نيو يورك تايمز: طموح قطر


أحمد عيشة

من اليسار، رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، والشيخ خليفة بن حمد آل ثاني، أمير قطر آنذاك؛ وخالد مشعل، زعيم حماس آنذاك في 2014. تصوير أسامة فيصل/ أسوشيتد برس

على الرغم من الخطاب عالي النبرة، والحظر العقابي، فإن التوترات المتزايدة في الخليج الفارسي، لا تُهدّد باندلاع حربٍ أخرى في الشرق الأوسط الذي مزقته الصراعات. إنّ الخلاف بين المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة من جهة، وقطر من جهة أخرى، قائمٌ منذ فترةٍ طويلة. دعك من العناوين الرئيسة المغالية التي لم تتغير إلى حدٍّ كبير.

ما تغيّر هو الفرصة التي انتهزها السعوديون، والإماراتيون، مع صديقٍ جديد في البيت الأبيض، لإزالة عقبة من طريقهم نحو التصدي لخصمين قويين: إيران، والإخوان المسلمين. قد تؤدي تهديداتهم، وترهيبهم إلى تعديل سلوك قطر، إلا أنَّ ضعف البلدين المتأصل، والفوارق بينهما يقفان أمام مزيدٍ من التصعيد.

في إشارةٍ إلى دعم قطر لـ “إرهابيين” -وهو اسم شائع حاليًّا، يُستخدم لوصف المعارضين السياسيين، بالإضافة إلى الجماعات الجهادية- قام شريكا قطر في مجلس التعاون الخليجي، بقطع العلاقات الدبلوماسية معها، في الخامس من حزيران/ يونيو، وفرضوا حصارًا بريًّا وجويًّا، لم يترك للدولة الصغيرة، سوى طريقًا واحدًا للوصول إلى الإمدادات الأساسية.

ماذا فعلت قطر لإثارة مثل هذا الغضب؟

لقد سعت قطر إلى تسخير القوة المالية التي تستمدها من احتياطاتها الهائلة من الغاز، للحصول على وضعٍ دبلوماسي لا يتناسب مع حجمها. وزارة الخارجية في البلاد صغيرة -كما اكتشفتُ في زياراتي على مرِّ السنين- ولكنها قويةٌ بشكلٍ مدهش. قبل عقدٍ من الزمان، أدخلت قطر نفسها كوسيطٍ في عددٍ من النزاعات، بما في ذلك التنافس الذي حدث بعد عام 2006 بين الفصيلين الفلسطينيين: فتح، وحماس، والجولات المتعددة للحكومة اليمنية في المعركة ضد المتمردين الحوثيين في الفترة من 2003 إلى 2009، والحروب الداخلية التي لا تنتهي في السودان. يبدو أنَّه لا يكاد يمرُّ أسبوع من دون أنْ تُعقَد عدَّة اجتماعاتٍ في أحد فنادق الدوحة المتألقة، بشكلٍ علنيّ أو سريّ، تجمع بين خصوم فلسطينيين، أو أفغان أو لبنانيين، وكانوا سعداء، لأن تُتاح لهم الفرصة في بعض الراحة والاسترخاء، بعيدًا عن ساحة المعركة، حتى لو لم يحرزوا تقدمًا يُذكر في التفاوض بشأن السلام.

كانت قطر تتصرف، أو تطمح لدورٍ أكبر من حجمها، ولكنْ لكونها لم تشكل تهديدًا حقيقيًا لأحد، فإنَّ الجارة الغربية الأكبر حجمًا، والأكثر ثراءً، والأقوى، المملكة العربية السعودية، تسامحت مع سلوكها المغرور؛ ما دفع بدولة قطر إلى اتباع سياسةٍ خارجية لصالحها، يحركها بالدولار، سياسة تنطوي على القليل من الدبلوماسية.

