كيف شيطن الإنترنت اللاجئين السوريين وجعلهم منبوذين؟.. أبرز الهاشتاغات التي حرّضت ضدهم في بلدان اللجوء


رغداء زيدان ـ خاص السورية نت

بعد سنوات الحرب الطويلة في سوريا، واضطرار ملايين السوريين لمغادرة بلدهم، وانتشارهم في بلاد العالم المختلفة، لم تنحصر معاناتهم بآلام الغربة والابتعاد عن الوطن فحسب، بل تعدتها لشعورهم بالنبذ من خلال التضييق على كثير من جوانب تحركاتهم، وانطلاق دعوات بين الفينة والأخرى تدعو لطردهم.

فإن كانت إجراءات الدول يبررها الخوف الأمني، والتنظيم المجتمعي، فإن ألم الرفض والنبذ ودعوات الطرد التي لاحقت السوريين عند ارتكاب أحدهم أي خطأ أو مخالفة أو مشكلة، من قبل المجتمعات المضيفة، كان له أثر بالغ السوء في نفوسهم، وقد عرّضهم لاعتداءات أحياناً، أو سوء معاملة في أحيان أخرى.

ومن الأساليب التي استخدمت في الدعوة لطرد السوريين في بلاد مختلفة كان أسلوب "الهاشتاغ" الذي هو عبارة عن علامة تصنيف يتم استخدامها لتصنيف التغريدات أو المنشورات ذات الموضوع الواحد، بحيث يمكن قراءتها من قبل متابعين هذه التغريدات أو الأخبار أو من قبل غير المتابعين لها، ودائماً تبدأ بإشارة  #.

و"السورية نت" تستعرض أبرز الهاشتاغات التي انتشرت في بعض البلدان وكانت تدعو إلى طرد السوريين، مع استعراض أسبابها ونتائجها.

في لبنان

يعيش في لبنان حوالي مليون ونصف سوري، معظمهم يعاني من ظروف اجتماعية صعبة، ويعيش كثير منهم في مخيمات بائسة، ويتعرض السوريون في لبنان لمضايقات وتصرفات عنصرية من بعض اللبنانيين.

وقد انتشر في لبنان دعوات كثيرة لإخراج السوريين، أهمها "هاشتاغ" بعنوان "نعم لطرد السوريين من لبنان"، في أغسطس/ آب 2016، وتم تداوله على نطاق واسع في جميع وسائل التواصل الاجتماعي. بحجة أن السوريين يرتكبون الجرائم، ويضيّقون على اللبنانيين سبل عيشهم.

إلا أن اللاجئون السوريون الذين يعيش أكثرهم في لبنان مرغماً، كانوا قد أطلقوا "هاشتاغ" قبل "الهاشتاغ" اللبناني في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، بعنوان "أخرجونا من لبنان"، وذلك بعد عدة حوادث حصلت بحق اللاجئين السوريين في لبنان من قبل الجيش اللبناني من جهة أو جماعات مدنية لبنانية، حيث عبّر بعض السوريين أنه يعيش في سجن كبير عوضاً عن أن يكون في بلد يحترم سكانه.

وقد تكررت دعوات السوريين من أجل إخراجهم من لبنان، خاصة في الآونة الأخيرة، بعد اقتحام الجيش اللبناني لمخيمات اللاجئين في 30 يونيو/ حزيران الماضي، واعتقال مئات الشباب السوريين، وعودة بعضهم مقتولاً تحت التعذيب على يد الجيش اللبناني، الذي ادعى وفاتهم بسبب أمراض مزمنة.

في السعودية

يعيش في السعودية أكثر من 500 ألف سوري، دخلوا إليها قبل اندلاع الثورة في مارس/آذار 2011م، حيث تعدّ السعودية مقصداً للباحثين عن العمل. ومن السوريين من أمضى عشرات السنوات في السعودية، حيث حظي السوريون بالاحترام والتقدير من قبل السعوديين.

وبعد الثورة استطاع بعض السوريين المقيمين هناك اصطحاب عائلاتهم، مما دفع بعض السعوديين في ديسمبر/ كانون الأول 2015 لإطلاق هاشتاغ "اطردوا السوريين من السعودية"، الذي تحول إلى "هاشتاغ" تعاطف وتكاتف مع الشعب السوري فيما يتعرض له وتأكيد على المبادئ الأخوة بين السوريين والسعوديين.

أما سبب نشر الهاشتاغ، فكان حادث اختطاف تعرضت له طفلة سعودية، حيث انتشرت إشاعات بأن خاطفها سوري، ثم تبين للسلطات أنه سعودي وتم العثور على الفتاة المختطفة في العاصمة السعودية.

