلى ريف حلب الشمالي هي أزمة السكن”. ليس من السهل الحصول على منزل مناسب، في ظل ارتفاع بدلات الإيجار بشكل كبير، وتتراوح ما بين 75 و250 دولاراً، في وقت يتقاضى سمسار العقارات بدل إيجار شهر أو شهرين. يتزامن ذلك مع ارتفاع كبير في أسعار المواد الغذائية والحاجات الأساسية اليومية.

يضيف السباعي أنّ الغالبية الساحقة من المهجرين يعانون من فقر مدقع، بعد حصار استمرّ سنوات. واليوم، باتوا خارج منازلهم وأرضهم، وهم في حاجة إلى المال حتى يتمكّنوا من العيش هنا. كذلك، تستمر معاناة الشباب بسبب البطالة، لافتاً إلى أن “هناك من يترحّم على أيام الحصار، ويبدي ندمه لخروجه من أرضه”. ويوضح أن متوسّط دخل الفرد في ريف حلب (إذا توفّر العمل)، لا يتجاوز المائة دولار أميركي. من هذا المبلغ، يجب أن يدفع بدل إيجار بيته ويشتري المياه ويشترك في المولدات الخاصة في ظل انقطاع الكهرباء، أقلّه لتشغيل الثلاجة والغسالة. وفي النتيجة، فإن هذا المبلغ لا يغطي هذه الاحتياجات الأساسية، ما يدفع جميع أفراد العائلة إلى البحث عن عمل، على حساب تعليم الأبناء وقضاء الوقت مع الأسرة وغيرها من الأمور.

ويلفت السباعي إلى أنّ “عدداً كبيراً من أبناء الوعر يعيشون في مخيمات اللّجوء، في ظلّ الحالة الإنسانيّة المتردية، إذ لا تتوفر الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وغيرها”، مبيّناً أن “هناك أكثر من ثلاثة آلاف خيمة في مخيم زوغرة، حيث كل مقومات الحياة معدومة بالنسبة لقاطنيها”.

وكانت الدفعة الأخيرة من مهجّري الوعر قد وصلت إلى مخيم زوغرة مؤخّراً، ويقدر عدد أفرادها بنحو 1500 شخص، ليفوق عدد قاطني المخيم عشرة آلاف شخص. حينها، أفاد ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأن المهجرين وصلوا في وقت لم يكن مؤمنا لهم خيام أو مساعدات غذائية وطبية، ما اضطرهم للإقامة في هنغارات غير مستخدمة.

وتفيد معلومات متقاطعة بأن الكثير من العائلات تضطر إلى ترك المنازل التي تقطنها، بسبب عجزها عن دفع بدلات الإيجار، واللّجوء إلى السكن في خيمة في أحد المخيمات المتواجدة في المنطقة. وفي حال عدم توفر خيام، تضطر العائلة إلى شراء خيمة صغيرة. ويقول مصدر محلي إن “هناك منازل يقطنها أكثر من عائلة واحدة، في محاولة منها لتخفيض ما تتحمله شهرياً”.

من جهةٍ أُخرى، فلموقع المنزل والمنطقة دور أساسي في تحديد بدل إيجاره الشهري، خصوصاً لناحية خطوط الاشتباكات وهوية الجهة الموجودة على الطرف الأخر، سواء أكانت تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) أو النظام والمليشيات.

ويقول الناشط أبو محمد الحلبي، لـ “العربي الجديد”، إنّ أزمة السكن وارتفاع بدل إيجار المنازل ينسحبان على مختلف مناطق سورية، خصوصاً تلك التي استقبلت عدداً كبيراً من النازحين أو المهجرين، بعدما ارتفع الطلب على المنازل بشكل مفاجئ، حتّى إنّ هناك من رمم بعض المنازل القديمة أو حتى حظائر الماشية بهدف تأجيرها، وإن كانت في حالة سيئة جداً. ويرى أنّ “موضوع ارتفاع بدلات الإيجار يرتبط بارتفاع تكاليف المعيشة وانخفاض قيمة العملة. ولطالما اعتبر المواطن السوري العقار استثمارا. بالتالي، يحاول الاستفادة منه لتأمين دخل يعينه، علماً أنّه يعد في الوقت الحالي استثماراً خاسراً.

يتابع الحلبي: “بالطبع، هذا ليس تبريراً، في ظل وجود شعب سحقته الحرب والتهجير والجوع والفقر، ولم يعد له مكان يلجأ إليه. في الواقع، يسعى كل شخص إلى تأمين احتياجات عائلته، في حين يغيب دور المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية، إما بحجة الحرب أو انتظار التوصل إلى اتفاق سياسي وغيرها من الحجج والمبررات”. لكنه يسأل: “كيف يمكن للأطفال الذين يعيشون في ظل هذه الظروف المأساوية، أي في العراء، ويعانون الجوع والعطش، ولا يتمتعون بحقّهم في التعليم، الانتظار”؟



صدى الشام