on
محادثات أستانا.. الروس يستفردون بسوريا بتفويضٍ أميركي
كان واضحاً منذ البداية سعي الروس لتكريس مسار “أستانا” كخيار يلبي طموحات موسكو ونظام الأسد بمنأى عن احتمالات تقدم مسار جنيف أو مراوحته، فقد استطاع النظام بفضل “أستانا” أن يمرر ما يريد من عمليات اقتلاع للسكان وتهجير لكل من يرفض المصالحة منهم سواء تحت ستار وقف إطلاق النار، أو”خفض التوتر”.
لذلك فإن الصمت الديبلوماسي لم يَطُل بعد التأجيل الأخير لجولة المحادثات في العاصمة الكازاخية، حيث أعلن نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف عن الأمل بعقد اجتماع جديد في أستانا في الرابع والخامس من تموز المقبل.
هل شنشهد تغييرات؟
بعيداً عن إمكانية عقد هذ الاجتماع في الموعد المأمول روسيّاً، فإن التأجيل السابق لجولة المحادثات التي كانت منتظرة يومي 12 و 13 حزيران الجاري، أوحى بوجود تطورات في مواقف أطراف مشاركة في تلك المحادثات، وقد يكون ذلك انعكاساً لتطورات الأزمة الخليجية تحديداً، وإن كان من المبكر الجزم بذلك، بحسب الصحفي والمحلل السياسي إياد الجعفري.
وبالنسبة للمراحل المقبلة، يقول الجعفري إنها ستتوقف على عاملين مهمين: تطورات الأزمة الخليجية، التي لا بد أنها ستؤثر على مواقف مختلف الفرقاء حتى في الداخل السوري، وعلى تطورات السياسة الأمريكية تجاه الملف السوري، والتي تبدو أنها تدخل طوراً مختلفاً عن السابق، إذ يبدو أن الأمريكيين يتجهون لتحقيق الفصل البري بين العراق وسوريا، بصورة تقطع على الإيرانيين التواصل بين مناطق نفوذهم في البلدين، وهو أمر لم يقبل به الإيرانيون، وسيسعون جاهدين إلى وقفه بأية طريقة كانت.
ويضيف الجعفري “لذلك، أعتقد أن المرحلة المقبلة ستشهد تطورات لافتة في شرقي سوريا وباديتها، وجنوبيها أيضاً، مع هدوء مرتقب نسبياً في مناطق الشمال الغربي والوسط، كإدلب واللاذقية وحماه وحمص، بمعنى أن اتفاق “خفض التوتر” قد يسري بصورة ملحوظة في تلك المناطق، مقابل انتفائه تماماً في البادية وشرقي وجنوبي سوريا”.
ستتوقف طبيعة المراحل المقبلة على عاملين مهمين: تطورات الأزمة الخليجية، التي لا بد أنها ستؤثر على مواقف مختلف الفرقاء، بالإضافة لتطورات السياسة الأمريكية تجاه الملف السوري.
فض اشتباك
كان عهد أوباما جيداً جداً بالنسبة للخزانة الأمريكية التي لم تدفع سوى القليل للمعارضة السورية، فقد كانت سياسة الحاكم السابق للبيت الأبيض “غير مكلفة على الإطلاق”، لكنها بالنتيجة أوصلت الجميع بمن فيهم نظام الأسد والروس والإيرانيين وحتى المعارضة والدول الداعمة لها إلى درجة الإنهاك.
يقول المحلل السياسي اللبناني “نضال سعيد السبع” إن “الجميع تعب من المعارك الطويلة في سوريا، وهم يبحثون عمّن يساعد في عملية فض الاشتباك بين مختلف الأطراف المتنازعة، لذلك أعتقد أن مسار أستانا أتى ليحل مكان الدور الأمريكي الذي آثر اللعب عن بعد”.
لكن هل ستتغير الخارطة مع قدوم الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب؟ يجيب السبع بأن الولايات المتحدة مؤيدة لما طرحته الدول الضامنة في أستانا، وهي في حالة تفويض للروس.
ويدعم هذا الرأي الذي طرحه السبع تصريح البنتاغون يوم الجمعة الماضي أن روسيا كانت مفيدة جداً لـ “خفض التوتر” في جنوبي سوريا، والهدوء الذي نشهده اليوم يعود بشكل كبير إلى تدخلاتها.
و صرح البنتاغون أن الروس يحاولون الاتصال بالأطراف الآخرين الموالين للنظام، ويحاولون القيام بالمطلوب ومنع هذه الأطراف من القيام بأعمال تزعزع الاستقرار.
جاء مسار أستانا ليحل مكان الدور الأمريكي الذي آثر اللعب عن بعد، واليوم تبدي الولايات المتحدة تأييداً لما طرحته الدول الضامنة في أستانا، وهي في حالة تفويض للروس.
خفض التوتر
في جولة المحادثات الأخيرة بأستانا في أيار الماضي اتفقت روسيا وإيران وتركيا على إنشاء مناطق “تخفيف التصعيد”، وتعتبر هذه الفكرة نتاجاً لمسيرة مفاوضات حدثت عبر عدة جولات في العاصمة الكازاخية، وحصيلة للمعالجة الروسية للمشهد السوري، وغاية الفكرة أساساً، أن توحي موسكو بأنها ما تزال ممسكة بالملف السوري سياسياً وأمنياً، تجنباً لتغير في السياسة الأمريكية حيال التدخل الروسي في سوريا.
يقول المحلل السياسي إياد الجعفري إن اتفاق “خفض التوتر” خفف بالفعل من مستوى العنف في عموم البلاد، لكنه في الوقت نفسه، أتاح للنظام وحليفه الإيراني التركيز على جبهات محددة، ونقصد درعا، رغم أن تلك المنطقة مشمولة بالاتفاق، إلا أن النظام يخرق منذ أيام الاتفاق في درعا، سعياً وراء استعادة المناطق التي سيطرت عليها المعارضة في الأشهر الأخيرة، الأمر الذي يؤكد أن اتفاق “خفض التوتر” لا يحظى بالتزام جدي من جانب النظام وحليفه الإيراني.
غاية فكرة مناطق “تخفيف التصعيد” أن توحي موسكو بأنها ما تزال ممسكة بالملف السوري سياسياً وأمنياً، تجنباً لتغير في السياسة الأمريكية حيال التدخل الروسي في سوريا.
وفد المعارضة
يبدو موقف المعارضة في محادثات أستانا ضعيفاً وباهتاً، وترجِع تحليلات هذا الضعف إلى التطوارت على الأرض السورية، والانقسام في مواقف أقطاب المعارضة، فالوفد الذي يذهب إلى الأستانا هو عملياً، تجمع لعدد من الفصائل التي تعرضت لضغوط من قبل لاعبين إقليميين، فقررت إرسال مندوبين عنها إلى المفاوضات في نهاية المطاف، وبالتالي لا يعبر الوفد عن جهة سياسية وميدانية محددة، بل هو ائتلاف لمجموعة متنوعة من الفصائل المعارضة، لذلك، من الطبيعي أن يكون موقف الوفد غير قوي.
صدى الشام