كانت العلاقات بين الطرفين هشة؛ حيث حدثت محاولتان انقلابيتان في الدوحة، ومناوشات حدودية في بعض الأحيان، ولكن بالنسبة للمملكة العربية السعودية، كانت قطر مصدرًا للقلق في أغلب الأحيان، إنها حليفٌ تائه في مجلس التعاون الخليجي، صبيانيّ مزعج، ولا بدَّ من توبيخه، وليس جَلده.

مع اضطراب الربيع العربي، تغيَّر كلَّ شيء. ولأن المستبدين تساقطوا مثل الدومينو، أدركت الأسرة المالكة السعودية، جنبًا إلى جنب مع الدول الأخرى في العالم العربي، أنَّ دورها في السقوط قد يكون مقبلًا؛ فولّدت الثورة المضادة في الرياض، وكان هدفها الأول والأساس: حكومة الرئيس محمد مرسي المنتخبة في مصر. كان السيد مرسي زعيمًا لجماعة الإخوان المسلمين، وهي حركةٌ أثبتت أنَّها القوةُ السياسية الوحيدة، المتماسكة، والمنظمة، والمنضبطة القادرة على أن تكون بديلًا للأنظمة العربية المتداعية.

حصل الإخوان المسلمون على دعمٍ قوي من قطر التي أفسح لها موقفها المحايد في الوساطة، قبل عام 2011، الطريقَ أمام الدعم المتحمس للحركة التي رأت أنَّها فائزة. وكما استضافت البلاد زعيم (حماس)، الفرع الفلسطيني للحركة، الزعيمَ الذي كان قد طُرد من دمشق. إطاحة السيد مرسي من قبل الجيش المصري المدعوم من السعودية بقيادة عبد الفتاح السيسي، في تموز/ يوليو 2013؛ قلبت المكاسب السياسية للإخوان في جميع أنحاء المنطقة.

أما المستفید الرئیس الثاني من الانتفاضات العربية الفاشلة، فھو إیران التي كانت ثرواتها تنضب أو تتبدد. بعد أنْ اكتسبت موطئ قدمٍ مهم في العراق، بعد إزاحة صدام حسين في عام 2003، وسّعت إيران نطاق انتشارها مع انحدار سورية إلى حالةٍ من الفوضى، بعد عام 2011، وتقدمت لإنقاذ الرئيس بشار الأسد.

لقد راقبت المملكة العربية السعودية صعودَ إيران بقلقٍ متزايد، متهمةً طهران بتغذية طموحات هيمنةٍ، كتمتها العقوبات الدولية التي رُفعت بعد الاتفاق النووي لعام 2015. ويعتقد السعوديون الآن أنَّ إيران تستفيد من مكانتها الدولية الجديدة، مما يمكنها من الوصول إلى الأعمال “البيزنس” والاستثمارات من خلال زيادة دورها العسكري، ودعمها في كل من سورية، والعراق، واليمن.

وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، وتعيينه لكبار المسؤولين الذين، جنبًا إلى جنب مع الكثيرين في مجلس النواب، ومجلس الشيوخ، الذين يحتقرون الاتفاق النووي، ويؤيدون استمرار العداء مع إيران الآن، يوفر للسعوديين فرصةً لمواجهة إيران بالوكالة، كون الوكيل هو الجيش الأميركي.

ولكن تقف قطر الصغيرة منزعجةً، وغير راغبةٍ في الخروج من الطريق، ناهيك عن أنَّ قطر لم تعارض أبدًا السياسة السعودية تجاه إيران، بل وقفت مع الجانب السعودي في كلٍّ من سورية، واليمن، بمواجهةٍ مباشرة مع إيران. وقد حافظت قطر، مع دولٍ خليجية صغيرة أخرى، على علاقاتٍ ودية مع جارتها الإيرانية. (قطر، على وجه الخصوص، تقيم علاقاتٍ طيبة مع إيران، لأنَّ البلدين يشتركان في حقلٍ عملاق للغاز البحري في الخليج). وحتى لو رأت الدوحةُ الرياضَ تعربد، فليس لها -بحكم الجغرافيا- خيار سوى التساهل، وإنْ لزم الأمر، التهدئة والاسترضاء، حيث لا تزال تفضل كثيرًا السعوديين على الإيرانيين.

