«فورين بوليسي»: محاولات السعودية لإخضاع قطر تضعفها وتصب في مصلحة إيران


نشرت مجلة «فورين بوليسي» مقالًا للكاتب روس هاريسون، يقول فيه إن الأزمة القطرية تترك آثارها على الدول التي تقودها، خاصة السعودية، مشيرًا إلى أنه من الواضح أن الأخيرة تقوم بتفكيك وإضعاف نفسها.

ويقول الكاتب في مقاله، الذي ترجمته «عربي21»، إن «ولي العهد السعودي الجديد الأمير محمد بن سلمان، الذي يرى فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب صورة طبق الأصل عن نفسه، والذي يتبنى موقفًا متشددًا من إيران وجارته قطر، يتفق مع موقف ترامب العدواني تجاه إيران».
ويستدرك هاريسون بأن «ترامب من خلال تدخله في الخلافات الخليجية – الخليجية، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي، وتعزيز الرؤية بأن إيران هي مصدر الشر في المنطقة، فإنه يزيد من متاعبها، ويعجل بزعزعة استقرارها، ويمنح بالتالي طهران انتصارًا كبيرًا، تمامًا كما فعل سلفه الجمهوري جورج دبليو بوش عندما احتل العراق، وأنهى حكم صدام، وفعل الأمر ذاته مع حركة طالبان في أفغانستان، حيث أنهى نظامين معاديين لطهران دون أن تضطر الأخيرة، لفعل شيء، وتخلص بوش من بلد (العراق) ظل محورًا موازيًا للطموحات الإيرانية في المنطقة وحاجزًا لها».

ويقول الكاتب: إن «السعوديين سيخطئون التقدير لو تعاملوا مع دعم ترامب لسياساتهم في المنطقة على أنه ضوء أخضر، فمهما فعلت أمريكا في سياستها، فإن زيادة النقد لإيران، وفرض حصار على دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي لن يؤدي إلا إلى إضعاف موقف السعودية والتنازل عما تبقى مما يمكن الحديث عنه بصفته (نظامًا عربيًا)».

ويحذر هاريسون من أن «المحاولات التي يقصد منها الإطاحة بإيران لن تترك سوى أثر عكسي، ألا وهو تقوية ساعد إيران، وبالتأكيد فيمكن أن نغفر لصناع السياسة الإيرانية تفكيرهم، في أن السعودية أصبحت ضحية لحركة من حركات لعبة الجودو، التي يقوم فيها أحد المتنافسين باستخدام حركة ليضر بها نفسه لا منافسه».

ويتساءل الكاتب عن الكيفية التي تقوم بها السعودية بالإضرار بنفسها في محاولتها للتخلص من منافستها، وإجبار قطر على الانصياع لأوامرها، ويجيب قائلًا: إن السعودية عادة ما تعتمد في قوتها على الدعم الأمريكي، الذي يعطيها تفوقًا على إيران، إلا أن المملكة تعتمد في موقفها السياسي على موقعها القوي في العالم العربي، لكن النظام العربي أصبح الآن ضعيفًا؛ بسبب الحروب الأهلية، التي أدت إلى تآكله في اليمن وليبيا ومصر وسوريا والعراق، ومع أن إيران تمثل تهديدًا للسعودية، إلا أن ضعف الموقف السعودي، الناجم عن الربيع العربي والحروب الأهلية، هو ما يمثل تهديدًا للسعودية أكثر من إيران».

ويجد هاريسون أن «زيادة العداء ضد إيران سيؤدي إلى إطالة أمد هذه الحروب، بشكل يؤدي إلى إضعاف العالم العربي، وبالضرورة إضعاف الموقف السعودي أمام إيران، وكلما طالت حروب الوكالة بين السعودية وإيران في المنطقة استمرت الحروب الأهلية، وهناك مخاطر من انتشار الحرب إلى مناطق أخرى، مثل الأردن ولبنان، وكلما استمر التمزق العربي زادت مكاسب إيران في اللعبة الإقليمية».


ويرى الكاتب أن «النزاع في سوريا ضد نظام بشار الأسد هو مجاز عن الكيفية التي تمثل فيها النزاعات بين الدول العربية تهديدًا للنظام السعودي، أكثر من كونه تحديًا لإيران، وفي الحقيقة فإن المليشيات الشيعية المنضبطة عززت من سيطرة النظام على مناطقه، مقارنة مع المعارضة السورية الممزقة، فهناك المئات من الفصائل السورية، من جماعات تنظيم القاعدة وهيئة تحرير الشام (النصرة سابقًا) وقوى الجيش الحر وجيش الإسلام، وهي منشغلة في تشكيل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام، مثل إدلب، ولأن النظام حصل على دعم من إيران وروسيا فمن غير المحتمل أن تمثل هذه الجماعات أي تهديد وجودي على النظام في دمشق، بل على العكس، فإن قاعدة قوتها تتأثر في مناطقها، حيث انحرف الميزان لصالح الحكومة، ومن هنا فليس مستبعدًا أن تقوم هذه الجماعات، مثل هيئة تحرير الشام، بتحويل بنادقها إلى خارج سوريا، وتبدأ بتهديد النظام السعودي، ويعد اتفاق تخفيف حدة التوتر، الذي ترعاه روسيا وإيران وتركيا، عامل ضعف للمعارضة».

