مفاهيم السيادة المثقوبة وذاكرة السمك


هشام أسكيف

يتجول بصورة عفوية مصطنعة لدرجة ممجوجة، مرتديًا “تي شيرت”، ومتخلصًا من البرتوكول الرئاسي، يدخل بيوت ضحايا حربه المجنونة على شعبه، يُسرّب حديثًا للإعلام في اجتماع لوزرائه، متحدثًا عن أفعال قامت الثورة أصلًا من أجلها وبسببها، الثورة المستمرة منذ 60 عامًا، الأمن والحواجز الأمنية ومظاهر الاستعلاء للمسؤولين وأولادهم، وكأننا (أعني شعبًا في الطرفين، مؤيدًا أو مناهضًا لحكمه القاتل)، لا نعرف جوهر حكمه وحكم آل الأسد المبني أصلًا على تحكم رجال الأمن حتى بالأنفاس.

أي رئيس هذا الذي يزعم السيادة ويُطلق الوعود ويأمر بإزالة حواجز! أي رئيس هذا الذي يمتلك ذاكرة السمك، وعلى بعد مئات الأمتار من زيارته الريفية تقع قواعد عسكرية إيرانية، وهي محميات أمنية يحظر على قواته الدخول إليها! أي ذاكرة للسمك يحتوي دماغه، ويريدنا أن نندمج معه بدور الرئيس الذي لا يرضى بتجاوز رجاله، وهو الذي رفض أن يُعاقب عاطف نجيب وغيره، ولو فعل لجنّب نفسه ونظامه ثورة عارمة! أي مخلوق هذا الذي ينسى أو يتناسى أثناء دخوله قاعدة حميميم أنه دخل إلى المفوضية السامية الروسية، وأنه مجرد موظف يكتب كلمة في سجل الزيارات! وأي رئيس هذا ليصدر قرارات لا تساوي عند شبيحته ثمن الحبر الذي كتب به؟!

لقد تمكنت منه ذاكرة السمك حتى الثمالة؛ فنسي أن هناك أربع قواعد أميركية وقوات أميركية متواجدة على الأرض السورية من دون إذنه، أو حتى التنسيق معه، وقواعد تركية وقوات تركية منتشرة على مساحات واسعة، ونسي أن هناك قوات غير قواته (الباسلة) تستولي على مساحات من (أراضي داعش)، وتدخل محافظة من المفترض أن يكون رئيسًا لها، ونسي أن مساحات شاسعة من البادية السورية أصبحت مركزًا للصراع الدولي.

أي منفصل عن الواقع يخرج ليظهر بمظهر الرئيس الشعبي الذي يرفض التجاوز، وهو الذي نهب وسرق مقدرات الدولة، برفقة ابن خاله مخلوف وآل شاليش وسواهم. واهمٌ من يعتقد أن هناك من يصدّقه حتى ممن يؤيدوه، وهو نفسه لا يقرأ النداءات اليومية منهم لإنقاذهم من وحوش سلّطها هو عليهم، لحمايته من النهاية الحتمية لكل قاتل مستبد، ولا يسمع مؤيدوه يوميًا وعلى صفحات التواصل يتهمونه، بشكل غير مباشر، بأن هؤلاء الوحوش محميّين من إيران ومن الأجهزة الأمنية على حد سواء، ولا يسمع النداءات الألفية التي يكتبها رعاياه لقاعدة حميميم لتتدخل وتضبط الانفلات الأمني الذي كان مستترًا قبل الثورة، وأصبح علنيًا مذلًا وقحًا بعد الحرب المجنونة على الشعب.

عن أي سيادة يتحدث الأسد الذي يحتاج إلى إذنٍ ليردّ على ثقوب السيادة بالقصف الإسرائيلي اليومي، وعلى إسقاط طائراته وقصف قواعده الجوية التي حوّلها إلى أكبر مصدر لموت الشعب الذي يدّعي أنه رئيسه! وأي سيادة يدّعيها بعد أن دمّر نصف سورية وهجّر نصف سكانها، ليبقى -وبلا أمل في الاستمرار- يحمل لقب رئيس! وعن أي قرار وطني يتحدث والصفقات تجري على قدم وساق تحت نظره.

المضحك المبكي تصريحُ دوائره السياسية بأنها ترفض دخول قوات تركية، بصفة ضامن، في “مناطق خفض التصعيد”، وهذا الذي لم يُطلب منه أصلًا التوقيع على الاتفاق، ولم يأخذ أحدٌ رأيه في قبول أو رفض قوات تركية أو غيرها.

بعد 24 ساعة يُلفلف القصة، ويقود سيارته من دون السائق، أمام عدسات كاميراته، ويطبع عملة عليها صورته، وهو لا يملك أن يُحرّك وزيرًا إلا بأمر إيران أو “حزب الله”، ويقفز فوق المعقول بذاكرة السمك المثقوبة التي أنسته سيادته المثقوبة.




المصدر