لا داعي لأنْ يقلق أمير قطر كثيرًا من أنَّ الاضطراب الحالي سوف يخرج عن السيطرة. فحلفاؤه الخليجيون الذين تحولوا إلى خصومٍ، لديهم مصالح متباينة في سعيهم لتحقيق امتثاله المطلق لإملائهم.

وعلى النقيض من المملكة العربية السعودية، فإن الإمارات العربية المتحدة، المعروفة بموقفها، الأقلُّ بكثيرٍ مناهضةً لإيران، من موقفها ضد جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبرها منافسًا محليًّا. فقد سجنت أعضاءها في الداخل، وقاتلتهم في الخارج في ليبيا، على وجه الخصوص، ولكن أيضًا في اليمن، حيث عارضت الإمارات العربية، بنشاطٍ، حزبَ الإصلاح المرتبط بالإخوان المسلمين، وهو الذي يشارك في معركة الإماراتيين، والسعوديين ضد الحوثيين دعمًا للحكومة اليمنية المخلوعة. وفي تونس، حيث يحاول الإماراتيون كسر حكومة الوحدة الهشة، التي تضم حزب “النهضة الإسلامي” المعتدل.

في الواقع، إنَّ الإمارات العربية المتحدة، قد تمنع القطريين من دخول الإمارات بحجة الحصار، بينما لا يزال الإيرانيون، واستثماراتهم موضع ترحيبٍ حار. وفي الوقت نفسه، يشعر السعوديون بقلقٍ أكبر من الدور الإيراني المتزايد في المنطقة، وخاصةً في اليمن، وعلى عكس الإمارات العربية المتحدة، فهي على استعدادٍ للعمل مع الإصلاح لهزيمة الحوثيين؛ وبالتالي طرد إيران.

لكلٍّ من السعوديين، والإماراتيين أسباب لمحاولة الضغط على قطر، وإعادتها لجانبهم، ولكن أولوياتهم، وتحالفاتهم المتعارضة، وعدم قدرتهم على إدخال جيوشهم في حربٍ أخرى، تضعف من تأثير تهديداتهم.

يعود الأمر الآن إلى أنَّ دول الخليج الصغيرة الأخرى، مثل الكويت أو عمان تلعب دور الوساطة، والمساعدة في إيجاد صيغة تحفظ ماء الوجه لكلا الجانبين، حيث يمكن للسعوديين، والإماراتيين أن يخففوا من مطالبهم، وضغطهم على قطر، على سبيل المثال، مقابل أنْ تخفف قطر من دعمها العلني لجماعة الإخوان المسلمين؛ وهذا من غير المنطقي كما يبدو. حتى إدارة ترامب، في ارتباكها واستجاباتها المتناقضة، قد تكون قادرة على المساعدة في تخفيف الأزمة.

نأمل أنْ يكون هذا النزاع ليس أكثر من مجرّد عاصفةٍ في فنجان. فالفنجان الآن هو الخليج، وهو منطقة اسمها (العربي أو الفارسي) متنازع عليه، وحيث خطوة واحدة كاذبة، وإشارة واحدة من سوء الفهم في الاتصال، يمكن أنْ تحرك قوًى لا يمكن وقفها، من شأنها أنْ تلحق قدرًا كبيرًا من الضرر بالمصالح السعودية، والإماراتية أكثر من قطر.

اسم المقالة الأصليQatar Punched Above Its Weight. Now It’s Paying the Price
الكاتبجوست هيلترمان، Joost Hiltermann
مكان النشر وتاريخهنيو يورك تايمز، The New York Times، 18/06/2017
رابط المقالةhttps://www.nytimes.com/2017/06/18/opinion/qatar-saudi-arabia-iran-muslim-brotherhood.html
ترجمةأحمد عيشة



المصدر