ومع سرعة انتشار الهاشتاغ بشكل واسع كانت كل تغريداته تقريباً تخالف الهدف الذي أنشئ من أجله، وتحيي وجود السوريين في السعودية وترحب به.

وفي مايو/ أيار الماضي دشن مغردون سعوديون هاشتاغ "سوريين مشرفين لأحياء الرياض" بعد انتشار تدوينة مجهولة المصدر تدعو السوريين للتواصل فيما بينهم في الرياض. عبروا من خلاله عن استهجانهم مما دفع بعضهم لوصف الوجود السوري في السعودية "بالاستعمار".

في تركيا

انتشر هاشتاغ يرفض وجود السوريين في تركيا بعنوان "أيها السوريون عودوا إلى بلادكم"، في الأيام الماضية قائمة أعلى الوسوم تداولاً في تركيا على موقع تويتر بعد حادثة تحرش قام بها شاب سوري.

ويعيش في تركيا ثلاثة ملايين سوري، ينتشرون في المدن التركية، ويتم استخدام وجودهم كورقة ضغط سياسي من قبل أطراف متعددة. غير أن المسؤولين الأتراك يدعون دائماً إلى حسن استضافة السوريين.

وفي الأيام القليلة الماضية دعا المسؤولون الأتراك إلى وأد الفتنة التي انطلقت في 4 يوليو/ تموز، واعتبروا أنها مدبرة من جهات خارجية تريد السوء بتركيا، وقد دعا نائب رئيس الوزراء التركي "نعمان قورتولموش"، شعب بلاده إلى التحلي بالفطنة حيال تلك الدعوات.

والأربعاء الماضي، قالت الداخلية التركية في بيان، إن "تضخيم الأحداث المؤسفة التي تقع أحياناً بين لاجئين سوريين ومواطنينا في بعض الأماكن، يهدف إلى زرع الفتنة بين الطرفين، وجعلها أداة لتحقيق غايات سياسية داخلية".

ويوم الخميس الماضي تم العثور على جثة اللاجئة السورية أماني رحمون الحامل في شهرها السابع وطفلها البالغ 11 شهراً مقتولين، بعد تعرضها للاغتصاب، حيث ألقت الشرطة التركية القبض على رجلين تركيين بتهمة قتلها واغتصابها، مما دفع بالأتراك لإطلاق هاشتاغ "أماني" وهو اسم القتيلة، وهاشتاغات أخرى تطالب بمعاقبة الفاعلين بأشد العقوبات، وهاشتاغات تدعو لاحتضان السوريين والدفاع عنهم.

وفي العام الماضي أدت تصريحات للرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" في يوليو/ تموز 2016، بأنه "سيسمح للسوريين في بلاده بالحصول الجنسية التركية"، بانتشار هاشتاغات رافضة لذلك منها: "لا أريد سوريين في بلدي"، وهاشتاغ "نعم لاستضافة السوريين ومساعدتهم، لكننا نرفض تجنيسهم، فنحن مستعدون لفتح أبوابنا لهم، لكننا لا نريد إعطاءهم بيوتنا".

وعلى الهاشتاغات كُتبت أكثر من 60 ألف تغريدة. واستخدمت في بعض التغريدات كلمات عنصرية وعرقية.

في الأردن

يعيش في الأردن حوالي مليون وثلاثمئة ألف سوري منهم 670 ألفاً دخلوا الأردن هرباً من الحرب، بينما دخلها الباقون سابقاً بحكم القرابة والعمل.

غير أن التصريحات الحكومية التي تشكو من أزمة اللاجئين دفعت مجموعة من المواطنين الأردنيين للمطالبة بطرد السوريين، وهو ما استنكره مواطنون آخرون.

وفي محافظة إربد العام الماضي استخدم مواطنون مكبرات الصوت، وهتفوا على دوار جامعة اليرموك، بشعارات طالبت بطرد اللاجئين السوريين من المملكة، وعدم تشغيلهم لأنهم يستحوذون على فرص عمل الأردنيين.

كما دعا نائب أردني الحكومة للإبقاء على اللاجئين داخل المخيمات وعدم السماح لهم بالانخراط في المجتمع الأردني.

يريدون الأمان

يريد اللاجئون السوريون العيش بأمان، وقد خرج معظمهم من سوريا بحثاً عن الاستقرار، وهرباً بأرواح أطفالهم، بعد أن حوّل نظام الأسد بلادهم إلى دمار، وقصف مدنهم، ولاحقهم بالصواريخ والقصف، وزجهم في سجون الموت والتعذيب.