ويتهم هاريسون السعودية بمضاعفة مخاطر أثر النزاع السوري، من خلال استخدام الانقسامات العربية نقطة للنزاع مع قطر، مشيرًا إلى أن «الرياض ترى في الإخوان المسلمين تهديدًا، فيما تنظر لهم قطر على أنهم حركة سياسية ذات جذور عميقة في العالم العربي، وفي الوقت الذي يمكن فيه نقاش الموقف القطري من الجماعة، إلا أن الخلط بين الإخوان والحركات الجهادية، مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة، يمكن أن ينعكس وبطريقة خطيرة على السعودية، فمن خلال دفع الإخوان إلى خارج النقاش السني، تقوم السعودية والإمارات بفتح الباب أمام الجماعات المتطرفة، مثل هيئة تحرير الشام، لتصبح الخطر الأكبر على السعودية والعالم العربي».

ويقول الكاتب: إنه «علاوة على ذلك كله، فإن الشرق الأوسط اليوم هو نظام إقليمي يفتقد صمامات أمان كثيرة، ويمكن أن ينظر لقطر وعمان والكويت على أنها تقوم بأداء دور المخفف للضغط، فمن خلال أداء دور من بيني الجسور مع الإخوان وإيران، فإنها تقدم حلولًا للمشكلات والحوار داخل العالم العربي وخارجه، ومع أن السعودية تشعر بالضيق من مواقف قطر الغامضة، إلا أنها تقوم بخلط خطوط النزاع، بشكل تفتح فيه مجالًا لتطبيع العلاقة بين الدوحة وطهران، وبالتالي، فإن الضغوط التي تمارسها السعودية على قطر تعني زيادة تقسيم العالم العربي بين محور السعودية والبحرين ومصر والإمارات من جهة، والكويت وعمان وقطر من جهة أخرى، وعليه فإن خلق معسكرين لن يؤدي إلا لإضعاف الموقف السعودي».

ويشير هاريسون إلى أن «هناك خطرًا آخر، وهو خروج قطر من منظومة مجلس التعاون الخليجي، ومع أن هذه الدولة اتبعت سياسة خارجية مستقلة، إلا أنها تعاونت مع السعودية في عدد من المبادرات، بما فيها حرب اليمن، وهناك إمكانية لأن تصبح قطر أكثر استقلالية من ناحية علاقتها مع تركيا وإيران، اللتين تقدمان لها الدعم، وهو ما يعني خسارة للرياض، بالإضافة إلى أن استمرار الأزمة يعني تقوية المحور التركي الإيراني، الذي يتطور بسبب التعاون ضد التهديد المشترك النابع من حزب العمال الكردستاني والمحادثات في الأستانة».


ويذهب الكاتب إلى أن «وجود تركيا بصفتها جسرًا بين السعودية وإيران كان إحدى العلامات الصحية الوحيدة في منطقة تعاني من أمراض شديدة، إلا أن الدفع باتجاه التعاون البناء بين تركيا وإيران لن يخدم السعودية ولا المنطقة، وهناك مخاطر بأن تجبر باكستان، التي حاولت التعامل بحذر مع الأزمة القطرية، على اتخاذ مواقف بطريقة لا تسر السعودية».

ويلفت هاريسون إلى أن «استمرار حالة عدم الثقة سيؤثر على محاربة تنظيم الدولة، فالهجمات التي قام بها ضد إيران، وتلك التي نفذها في تركيا، تعني أن هذه الدول ستتحد نظريًا ضده، إلا أن الأزمة الحالية في قطر ستجعل من كل دولة تنظر لتنظيم الدولة على أنه تهديد ثانوي، والنظر للآخر على أنه العدو الأول».

ويبين الكاتب أنه «في ظل محاولات لضمان عدم قيام تنظيم الدولة بإعادة تجميع نفسه من جديد بعد انتهاء المعركة في الرقة والموصل، فإن هذه ليست أخبارًا جيدة للسعودية والمنطقة، ولأن التنظيم يعد في جوهره تمردًا على النظام العربي، فإن عودته تعني خرابًا للعالم العربي، وليس الدول غير العربية، مثل إيران وتركيا».

ويعتقد هاريسون بأن «تصرفات السعودية ستؤدي إلى تقوية العناصر المتشددة في إيران، التي تستفيد من مظاهر الضعف العربي، فمن حق السعودية أن تعبر عن مخاوفها من مغامرات طهران في اليمن وسوريا والعراق، لكن العداء السعودي سيعزز أصواتًا مثل قائد فيلق القدس المسؤول عن تقوية الوجود الإيراني في المنطقة قاسم سليماني، من خلال استغلال الفراغ وزيادة من نشاطاته».

ويرى هاريسون أن «محاولات السعودية مواجهة المغامرات الإيرانية من خلال نظام قائم على ثلاثة أنظمة هو سليم من الناحية الاستراتيجية، فالسعودية تقوم بإضعاف نفسها، وعلى السعودية أن تصبح بدلًا عن ذلك شريكا للسلام في سوريا واليمن، وتقوم بتقوية موقعها داخل العالم العربي، حيث أن مواصلة الحرب في اليمن لمواجهة إيران هي بمثابة إطلاق النار على بيتك من أجل حمايته، ولا يمكن للسعودية أن تحقق الأمن لنفسها إلا من خلال العمل على رأب الانشقاقات السياسية والأيديولوجية مع جيرانها».

ويخلص الكاتب إلى القول: إن «ما يجب على الولايات المتحدة القيام به، بالإضافة إلى دعم محاولة السعودية لخلق توازن قوى ضد إيران، هو تشجيع الرياض على إيجاد مسار دبلوماسي موازٍ مع طهران، ومحاولة إيجاد حل سلمي للأزمة مع قطر، ويجب على أمريكا أن تسهم في استخراج أفضل ما لدى السعوديين من الناحية الدبلوماسية لا الأسوأ، فإن احتواء إيران عبر الدبلوماسية، وإنهاء الحروب الأهلية، هو الطريق الوحيد للخروج من المأزق الحالي في العالم العربي».

رابط المادة الأصلي: هنا.



صدى الشام