لكنهم يجدون أنفسهم ورقة لعب في أروقة السياسة والاقتصاد في البلاد التي لجؤوا إليها، ومضطرين لدفع ثمن أخطاء مقصودة أو غير مقصودة قد تصدر عن أفراد قليلين منهم. رغم أن الإحصاءات والدراسات تحدثت عن فوائد اقتصادية لوجودهم في بلدان اللجوء. كما بيّنت أنهم شعب منضبط ونسبة انخراطهم في الجرائم أو المشاكل في البلاد المضيفة قليلة جداً.

ففي تحقيق نشره مركز "حوكمة" في الأردن في يناير/ كانون الثاني 2015 بيّن أن وجود اللاجئين السوريين أنعش الحركة التجارية في محافظات إربد والرمثا، حيث ارتفع الطلب على السلع الغذائية بشكل عام، ناهيك عن ارتفاع جودة الخدمات والبضائع والسلع في أسواق تلك المحافظات، حيث دفعت المنافسة في السوق المحلية إلى رفع سوية القطاعين التجاري والصناعي.

كما أظهر التحقيق أن محافظة إربد شهدت حركة تجارية نشطة منذ الربع الأول في عام 2011، حيث فتحت العديد من المحلات التجارية وزاد الطلب على السكن والشراء لمختلف السلع الأساسية لوجود اللاجئين داخل التجمعات السكانية.

كما أوضح التحقيق أنه بحسب إحصاءات رسمية فإن حجم المساعدات (منح وقروض ميسرة) التي حصلت عليها المملكة خلال الاعوام 2011-2013  فقط، بلغت 6.9 مليار دينار، وهو ما يوازي ثلاثة أضعاف ما كانت تحصل عليه المملكة قبل أزمة اللاجئين السوريين.

وتتجاهل الحكومات والأحزاب السياسية والمعارضين للاجئين السوريين، ما تصدره مراكز دراسات أو إحصاء حكومية، أو ما تخلص إليه دراسات وبحوث علمية عن الإيجابيات التي جلبها معهم اللاجئون السوريون للبلدان التي يعيشون فيها.

ويعد لبنان من أكثر البلدان التي يصرح مسؤولوها عن غضبهم من وجود اللاجئين السوريين، لكن ما لم يلتفت إليه المسؤولون اللبنانيون، ما خلصت إليه الجامعة الأمريكية في بيروت في مايو/أيار الماضي، حيث أصدرت إحصائية قالت فيها إن اللاجئين السوريين في لبنان يدفعون نحو 378 مليون دولار سنوياً فقط ثمن إيجارات المنازل التي يقطنون بها.

وبيّنت الإحصائية أن السوريين يساهمون في الاقتصاد اللبناني بمعدل 1.04 مليون دولار أمريكي يومياً، كما أظهرت أن بعض السوريين افتتح مشاريع تجارية ووفر فرص عمل لشبان لبنانيين، حيث تم توفير ما يزيد عن 12 ألف وظيفة بين اللبنانيين عام 2016.

وفي تركيا، أوضح تقرير صادر عن مركز أبحاث الهجرة وأمن الحدود التابع لأكاديمية الشرطة التركية، في مارس/ آذار الماضي، أنّ 90 بالمئة من اللاجئين السوريين يعيشون في ولايات تركية مختلفة، معتمدين في قضاء حوائجهم على أموالهم الخاصة التي يجنونها من عملهم، مشيراً أنّ السوريين أثروا بشكل إيجابي على بعض القطاعات، تمثّل في نشاط قطاعات النسيج والأغذية (في تركيا)، بسبب كثرة المساعدات الإنسانية المقدّمة للاجئين السوريين، وطرأ نشاط مشابه لقطاع العقارات وتمكّن أصحاب المنازل من تأجير بيوتهم.

كما ذكرت صحيفة "ديلي صباح" التركية العام الماضي، أن السوريين احتلوا المرتبة الأولى بين أصحاب الاستثمارات الأجنبية في تركيا، بتأسيسهم ما يقارب الـ 4 آلاف و500 شركة. وساهم  المستثمرون السوريون في دعم الليرة التركية فضلاً عن توفير فرص عمل للشبان الأتراك.

ومازالت مأساة اللاجئين السوريين، التي أطلقت عليها الأمم المتحدة وصف "مأساة القرن"، تنظر الحل، بعد أن حوّل الأسد بإفساحه للتدخل الدولي في سوريا، ثورتهم التي خرجت للمطالبة بإزاحة نظامه المستبد، إلى حرب إقليمية ودولية، لا يعرفون متى تنتهي، حتى يستطيعوا العودة لبلادهم والعيش فيها بكرامة.




المصدر